صراع الملالي.....صراع النفط والسكر!
لا يوجد شخص في طهران يتحدث بصراحة عن الصراع بين الرئيس محمود أحمدي نجاد والمحافظين حول المرشد الأعلى للجمهورية آية الله علي خامنئي، لكنه لا يتعلق بثوابت إيديولوجية فقط، وإنما بقضايا متعلقة بالمال أيضاً. وبالتحديد: حول حق التصرف بعائدات البترول التي يعتاش عليها البلد ونظامه. من خلال إقالته لوزير النفط أقال مسعود مير كاظمي وتوليه مسؤولية الوزارة بنفسه أماط أحمدي نجاد اللثام عن نيته تحويل شركة النفط الوطنية ووزارتها إلى هيئة متحكمة بالتنمية الاقتصادية لإيران، كما كان الوضع سابقاً. مجلس صيانة الدستور أعتبر أن تعيين أحمدي نجاد نفسه وزيراً للنفط يعد انتهاكاً للقانون. لكن الرئيس نجاد لا يعبأ بذلك.
دعم أحمدي نجاد
في يوم الأحد (5 حزيران/ يونيو) دعم خامنئي موقف أحمدي نجاد بشكل غير مباشر، فقد قال أمام رئيس البرلمان الذي تم انتخابه حديثاً: "توجد نقاط ضعف ومشاكل، لكن تركيبة السلطة التنفيذية جيدة ومناسبة والحكومة تقوم بعملها". لكنه لمح إلى أنه سيترك أحمدي نجاد في منصبه حتى نهاية ولايته في عامين. وفي مساعيه الرامية إلى تحجيم الصراع الداخلي أوصى خامنئي الحكومة بتنفيذ القوانين التي شرعها البرلمان من دون من دون مواربة- وهو ما لم يقم به أحمدي نجاد دائماً. كما أنه فرض على البرلمان في الوقت نفسه تشريع قوانين، يمكن للحكومة تطبيقها.
وبالنسبة إلى الانتخابات البرلمانية في آذار/ مارس القادم حذر خامنئي الرئيس أحمدي نجاد بشكل واضح بالقول: "لا يوجد شخص له الحق في التدخل في الانتخابات"، وذلك بعد كشف أنصاره مؤخراً عن أن أحمدي نجاد دعم حملة إعادة انتخابه عام 2009 من خلال إغداق الأموال العامة على تسعة ملايين ناخب من أموال الدولة. وكهدف للانتخابات البرلمانية القادمة يرى أنصار الرئيس أنهم سيحققون 130 مقعداً من مقاعد البرلمان البالغ عددها 290 مقعداً. وفي إدارة الأقاليم تعمل أجهزة أحمدي نجاد وأجهزة صديقه اصفنديار رحيم مشائي على تحقيق هذه الغاية قدر الممكن.
طريق مسدود
وإمكانية أن يصبح مشائي خليفة لأحمدي نجاد، إذا رغب الأخير في ذلك، تبدو بعيدة المنال بسبب الجبهة القوية لخصومهما. وعلى ما يبدو فإن صراع القوى الحالي يقود إلى طريق مسدود.إذ أن أحمدي نجاد، الذي طابت له فكرة الاستقالة في الشهر الماضي، يمكن له أن يستمر على الرغم من أنه لم يفترق عن مشائي وأفكاره عن "إسلام إيراني". ويبدو أن خامنئي تخلى عن اتخاذ "إجراءات قاسية" تجاه الحكومة.
وفي الجدل حول عائدات النفط لا يوجد رجال دين محافظون فقط، وإنما أيضاً قادة الحرس الثوري، الذين يتخذ أغلبهم موقفاً مناهضاً لأحمدي نجاد، على الرغم من أنه كان يوماً في صفوفهم وبرز منها مساعداً الكثيرين منهم على تولي مناصب قيادية في النظام. حرس الثورة الإسلامية "باسداران" يستخدم من ناحية أخرى سلطة جديدة لبناء إمبراطورية اقتصادية. ونتيجة لذلك لا تعود عشرات الشركات والمؤسسات المكونة لأساس الصناعة النفطية الإيرانية إلى كبار رجال الدين فقط، وإنما إلى قادة الحرس الثورة أيضاً. أما شركة النفط الوطنية، التي كانت عماد الدولة في زمن الشاه وحتى بدايات الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فقد أصبحت اليوم ووزارة النفط "فارغة وفاقدة لهذا الدور"، بحسب تعبير أحد رجال الدين. إن كل هذه الامتيازات ستكون عرضة للخطر إذا ما نجح أحمدي نجاد في تطبيق خططه، حتى وإن تحقق ذلك تدريجياً فقط.
الصراع حول الامتيازات الاقتصادية
وفي المقدمة ستتضرر المؤسسات الدينية الكبيرة، التي تحصل على جزء كبير من عائدات النفط دون المرور بالحكومة أو البرلمان. والسيطرة عليها لا يمارسها إلا خامنئي وحده من دون محاسبة. ومقابل ذلك توفر هذه المؤسسات للنظام من خلال المساعدات الاجتماعية والامتيازات المربحة من كل الأنواع حشود شعبية، يمكن الاعتماد عليها في الانتخابات والمسيرات. وعدد هؤلاء العملاء الصغار يبلغ، وفق بعض التقديرات، ربع الشعب الإيراني.
ويسمي رجال الدين المحافظين أتباع مشائي- وأتباع أحمدي نجاد بشكل غير مباشر أيضاً- بـ"المنحرفين". في الوقت الحاضر ما يزال يهيمن على الوضع صراع بين جميع الأطراف حول المناصب القيادية. وتمكن "المنحرفون" من السيطرة على ميزانية الثقافة التي تبلغ قرابة 30 مليون يورو وكانت مخصصة لصيانة المباني والنصب الأثرية والمهرجانات وإنتاج المسرحيات والأفلام السينمائية. ونصفها تقريباً يعود مجدداً إلى رجال الدين وفق رغبة المرشد الأعلى للجمهورية في "دعم الأغراض الدينية". وبالعكس نجح المنحرفون في إفشال مشروع على جزيرة كيش في الخليج، أراد من خلاله مجتبى، أبن خامنئي، تطوير السياحة وسوق العقارات على هذه الجزيرة بكلفة 60 مليون يورو.
والآن تولت الدولة القيام بهذا وبمساهمة شركات أمريكية، كما أُعلن. كما أصبح من غير المؤكد ما إذا كان المشروع الضخم لبناء سكة حديد من الخليج إلى آسيا الوسطى بكلفة 20 مليار يورو سيذهب إلى مقربين من المرشد الأعلى للجمهورية خامنئي، كما كان مخططاً له.
كما يحاول "المنحرفون" من خلال تأسيس شركة مختلطة من القطاعين الخاص والعام السيطرة على أكبر شركة لصناعة السيارات في البلاد خوردو. وفي الوقت الحالي تسبب هذا في خسارة للبعض. أحد رجال الدين ممن يحملون لقب آية الله كان يحكم قبضته على قطاع استيراد السكر، لكنه فقد الآن نصف أرباحه لصالح الشركة الحكومية المعنية بذلك. وآخر تعرض لخسارة أكبر في مجال تجارة القمح، حين رفعت الحكومة من أسعار شرائها للحبوب المحلية.
رودولف شيميلي
ترجمة: عماد مبارك غانم
مراجعة: هشام العدم
حقوق الطبع: صحيفة زوددويتشه تسايتونغ الألمانية/ قنطرة 2011