"قمع محدق بالفلسطينيين على جميع الأصعدة"

الباحث والمستشار السياسي خالد الجندي 06 / 06 / 2017.
الباحث والمستشار السياسي خالد الجندي 06 / 06 / 2017.

تناقصت حقوق الفلسطينيين شيئا فشيئا بين حركة حماس الحاكمة في غزة والسلطة الفلسطينية المديرة للضفة الغربية وإسرائيل التي منحت الضفة حكما ذاتيا محدودا لكن بسيطرة إسرائيلية كاملة -بينما التصعيد قابل للاشتعال في أي لحظة- كما يرى الباحث والمستشار السياسي خالد الجِندي. حاورته الصحفية الألمانية أندريا باكهاوس.

الكاتبة ، الكاتب: Andrea Backhaus

بعد شهرين من التصعيد بين القيادة الإسرائيلية والفصائل الفلسطينية، اشتدّ الصراع على السلطةِ داخل القيادة الفلسطينية. ففي الضفةِ الغربيةِ، تمسك الرئيس محمود عباس بحكمه بقوة متزايدة. ومن ناحية أخرى، تطلَّعت حماس المسيطرة على قطاع غزة، إلى توسيع نفوذها في الأراضي المحتلة. يتحدّثُ خالد الجندي، من معهد الشرق الأوسط في واشنطن، عن الضغط الذي يتعرضُ له الفلسطينيون ولماذا من المرجح أن تكون حماس المستفيد الرئيسي من هذا الضغط. وكان الجندي مستشاراً للقيادة الفلسطينية في رام الله بين عامي 2004 و2009.

***

السيد خالد الجندي احتجّ الفلسطينيون مراراً وتكراراً من أجل إنهاء ولاية الرئيس عباس. هل تمثّلُ هذه الاحتجاجات نقطة تحول؟

خالد الجندي: أعتقد ذلك. منذ مدة طويلة ومحمود عباس لا يحظى بشعبية بين الفلسطينيين، بيد أنّ شعبيته تراجعت أكثر في الأشهر الأخيرة. فحين ألغى الانتخابات البرلمانية التي كان من المقرر إجراؤها في الربيع، خيّب آمال الكثير من الناسِ. كما اعتبره الكثير من الفلسطينيين غير كفء وغير قادر على العمل خلال التصعيد مع إسرائيل في أيار/مايو (2021). وبالنسبة للكثيرين، فقد عزّز هذا الشعورَ بأنّ عباس فقد كل شرعيته. وفي الآونة الأخيرةِ، أمر بإجراءاتٍ تعسفية جماعية ضد المتظاهرين الذين ثاروا بعد وفاة الناشط نزار بنات. وهذا شكّل نقطة تحول.

 

في نهاية حزيران/يونيو 2021، اعتقلت قوات الأمن نزار بنات، المعروف بانتقاده لعباس، وضربته حتى الموت. وخلال الاحتجاجات التي تلت موته، ضُرِبَ المتظاهرون، كما أبلغت العديد من النساء عن تعرضهن لاعتداءات جنسية. لماذا يختار عباس التعامل بقسوة مع ناقديه الآن؟

الجندي: يدركُ عباس أنه خسر الكثير من دعمه الشعبي. لقد أصبح مرتاباً بمرور الوقت ويشعر بالتهديد من قبل أي شخص يعارض قيادته، بما في ذلك زملائه داخل حركة فتح. فعلى سبيل المثال، فصل من حركة فتح منافسه ناصر القدوة، الذي أعد قائمة مرشحين خاصة به في الفترة التي سبقت الانتخابات التي كان من المقرر إجراؤها.

 

هل يصبح عباس سُلطويّاً بشكل متزايد؟

الجندي: نعم. وفقاً للمعلومات التي جمعتها، فإنّ حقوق الإنسان في وضع سيء في الضفةِ الغربيةِ. لا يقتصرُ الأمر على تعرّض الفلسطينيين بشكل مستمر للمضايقاتِ من قبل الجيش الإسرائيلي فحسب، بل أيضاً تتناقصُ حقوقهم شيئاً فشيئاً في ظلّ قيادتهم الفلسطينية أيضاً. تقمعُ السلطةُ الفلسطينيةُ المجتمع المدني منذ سنوات، ولطالما اعتقلت أشخاصاً بسبب منشوراتهم على فيسبوك التي تنتقد السلطة. ومنذ مقتل نزار بنات، تصاعدت وحشية قوات أمن عباس ضد النشطاء، إذ تعتقلهم وتضربهم. ويتفاعل محمود عباس مع الاحتجاجات بطريقة مماثلة لتفاعل دكتاتور مصر حسني مبارك مع المظاهرات في الأيام الأولى للثورة المصرية.

