كاتب فلسطيني في أمريكا: "أنا خائف أيضا"

 الكاتب الفلسطيني سيد قشوع المقيم في بوسطن الأمريكية. صورة من  picture-alliance/Effigie/Leemage Headshot of Palestinian writer Sayed Kashua wearing an open-necked shirt and jacket against a dark background
يقول الكاتب قشوع المقيم في بوسطن الأمريكية: "لا أحد يتحدث كم هو مخيف أن تكون فلسطينياً في الوقت الحالي. قد يكلّفك ذلك عملك". صورة من picture-alliance/Effigie/Leemage

يتحدث الكاتب الفلسطيني سيد قشوع عن خوف الفلسطينيين في الغرب من التحدث علناً عن الحرب، والوضع غير المستقر للعرب الإسرائيليين وحدود الكتابة. حاورته الصحفية الألمانية لينا بوب.

الكاتب، الكاتبة : Lena Bopp

سيد قشوع، الحرب بين إسرائيل وحماس هي أيضاً نزاع بين منظورين مختلفين للغاية: يتهم العربُ الغربَ بالاستخفاف بحياة الفلسطينيين. وفي الغرب، يشعرون بالإساءة من الانفعالات المعادية للسامية. ما هو رأيك في هذا النزاع؟

سيد قشوع: في الواقع، أنا عاجز عن الكلام، حزين للغاية ومحبط ويائس أكثر من أي وقت مضى. كنت أعتقد أنّ شعوري خلال حرب غزة في عام 2014 هو أكثر حالة يأس يمكن أن أشعر بها على الإطلاق، ولكن مرة أخرى تفاجأت بمدى القبح الذي يمكن أن يصل إليه الواقع. أتنقّل بين قناة الجزيرة والصحف الإسرائيلية، أشاهد قناة سي إن إن وقناة إم إس إن بي سي وأقرأ صحيفة نيويورك تايمز، بينما تطلب مني عائلتي وأصدقائي التوقّف عن ذلك لأنه مُحبِطٌ للغايةِ.

 

اشتكيتَ فيما مضى من أنَّ الأصوات الفلسطينية لم تعد مسموعة. لماذا تعتقد ذلك؟

قشوع: لست متأكداً. هناك ناشطون وسياسيون وأكاديميون مذهلون، فلسطينيون يتحدّثون الإنكليزية بطلاقة ويرغبون بالكلام. لكن الأصوات الفلسطينية نادراً ما تُسمَع. أشاهد التلفاز اليوم ويُعلِّقُ على الأحداث متحدّثون عسكريون وسياسيون، إضافة إلى المحللين وخبراء الحرب الأميركيين الذين خدموا في الشرق الأوسط. إنهم ينظرون إلى الأمر من خلال منظورهم الخاص. أمر لا يُصدّق.
 

آلية دفاعية

بصراحة، حاولنا جاهدين الاتصال بفلسطينيين، غير إنهم إما لا يردون علينا أو لا يرغبون بالتحدّث. يُعتقدُ أنهم خائفون لأنهم يظنون أنّ النظرة الغربية للنزاع مُتحيِّزة.

قشوع: أنا خائف أيضاً! طُلِب مني كتابة مقالات لصحف وهذا يخيفني، بيد أنني قرّرت أنَّ ذلك أقل ما يمكنني فعله. الأمر أنّه -هنا في الولايات المتحدة حيث أعيش- يدور الكثير من الحديث حول خوف المجتمع الإسرائيلي. لكن لا أحد يتحدّث عن كم هو مخيف أن تكون فلسطينياً في الوقت الحالي. يمكن لذلك أن يكلِّفك عملك.

لدي أصدقاء حضروا احتجاجات صغيرة هنا في بوسطن وأتوا مرتدين أقنعة وجه وأغطية رأس خوفاً من أن تطردهم الجامعات، لمشاركتهم في مظاهرات تطالب بوقف إطلاق النار. وبالنسبة للفلسطينيين في إسرائيل فالوضع أكثر تعقيداً حتى. إنهم يخشون التعبير عن آرائهم.

