علاج لعدم الثقة بالمسلمين وانضباطهم؟

ازدهر الحوار الإسلامي- المسيحي منذ أن بدأ الجدل حول الاندماج يتطرق إلى الجوانب الدينية. وفي هذه الأثناء اكتشفت السياسة هي الأخرى الحوار بين الأديان. الائتلاف المسيحي-الليبرالي الحاكم في ألمانيا عبّر في وثيقته الائتلافية عام 2006 عن أمله في أن يساهم الحوار بين الأديان في التغلب على الأحكام المسبقة ومعاداة السامية. في الأكاديمية الكاثوليكية في شتوتغارت ناقشت الجهات الممثلة لهذا الحوار وضعه الراهن. كلاوديا مينده تكشف عن جوانب هذا الحوار وإشكالياته.

الصورة د.ب.ا
"نحن بحاجة إلى الحوار كثقل موازن لمواجهة فقدان الثقة المتنامية والمعادية للإسلام"

​​ يبدو الأمر كما لو يؤدي الحوار الديني بين المسيحية والإسلام الآن ما ضيعته سياسة الاندماج.وهذا الحوار يتم استحضاره مثل تعويذة من أجل التغطية علة الحيرة العامة المتفشية. في وضع اجتماعي يشهد تنامي التوجهات اليمنية الشعبوية واستياء متزايد من المسلمين وصل حتى الطبقة المتوسطة، يعلق المرء آماله على كل بادرة للنجاح.

أو هل يتعلق الأمر في الحوار الديني ببرنامج يجعل المسلمين أكثر قابلية على الحكم، كما يعلق أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة إيرلانغن جمال مالك منتقداً؟ ويرى مالك أن هناك مخاطر من أن "زيادة الحوار المرتبط بالانضباط والمصالح الأمنية".

هاينر بيليفيلد، أستاذ حقوق الإنسان في جامعة نورنبيرغ-إيرلانغن، يعتبر على العكس من ذلك الحوار بين المسلمين والمسيحيين في هذا الوضع ذا قيمة أساسية. ويضيف بيليفيلد قائلاً: "نحن بحاجة إلى الحوار كثقل موازن لمواجهة فقدان الثقة المتنامية والمعادية للإسلام". إن الجدل حول زاراتسين فتح إمكانية "للنظر إلى تلك الهوة". ويضيف الخبير الألماني بالقول "إن استطلاعات الرأي توضح أنه يوجد هناك كم هائل من التحفظات تجاه المسلمين، وليس الشك وعدم الارتياح فقط، بل والاستياء الكبير أيضاً. لأنه من الضروري وجود قوى مضادة لذلك".

قنوات الحوار

الصورة د.ب.ا
"استطلاعات الرأي توضح أنه يوجد هناك كم هائل من التحفظات تجاه المسلمين، وليس الشك وعدم الارتياح فقط، بل والاستياء الكبير أيضا".

​​ ويجري هذا الحوار الديني على أصعدة مختلفة. ويعد مجلس التنسيق للحوار المسيحي الإسلامي أحد قرابة 170 مبادرة في ألمانيا، تعمل عادة بشكل تطوعي، وتقدم هذه المبادرات خدمات إنسانية وروحية ودينية. لكن النشاط الاجتماعي المشترك أقل ظهوراً في عمل هذه المبادرات، فعلى سبيل المثال يرغب المركز المسيحي الإسلامي في شتوتغارت-إيشتردينغن في خلق علاقات إنسانية أوسع. وعلى عكس ذلك فإن "المنتدى اللاهوتي المسيحي الإسلامي" يركز على الجدالات الفكرية. أما ملتقى "الجسر" بالتركية Körpü في مدينة نورينبيرغ الألمانية فيراهن على التبادل الروحي ويدعو المؤمنين من الديانتين إلى الصلاة والاحتفالات المشتركة. ومشروع مدينة كولونيا للجمعية الإسلامية-المسيحية فيركز بشكل أكبر على المشاركة الاجتماعية وعلى الرؤية العامة للإسلام. وبالتعاون مع الاتحادات والرابطات الإسلامية والكنائس المسيحية تقيم هذه الجمعية دورات تدريبية لطواقم الطوارئ المسلمين، الذين يساعدون الأسر في الحالات القصوى بعد الموت المفاجئ لأحد أفرادها أو الحوادث البشعة.

وحتى الآن كان هذا النوع من التدريب مقتصراً على القساوسة المسيحيين فقط. وكان الإقبال على الدورة التأهيلية الأولى أكبر مما كان يُتوقع بكثير، إذ تقدم قرابة 100 مشارك للحصول على أحد المقاعد الأربعين للدورة. وأوضح المشروع أنه "حيثما توجد خدمات من هذا النوع، يوجد إقبال كبير للحصول عليها"، كما يقول توماس ليمان من الجمعية الإسلامية-المسيحية في مدينة كولونيا الألمانية. ويضيف ليمان بالقول: "إن مثل هذا الأمر لا يحظى بالاهتمام الكافي في الجدل القائم حول الإندماج".

