كتاب "حماس - سيطرة على غزة وحرب ضد إسرائيل"

حشد من نساء من مؤيِّدات لحماس في غزة في نيسان/أبريل 2022.  Anhänger der Hamas bei einer Kundgebung in Gaza im April 2022.
حشد من نساء من مؤيِّدات لحماس في غزة في نيسان/أبريل 2022. "ثراء كتاب جوزيف كرواتورو بالتفاصيل لا يقل إثارة للإعجاب عن عرضه الواقعي. وفي وقت تدور فيه نقاشات مضطربة وجدلية ويدور فيه الحديث -في ألمانيا والغرب- حول حماس ومع كثير من الجهل بحماس ننصح من دون أية تحفُّظات بقراءة هذا الكتاب"، كما يكتب الناقد الأدبي رينيه فيلدأنغل. صورة من: Mohammed Talatene/dpa/picture alliance

كيف أصبحت حماس حاكمة لقطاع غزة وكيف تمكنت من شن هجومها بالسابع من أكتوبر 2023؟ المؤرخ الألماني جوزيف كرواتورو يحاول بكتابه الإجابة على مثل هذين السؤالين بموضوعية من خلال منح الحقائق قيمة خاصة. رينيه فيلدأنغل قرأ الكتاب لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: René Wildangel

نشر المورِّخ جوزيف كرواتورو [يوزيف كرويتورو] أوَّل مرة في عام 2007 كتابًا عن حركة حماس وقد ملأ في ذلك الوقت فراغًا كبيرًا وسد ثغرة واسعة. وقام بتحديثه في عام 2010. ولكن مع ذلك لا يمكن وصف كتابه الصادر الآن 2024 بعنوان "حماس - سيطرة على غزة وحرب ضد إسرائيل" بأنَّه طبعة جديدة. فمنذ ذلك الحين حدثت أحداث كثيرة: الحصار الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة والانقسام العميق بين أهم فصيلين فلسطينيين والتحوُّل الإسرائيلي نحو اليمين بالتزامن مع العديد من الصراعات المسلحة. 

يصف جوزيف كرواتورو في هذا الكتاب السنين قبل السابع من تشرين الأوَّل/أكتوبر 2023 وصفًا مفصَّلًا - من دون الوقوع في خطأ سرد القصة دائمًا من منظور الكارثة الحالية. ويخصِّص فصلين آخرين للأحداث الجارية في نهاية الكتاب.

ولا ينجح المؤرِّخ جوزيف كرواتورو فقط في رسم صورة واقعية ومفصَّلة لحركة حماس وأيديولوجيتها بل أيضًا حتى للحياة السياسية الفلسطينية كاملة. فمنذ تأسيس حماس في عام 1987 كانت هذه أيضًا قصة عداء مرير بين الإسلاميين والفصائل العلمانية في منظمة التحرير الفلسطينية.

يبدأ كتاب جوزيف كرواتورو بلمحة قصيرة عن تاريخ قطاع غزة الذي تحدَّد بعد الحرب العربية الإسرائيلية في عام 1948 في المقام الأوَّل من خلال نحو مائتي ألف فلسطيني هربوا أو طردوا إلى قطاع غزة. وتلا ذلك نحو عقدين من الحكم المصري لغزة - مع انقطاع غير معروف كثيرًا خلال أزمة قناة السويس في عامي 1956-1957. ويصف جوزيف كرواتورو كيف كانت إسرائيل تفكِّر حتى في ذلك الوقت باحتلال قطاع غزة بشكل دائم وإنشاء المستوطنات فيه.

الغلاف الألماني لكتاب "حماس - سيطرة على غزة وحرب ضد إسرائيل" - للمؤرخ الألماني جوزيف كرواتورو. Buchcover "Die Hamas. Herrschaft über Gaza, Krieg gegen Israel. Verlag C.H. Beck.
يصف المؤرِّخ جوزيف كرواتورو في كتابه "حماس - سيطرة على غزة وحرب ضد إسرائيل" تاريخ "حركة المقاومة الإسلامية" حماس التي تأسَّست من صفوف جماعة الإخوان المسلمين في عام 1987 وقد استولت على السلطة في غزة بالعنف في عام 2007. فعواقب عدم الاعتراف الدولي بحكومة حماس في عام 2006 وفشل حكومة الوحدة الوطنية في العام 2007 معروفة جيِّدًا: حرب أهلية دامية وانقلاب حماس في قطاع غزة. ويكشف عن وجوهها المختلفة كجمعية خيرية وحزب حاكم وجماعة إرهابية. صورة من: Verlag C.H. Beck

إسرائيل كانت تفضِّل حماس على منظمة التحرير الفلسطينية

كان أحمد ياسين يقود منذ الستينيات الأنشطة الدينية وكذلك الاجتماعية والسياسية الخاصة بجماعة الإخوان المسلمين في قطاع غزة والتي تأسَّست من صفوفها حركة حماس في عام 1987. ومن وجهة نظر إسرائيلية فقد كانت حماس منافسًا مُرَحَّبًا به في البداية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي كانت ما تزال مسلحة.

