اللاجئون السوريون في مصر...استياء من قصة نجاح في أرض الكنانة؟
عاد موضوع اللاجئين السوريين في مصر من جديد إلى الواجهة، بعد تدوينة منسوبة للقيادي السابق في تنظيم الجهاد الإسلامي نبيل نعيم، اتهمهم فيها بتمويل نشاطهم الاقتصادي من الإخوان المسلمين ومن غسيل الأموال، قبل أن تعود عدة وسائل إعلام إلى بلاغ قديم، أصدره المحامي المقرّب من السلطات، سمير صبري، عام 2018، يطالب فيه بتقنين نشاط المستثمرين السوريين، وهو ما خلق جدلاً على مواقع التواصل الاجتماعي وأدى إلى انتشار وسم تحت عنوان #السوريين_منورين_مصر.
وأثار بلاغ سمير صبري مخاوف من إمكانية تحضير شيء ما للاجئين السوريين في البلاد، خاصةً أن بلاغ صبري، المحامي الذي عُرف ببلاغاته الدائمة ضد المعارضين، عاد للواجهة أياماً بعدَ إعلان مصر لخطة جديدة تستهدف أوضاع اللاجئين.
وممّا جاء في بلاغ صبري، أن السوريين "غزوا المناطق التجارية في أنحاء مصر"، واستثمروا في العقارات والبورصة والنسيج وغير ذلك، معبراً عن صدمته لـ"العلاقات الاستهلاكية المبالغ فيها والترف المفرط لكثير من السوريين قاطني هذه المناطق"، لافتا (بناء على تقديرات شبه رسمية) إلى أن حجم استثماراتهم في البلاد يقدر بـ23 مليار دولار، متسائلا عن خضوع هذه الأموال للرقابة ولقوانين التصدير والضرائب.
غير أن الرّد على المواقع الاجتماعية كان قوياً للغاية، وانخرطت فيه شخصيات معروفة. وممّن أكدوا على عمق العلاقات بين الشعبين، الممثلان محمود هنيدي ومحمد إمام، ومقدمة البرامج ياسمين الخطيب، والحقوقي جمال عيد، فضلاً عن الممثلة السورية كندة علوش، إلّا أنه في الجانب الآخر، بقيت بعض الأصوات القليلة تتساءل عن مصادر أموال السوريين، ومنهم الصحافي عبد الوهاب خليل، الذي كتب أن المستثمرين السوريين دخلوا إلى مجالات اقتصادية جد حيوية كسوق الذهب، وإن كلّ تحويلاتهم تذهب إلى تركيا.
ما حقيقة الاتهامات؟
يقول نبيل نعيم، في اتصال مع دويتشه فيله، إنه التقى بعدد من المشايخ السوريين في مؤتمر حضره في لبنان، حيث أخبروه بأن أموال المشاريع السورية في مصر مصدرها تنظيم الإخوان المدعوم من تركيا وقطر. وبعد ذلك لما كان عائدا إلى مصر، التقى في الطائرة بعدد من اللاجئين السوريين، حيث أخبروه أن جمعية تابعة للإخوان هي من اشترت لهم تذاكر السفر، ومكنتهم من السكن في مصر، فضلاً عن منحهم مصروفاً للجيب إلى غاية افتتاحهم لمشاريع.
ويضيف نعيم: "هؤلاء الذين يوظفون أموال التنظيم الدولي خربوا بلدهم"، ويتابع نعيم حديثه عن السوريين في مصر "حتى كلمة نجاحهم في بلدنا غير صحيحة، فهل كلّ من افتتح عربية شاورما ناجح؟"، قبل أن يستدرك القول إن ليس كل أصحاب الأموال السوريين في مصر لديهم علاقة بالإخوان، وإن مصر ترحب باللاجئين جميعا، لكنه يشّدد على ضرورة "ترحيل أيّ لاجئ مرتبط بالإخوان".