 

أعتقد أنَّ إحدى المشاكل الكبيرة أنه على الرغم من إدانة مجزرة السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 في معظم الأحيان، بيد أنّها تُبرّرُ وتُفسِّرُ مباشرةً. لماذا لا يمكن تسمية المجزرة بأنها مجزرة من دون أي تحفّظ؟

قشوع: لا يوجد أي مبرر لقتل المدنيين. لا يوجد أي مبرر لقتل إنسان. وبصراحة، حين سمعت أول تقرير عن السابع من أكتوبر/تشرين الأول، والذي كان يتحدث عن مقتل 22 إسرائيلياً، فكرت: يا إلهي، سيقتلون على الأقل 5000 فلسطيني. وحين علمت أنّ مئات الإسرائيليين قد قُتِلوا... لا أعرف. وبمشاهدة قوافل من عشرات آلاف الفلسطينيين تغادر شمال قطاع غزة، فكّرت أنهم لن يعودوا أبداً. وتشير بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية بالفعل إلى هذه القضية بوصفها "النكبة 2023". بكل بساطة.
 

ولكن لا ينبغي أن ننسى ما يعنيه بالنسبة للفلسطينيين رؤية عشرات آلاف اللاجئين، وبعضهم يفرّون للمرة الثانية أو الثالثة. في اعتقادي فإنّ الفلسطينيين الذين ارتكبوا هذا العمل الشنيع في السابع من أكتوبر/تشرين الأول غالباً وُلِدوا في حدود العام 2000. بالنسبة لهم إسرائيل هي الجيش والمستوطنون الذين يسجنونهم، لأنّ غزة كذلك بالنسبة للفلسطينيين. من وجهة نظر فلسطينية، يبدو أنّ الرغبة في وضع المذبحة في سياقها هي نوع من آلية الدفاع.

"فقدتُ كل الأمل"

أنت عربي إسرائيلي. وُلِدت على الحدود مع الضفة الغربية ودرست في مدرسة داخلية عبرية. أين تضع نفسك في المجتمع؟

قشوع: أنا مواطن فلسطيني في إسرائيل، لكنني الآن "أضع نفسي" في بوسطن. كان مشروعي التلفزيوني الأخير حول مدرسة ثنائية اللغة في القدس: حيث يعيش الفلسطينيون والإسرائيليون معاً ويحاول بعضهم فهم معاناة بعضهم الآخر وألمهم ويحاولون إيجاد لغة مشتركة. إنهم يتحدّثون في الواقع مزيجاً من العربية والعبرية. اعتقدت دائماً أنَّ المهمة تتمثّل في تعزيز نوع من التفاهم. لكن هذا غير عقلاني. إنه خيال علمي.

 

بوصفك كاتباً وصحفياً حاولت دائماً سرد قصص الفلسطينيين وكتابتها بالعبرية لكي يتمكن اليهود من فهم الجانب الفلسطيني.

قشوع: نعم، هذا صحيح. لكني الآن أركَّز في عملي الأكاديمي على قضية كيفية الحفاظ على الأمل. أبحث عن الأمل في الأدب الفلسطيني بعد النكبة. يوجد كتاب رائع عن ذلك بعنوان "أمل بلا تفاؤل". لكن هذا العمل يصبح صعباً للغاية.
 

شكوك حول قوة الكتابة

في مقالاتك بصحيفة "هآرتس"، كثيراً ما استخدمت الفكاهة والسخرية والتهكُّم للتعبير عن الإذلال الذي تعرَّضت له أنت وغيرك من الفلسطينيين في إسرائيل. هل يمكنك شرح تجاربك بتفصيل أكبر؟ وما الذي دفعك إلى مغادرة البلاد في نهاية المطاف؟

قشوع: أولاً: في مرحلة ما، أصبحت كاتباً مشهوراً، لذلك كان الأمر أسهل قليلاً بالنسبة لي، كما أعتقد. بيد أنني فقدت الأمل كلياً. لم أكن أريد أن يكبر أطفالي في القدس. في عام 2014، تقبَّلتُ هذه الهزيمة.

Here you can access external content. Click to view.

ولكن ما الذي حدث؟ لماذا لم ينجح الأمر؟

قشوع: فقدت الإيمان بقوة الكتابة. لم يكن لدي المال ولا الوسائل ولا الدعم لتغيير أي شيء. كانت الكتابة الشيء الوحيد الذي يمكنني القيام به. ولكن مجدّداً علي الاعتراف أنني كنت خائفاً للغاية. كتبت في حدود الإطار الذي عرفت أنه كان مقبولاً لدى قراء صحيفة هآرتس وكُتَّابهم اليساريين، إن صحَّ القول. لقد عرفت دائماً أنه كان بإمكاني فقدان عملي إن تجاوزت المقبول. ومثل جميع الفلسطينيين في إسرائيل لم يكن لدي مصدر آخر للدخل. ليس لدينا رأس مال فلسطيني في إسرائيل. ليس لدينا المال ولا المؤسسات. وبالنسبة لكاتب فهذا أمر محفوف بالمخاطر. وكان ذلك مُهِيناً للغاية لأنني كنت مُدرِكاً للخطر بشكل مستمر.