 

هل تتحسن الأمور إنْ رحل عباس؟

الجندي: على الأقل، سيمنح رحيله الفلسطينيين فرصة تشكيل قيادة سياسية جديدة. ولكن سيكون لهذه الفرصة في حدّ ذاتها مزايا وعيوب. فمن المحتمل أن ينشب صراع على السلطة في داخل حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، مما قد يؤدي إلى اضطرابات. لن يكون هناك أي إصلاح سياسي طالما عباس في السلطةِ. فهو يحكمُ بشكل قمعي ورجعي. وعباس مصمّمُ على التمسّكِ بالسلطةِ حتى النهايةِ مهما كلّف الأمرُ.

خلافاً لعباس، فإنّ شعبية حماس أكبر من أي وقت مضى لدى العديد من الفلسطينيين. فخلال التصعيد في أيار/مايو 2021، أطلق الإسلاميون مئات الصواريخ على إسرائيل، وكأنهم المنقذ للفلسطينيين.

 

آلاف الفلسطينيين يتظاهرون ضد الرئيس عباس والسلطة الفلسطينية في 2 يوليو / تموز 2021. (Foto: Mohamad Torokman/REUTERS)
في أعقاب الموت العنيف لنزار بنات المعروف بانتقاده للحكومة الفلسطينية في 24 حزيران/يونيو 2021، كان هناك مسيرات شبه يومية ضد الرئيس الفلسطيني محمود عباس. طالب المتظاهرون باستقالة الرئيس البالغ من العمر 85 عاماً، وحملوا لافتات تقول: "ارحل يا عباس". وزُعِمَ أنّ بنات تعرض للضرب على أيدي قوات الأمن الفلسطينية، بعضهم بقضبانٍ حديدية، لمدة ثمان دقائق، وكما يقول الجندي: "منذ مقتل نزار بنات، تصاعدت وحشية قوات أمن عباس ضد النشطاء، إذ تعتقلهم وتضربهم. ويتفاعل محمود عباس مع الاحتجاجات بطريقة مماثلة لتفاعل دكتاتور مصر حسني مبارك مع المظاهرات في الأيام الأولى للثورة المصرية".

 

أليس هذا تطوراً مقلقاً؟

الجندي: بالطبع هو تطور مقلق بالنسبة للغرب. مضى 15 عاماً منذ أن فازت حماس لآخر مرة في الانتخابات في الأراضي الفلسطينية. ومع ذلك، إلى هذا الوقت لا يملك رؤساء الحكومات في الولايات المتحدة وأوروبا أي استراتيجيات للتعامل مع حماس سوى مقاطعتها. فإن فازت حماس في الانتخابات القادمة أو أصبحت جزءاً من ائتلاف حاكم، فلن يكون لدى هؤلاء الرؤساء أدنى فكرة عما يتوجب فعله.

 

كيف ينبغي على القادة الغربيين التعامل مع حماس؟

الجندي: ينبغي عليهم في بداية الأمر الاعتراف بالواقعِ. فحتى بعد سنوات من القصف في قطاع غزة، وعلى الرغم من الحصار والمقاطعة الدولية، لا تزال حماس موجودة، وهي لن تختفي. حتى لو كانت حماس لا تعجبهم، ينبغي عليهم العثور على طريقة للتعامل معها على المستوى السياسي. وهذا لا يعني قيامهم بدعم أيديولوجية حماس أو أفعالها. لكن ينبغي أن يكون صانعو القرار السياسيون واضحين في أنه لا يوجد حل عسكري للنزاع، بل حل سياسي فحسب. يأمل الغرب ببساطة أن يبقى عباس في السلطة وتستمر حركة فتح في الحكم. بيد أنّ هذا غير واقعي في وقت تزدادُ فيه شعبية حماس.

 

كيف يمكن تفسير شعبية حماس؟

الجندي: لا أعتقدُ أنّ غالبية الناس في غزة يحبون حماس أو أيديولوجيتها أو أفعالها. قادة حماس ليسوا ديمقراطيين بالضبط، فهم لا يدعمون حقوق الإنسان، ولا يجيدون الحكم. بيد أن الناس محاصرين، وهم يحتاجون إلى حماس. فإسرائيل تسيطر على قطاع غزة بحراً وبراً وجواً. وحماس هي الجهة الوحيدة التي تقدم خدمات للشعب والتي يمكنها، على الأقل في بعض الأحيانِ، فرض فتحِ المعابرِ وإدخال البضائعِ إلى قطاع غزة. إضافة إلى ذلك، تستفيد حماس بالتحديد من إخفاقات عباس والسلطة الفلسطينية.

 

كيف تستفيد حماس من إخفاقات عباس والسلطة الفلسطينية؟

الجندي: لا يبدو أنّ لدى القيادة الفلسطينية في رام الله أي جواب حول عمليات الإخلاء القسري للفلسطينيين من منازلهم، كما يحدثُ مثلاً في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية. كما أنّ عمليات البناء غير القانونية المستمرة للمستوطنات وانتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية لا تثير أي استجابة لديها. وليس لديها أي رؤية حول كيفية تحقيق دولة فلسطينية مستقلة. لا وجود لعملية السلام. ومن وجهة نظر العديد من الفلسطينيين، حماس هي المجموعة الوحيدة التي تدافع عن مصالح الفلسطينيين. وهذه مشكلة.