من جهته، يرى الحقوقي جمال عيد، أنه ليس هناك حملة ضد السوريين في مصر، وإنما "بلاغات اعتاد على رفعها الراغبون في الشهرة وفي تقديم خدمات للسلطة"، متحدثاً عن أن من ربطوا بين اللاجئين والإخوان لا يستحقون حتى الرد عليهم، لأن اللاجئين "ضحايا أنظمة استبدادية، وهم موجودون في مصر والعالم منذ سنوات". ويتابع عيد لدويتشه فيله أن الغالبية العظمى من اللاجئين السوريين فقراء، فضلاً عن أن "الغنى ليس جريمة"، مبرزاً أنه في حال "وجود أدلة صحيحة على مصدر مشبوه لهذه الأموال، يجب أن يوجه الاتهام لأفراد وليس إلى مجموعات".
ولا يعود الحضور السوري في مصر إلى سنوات الحرب السورية، فعلاوة على التقارب الرسمي بين الدولتين، منذ عهد جمال عبد الناصر، افتتح السوريون عددا من المشاريع في مصر منذ عقود، وكانت العمالة تتنقل بين الدولتين بشكل عادي. ومع اندلاع الأزمة، ازداد انتقال رجال الأعمال السوريين إلى مصر، حيث سبق لتجمع رجال الأعمال السوريين أن أعلن وجود أكثر من 30 ألف رجل أعمال سوري في مصر، كما نقل موقع "الوطن نيوز" أن السوريين أسسوا 818 شركة فقط في الأشهر التسعة الأولى من عام 2018، ممّا زاد من نسبة تدفق الرأسمال السوري على مصر بـ30.1 في المئة.
مصر واللاجئون
بحسب ما أعلنه قبل أيام السفير محمد البدري، مساعد وزير الخارجية المصري للشؤون العربية، فإن عدد اللاجئين السوريين في مصر وصل عام 2018 إلى 133 ألفاً، متحدثاً عن أن تقديرات عددهم الإجمالي في البلاد تبلغ 550 ألفاً، مضيفاً، فيما نقلته وكالة الأنباء الألمانية "د.ب.أ"، أن مصر ترفض العودة القسرية لهؤلاء اللاجئين، وتعمل على دمجهم في المجتمع، فضلاً عن لمّ شملهم.
وتعدّ مصر من الدول القليلة التي لجأ إليها السوريون بكثافة دون أن تبني لهم مخيمات، إذ يعيشون بين المصريين في جل أنحاء البلاد، وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إن هذا الوضع لا ينطبق على السوريين فقط، بل على خمسة ملايين لاجئ في مصر، لا تمييز بينهم وبين المواطنين في الاستفادة من كافة الخدمات الأساسية.
كما يتذكر المصريون صُور السيسي مع رجل الأعمال السوري محمد كامل صباغ شرباتي، الذي افتتح أكبر مصنع للنسيج في مصر، إذ تدرك القاهرة أهمية استقطاب المال السوري في هذه الفترة.
غير أن جمال عيد، يقول، إنه في الوقت الذي يرّحب فيه الشعب المصري بلجوء أيّ إنسان إلى بلده، خاصة عندما يكون فاراً من الحرب كما عليه الحال في سوريا، فإن "الدولة المصرية لا ترحب باللاجئين، أو تستثمرهم في خلافاتها كما دأبت منذ التسعينيات مع السودانيين والعراقيين وغيرهم". ويتابع أن الهيئات الحكومية "لا تقدم مساعدات حقيقية للاجئين ولا تمكنهم من عمليات إدماج، فالدولة التي لا تقدم خدمات لمواطنيها لن تنتظر منها تقديم خدمات للاجئين"، يوضح عيد.
وتطمح مصر، بحسب ما أعلنته في بيان مشترك قبل أيام مع الأمم المتحدة، إلى الحصول على 151,6 مليون دولار أمريكي من المانحين في عام 2019 لأجل دعم اللاجئين السوريين في إطار خطة إقليمية. وتدرك القاهرة أن ملف اللاجئين غاية في الحساسية، خاصةً في علاقاتها مع أوروبا، إذ يعوّل الغرب على الدور المصري في تدبير ملف الهجرة واللجوء، إلى جانب أدوار أخرى، مقابل الاستمرار في الحصول على الدعم المادي وكذلك السياسي في وجه الانتقادات الحقوقية الدولية والمحلية.
إسماعيل عزام
حقوق النشر: دويتشه فيله 2019