كتبت في خوف. وكان التحدّي يكمن في إيجاد طريقة ما لتصوير الواقع الرهيب، لكن بطريقة تبقى مقبولة للقارئ الإسرائيلي. هذه قصة حياتي وكتابتي. وكان إدراك هذا الخوف أمراً مهيناً ومُدمِّراً. أحياناً كنت اعتذر للعمل بهذه الطريقة. وقد كانت الفكاهة موجودة من أجل إضفاء طابع إنساني على شخصياتي، وعلى نفسي وعلى القصص. استخدمت الفكاهة لجذب الانتباه. ومن ثم لرواية قصة حزينة عن حاضرنا. كانت الفكاهة هي الوسيلة وليست الهدف. كانت تذكرة للنجاة.

 

كيف استُقبِل قرارك بالكتابة باللغة العبرية حصرياً من قبل المجتمع الفلسطيني؟

قشوع: كنت أتعرض للانتقاد في بعض الأحيان: أتفهّم ذلك لأنَّ اللغة ترتبط بالهوية وبالجنسية. انتُقِدت بسبب استخدامي اللغة العبرية، ولكن ليس بسبب محتوى قصصي. هل كان من المشروع الكتابة بالعبرية بوصفي عربياً إسرائيلياً؟ هل يعني ذلك بالضرورة أنني كنت أخاطب الإسرائيليين؟ ما الثمن الذي كنت سأدفعه مقابل هذا؟ إلى أي مدى فرضت -تلقائياً ومن دون وعي- رقابة على نفسي عبر استخدام اللغة العبرية؟ كانت هذه الأسئلة التي طرحتها باستمرار.


وماذا عن الإجابات؟

قشوع: في مرحلة ما اكتشفت أنني كنت أكتب بنوع من المقاومة للغة نفسها، كنت أتحدّى اللغة. كان الناس يقولون دائماً إنني كنت أكتب العبرية بلكنة فلسطينية. وكان هذا أملي، أن يظهر صوتي كفلسطيني وتظهر لكنتي كفلسطيني في كتاباتي العبرية.

هل لديك أي آمال سياسية للمستقبل؟ يقول البعض إن بإمكان الحرب أن تمهِّد -على الأقل- الطريق أمام أفكار ومحادثات جديدة حول حلّ الدولتين.

قشوع: نعم، توجد أصوات في فلسطين تقول إنَّه بعد ما يحدث الآن سيلتفت العالم الغربي إلى القضية الفلسطينية، وإنه سيكون هناك نوع من الحل بعد وقف إطلاق النار وإنَّ الشعب الفلسطيني يستحقُّ أن يكون له رأي. ولكن لا، لا، لن يتغير أي شيء. لا يوجد صوت غربي ولا صوت عربي يدعمنا، أنا لا أتحدث عن الناس، بل أتحدث عن الحكومات. ولا يوجد صوت إسرائيلي يمكن الاعتماد عليه أو العمل معه لإنهاء الإذلال لكونك فلسطينياً.

وفوق كل هذا أعتقد أنَّ إسرائيل تستهدف أمل الفلسطينيين. إنها تقتل أمل الفلسطينيين بمستقبل أفضل. وبالعودة إلى سؤالكِ: لا أقول هذا من أجل تبرير جريمة مروعة مثل التي ارتُكِبت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، على الإطلاق. أنا فقط لا أعتقد أنَّ شخصاً يمكنه شراء الطعام ولديه كهرباء وإنترنت سيكون لديه نفس الموقف الأخلاقي تجاه الوضع مثل شخص في غزة لا يعرف حتى كيف يشتري كيلو من الطماطم لأسرته. إنها ببساطة طريقتان مختلفتان للنظر إلى العالم.

 

حاورته: لينا بوب

حقوق النشر: فرانكفوتر ألغيماينه تسايتونغ / موقع قنطرة 2023


Qantara.de/ar