جدوى الحوار؟

هاينر بيليفيلد، الصورة خاص
"علينا أن لا ننخدع بإغراء المزج بين الاندماج والدين"

​​ إن الاتهام المتفشي عموماً بسطحية الحوار الإسلامي- المسيحي وسذاجته قد تم تجاوزه اليوم، فعلى سبيل المثال بات يمكن على الأقل مناقشة على مستوى القاعدة أسئلة الجدلية عن علاقة الإسلام بالعنف، من دون أن ينسحب الشركاء في الحوار. لكن الأمر يصل إلى درجة بالغة من الصعوبة حين تتدخل إدارات الكنائس والاتحادات الإسلامية كالمجلس الأعلى للمسلمين. غير أنه يُلاحظ في ذلك أيضاً نوع من التباين، لأن المسلمين يتخذون وضعاً دفاعياً ويطرحون أسئلة أقل نقدية حتماً لشركائهم في الحوار من المسيحيين. وهنا يتضح دورهم كأقلية اجتماعية. ولا يجوز للقائمين على هذا الحوار أن يسمحوا بأن تُحدد أجندتهم مما يُشاع عن هذا الحوار عالمياً، وهذا كي يحافظوا عل مصداقيتهم. "وعليهم أن لا ينخدعوا بإغراء المزج بين الاندماج والدين"، كما يقول أستاذ حقوق الإنسان في جامعة نورنبيرغ-إيرلانغن هاينر بيليفيلد محذراً.

وفي النهاية تبقى هناك العديد من الأسئلة: من يجب إشراكه في الحوار في ظل تعدد التيارات والاتحادات الإسلامية؟ وماذا يمكن أن يربط بين المشاريع المنفردة الكثيرة؟ فما زلنا نفتقد إلى وجهة مشتركة.إن للفهم المتبادل حدوده، فعلى مستوى قاعدة التلاقي توجد هناك حالات من الإحباط ومن سوء الفهم. لكن عدم الفهم هذا يستند إلى أساس صحصح على الأقل. وصحيح أن هذا يعد من الأمور المؤلمة، إلا أن عدم الفهم المجرد أكثر خطورة، وعدم الفهم المجرد تنشأ عنه "مساحة فارغة من الإسقاطات من كل نوع"، كما يقول بيليفيلد، ولا يتبقى سوى حيز ضيق أمام نشوء الصورة العدائية.

إن الحوار بين الأديان من الأمور التي لا يمكن أن يحقق، ما عجزت السياسة عن تحقيقه. ويجب عليه أن يرفض بوضوح مثل تلك التوقعات الخاطئة من أجل أن يحافظ على مصداقيته، وإلا سيبقى القول دائما: وماذا غير ذلك.

كلاوديا مينده
ترجمة: عماد مبارك غانم
مراجعة: هشام العدم
حقوق الطبع: قنطرة 2010

قنطرة

حوار مع الباحث الفرنسي أوليفر روي:
"مصطلح الإسلاموفوبيا مصطلح مضلل"
يُعد الباحث الفرنسي في العلوم السياسية أوليفر روي من أبزر المتخصصين في الإسلام في أوروبا. وقريباً سوف يظهر كتابه الجديد، "السذاجة المقدسة – حول الأخطار السياسية التي تنبثق من الأديان المقتلعة من جذورها"، مترجماً إلى الألمانية. في الحوار التالي مع إرين غوفرتشين يتحدث روي عن النقاش الراهن حول الإسلام، ويوضح لماذا يعتبر مصطلح "الإسلاموفوبيا" مصطلحاً مضللاً.

مؤتمر موقع قنطرة حول دور وسائل الإعلام في حوار الثقافات:
مثير فتنة أم وسيط؟ ـ دور الإعلام في حوار الثقافات
شهدت جلسات مؤتمر الإعلام الذي نظمه موقع قنطرة العالمي للحوار مع العالم الإسلامي مناقشات حامية، إذ اقترح الصحفي عبد الباري عطوان ميثاقا صحفيا يضمن عدم الإساءة إلى الأديان، فيما اعتبر آخرون أن ذلك قد توظفه الأنظمة الديكتاتورية لصالحها. هيثم عبد العظيم يطلعنا على أهم مداولات المؤتمر.

منتدى تحالف الحضارات" الأممي:
مظلة ثقافية دولية...رسائل حضارية تصالحية
يعد "منتدى تحالف الحضارات" الذي شهدت مدينة اسطنبول أعمال دورته الثانية منصة عالمية للتأكيد على أهمية حوار الثقافات في إرساء السلم والتعايش العالمي وكذلك دور المبادرات الثقافية في تشكيل الوعي الثقافي والحضاري العالمي بعيدا عن الأحكام المسبقة والنزعة الاستعلائية. مانفريد إيول في قراءة لهذا المنتدى وأهدافه.