 

لا بد وأنّ الشعور بأنّ الجميع قد تخلّى عنهم زاد لدى العديد من الأشخاص في غزة منذ الحرب الأخيرة؟

الجندي: كان قطاع غزة يُعتبر غير صالح للسكن أساساً، بيد أنّ الوضع تدهور بشكل كبير منذ القصف الذي تعرض له في أيار/مايو 2021. دُمِّرت أعداد كبيرة من المباني، وبالتالي أصبح عشرات آلاف الأشخاص بلا مأوى. كما تعرّضت البنية التحتية لضربة كبيرة: تقريباً لا يوجد كهرباء أو مياه صالحة للشرب. انهار النظام الصحي، وهذا أمر مقلق للغاية، لأن حالات كورونا تزايدت بشكل كبير في قطاع غزة. تدهور الاقتصاد. منذ أن وقّعت حماس وإسرائيل اتفاق وقف إطلاق النار، شدّدت إسرائيل قيود الاستيراد إلى قطاعِ غزة. والآن يكاد لا يوجد أي طعام أو دواء يدخل إلى قطاع غزة. لا أعرف ماذا تعتقد القيادة الإسرائيلية أنها ستحققه بممارسة مثل هذا الضغط على الفلسطينيين. إن كان الهدف هو إخراج حماس، فإن هذا لم ينجح، ولم يضعف حماس، بل على العكس من ذلك.

 

هل وحّدت الحربُ الفلسطينيين؟

الجندي: بالتأكيد. لطالما كان هناك تضامن كبير في غزة، والقدس، والضفة الغربية حين يتعرض الفلسطينيون للاعتداء في هذه المناطق. ولكن في أيار/مايو 2021 كان هناك أيضاً تضامن ضمن الفلسطينيين عبر حدود عام 1967. في هذه المرة، انضم الكثير من الفلسطينيين في إسرائيل أيضاً إلى الاحتجاجات المناهضة للعنفِ في حيفا، ويافا، والناصرة. وهذا لم يحدث من قبل على الإطلاق. يُظهِرُ هذا الأمرُ أنّ هناك تغييراً جارياً في الأجيال. لم يعد العديد من الفلسطينيين الشباب متمسكين بحل الدولتين. كما يمكنهم تخيّل دولة مشتركة مع الإسرائيليين يعيشون فيها كمواطنين متساوين.

 

وهل يمكن تصوّر مثل هذا السيناريو مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد اليميني المتشدّد، نفتالي بينيت؟

الجندي: نفتالي بينيت ليس مهتماً بحل الدولتين، ولا حتى بحل الدولة الواحدة الذي يستند على المساواة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. إنه يريد الحفاظ على الوضع الراهن، وهو فصل عنصري بحكم الأمر الواقع: فالفلسطينيون يتمتعون بحكمٍ ذاتي محدود، بيد أنهم يخضعون لسيطرة إسرائيل الكاملة. ولا يمنح بينيت الفلسطينيين أي حقوق. وتتعاون حكومته مع المتطرفين الذي يسعون مثلاً إلى وضع القدس تحت السيطرة اليهوديةِ البحتةِ.

 

ما هو التالي بالنسبة للفلسطينيين؟

الجندي: كيفما نظرت للأمر فإنّ الأمور قاتمة بالنسبة للفلسطينيين. فهم يواجهون القمع من كل الجوانب: من قبل حماس في غزة، ومن قبل القيادة الفلسطينية في الضفةِ الغربية، وفي كل مكان من قبل الإسرائيليين. ففي إسرائيل، اعتقلت السلطات ما يقارب من 2000 فلسطيني منذ التصعيد الأخير في أيار/مايو 2021. أما نقاط النزاع التي أدت إلى الحرب في أيار/مايو 2021 فلا تزال موجودة: عمليات الإخلاء، وبناء المستوطنات، والحصار في غزة. وطالما لم تُحل هذه المشاكل سيبقى الوضع متوتراً.

 

 

حاورته: أندريا باكهاوس

ترجمة: يسرى مرعي

حقوق النشر: دي تسايت / موقع قنطرة 2021

ar.Qantra.de

 

 

.....................................................

طالع أيضا

محمد دحلان…الرجل الأخطبوط؟ الصراع على السلطة السياسية في فلسطين

مزالق المصالحة بين فتح وحماس - جهود المصالحة الوطنية الفلسطينية

الصراعات الفلسطينية الداخلية - تعليق صحفي غربي

"إسرائيل تخشى ديمقراطيات عربية فاعلة في فلسطين"

......................................................