ولكن ذلك قد تغيَّر مع بدء عملية السلام - فقد أصبحت حماس الآن لا تخوض حربًا مريرة وعنيفة ضدَّ منافسها السياسي العلماني في الداخل بل وحتى ضدَّ إسرائيل. وتلقَّت دعمًا متزايدًا من إيران واختارت الهجمات الانتحارية كوسيلة صارت تستهدف بها الآن وعلى نطاق واسع المدنيين في إسرائيل. 

ويحلل جوزيف كرواتورو ميثاق حماس الصادر عام 1988 تحليلًا مفصَّلًا كتعبير عن رفضها ذي الدوافع الإسلامية ولكن القائم الآن أيضًا على أساس قومي لحلِّ الدولتين لصالح "الجهاد" الهادف إلى "تحرير فلسطين". وهذا المثياق يمثِّل في الوقت نفسه دليلًا على معاداة السامية ومناهَضة الليبرالية المتجذِّرتين في حركة حماس.

لقد أرادت حماس وقف عملية أوسلو للسلام ونجحت في ذلك. في الوقت الذي بذل فيه بنيامين نتنياهو وأرييل شارون كلَّ ما في وسعهما من أجل منع قيام الدولة الفلسطينية التي وعدت بها منظمة التحرير الفلسطينية. وبعد تصاعد الانتفاضة الثانية التي حاول فيها الطرفان الفلسطينيان المتنافسان التفوُّق حرفيًّا على بعضهما باستخدامهما العنف - كان الفصيل العلماني المحيط بالرئيس المريض ياسر عرفات والمحاصَر في مقر إقامته الرسمي المدمَّر قد خسر كلَّ شيء.

فوز حماس الساحق في انتخابات عام 2006

وكان ضعف العلمانيين مفيدًا لحركة حماس التي حقَّقت فوزًا ساحقًا في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006. ولكن وفقًا لجوزيف كرواتورو فإنَّ حركة حماس لم تتغيَّر حقًا بل قرَّرت فقط المشاركة في "اللعبة الديمقراطية" من أجل فرض أهدافها الإسلامية. وعواقب عدم الاعتراف الدولي بحكومة حماس في عام 2006 وفشل حكومة الوحدة الوطنية في العام 2007 معروفة جيِّدًا: حرب أهلية دامية وانقلاب حماس في قطاع غزة.

وكذلك يصف جوزيف كرواتورو وبالتفصيل عواقب حكم حماس السلطوي في قطاع غزة وفرض الطابع الإسلامي بشكل تدريجي على الحياة العامة والإدارة والعدالة. ويرى أنَّ تزايد نفوذ الجناح العسكري في حركة حماس يمثِّل في الدرجة الأولى أحد العوامل التي ساهمت في السابع من تشرين الأوَّل/أكتوبر 2023. 

ومع ذلك فإنَّ ما لم يركِّز عليه جوزيف كرواتورو في كتابه هذا هو تصوير الهياكل الاجتماعية الأخرى في قطاع غزة واستمرار وجود رأي عام ومجتمع مدني ناقد صمد في قطاع غزة حتى في ظلِّ أصعب الظروف وبالرغم من الرقابة: مثلًا من جانب الصحفيات والصحفيين المستقلين أو منظمات حقوق الإنسان التي لم تكن تكتفي بإدانة الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان بل كانت تواصل أيضًا وبشجاعة انتقاد حركة حماس والدفاع عن ضحاياها.

ميثاق حماس المعدَّل لعام 2017 مثير للارتباك

حتى وإن كان القارئ قد يحصل على انطباع من عرض جوزيف كرواتورو بأنَّ التطوُّر باتجاه السابع من تشرين الأوَّل/أكتوبر 2023 كان نتيجة شبه حتمية إلَّا أنَّ العديد من المراقبين كانوا وحتى النهاية غير متأكِّدين من تصنيف حماس. وبحسب جوزيف كرواتورو فإنَّ ميثاق حماس المعدَّل لعام 2017 -والذي يمكن قراءته أيضًا على أنَّه اعتراف ضمني بحدود عام 1967- قد أثار ارتباكًا في هذا الصدد. 

ومع ذلك فهو يرى أنَّ تحوُّل حماس إلى المسار العسكري كان واضحًا. وكما يكتب فقد أظهر في نهاية المطاف رئيسُ المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية -الذي يُعتبَر بصفة عامة "معتدلًا"- وحدته مع جناح الحركة العسكري كتائب القسَّام.

ولكن حتى الحكومة الإسرائيلية كانت تفترض أنَّ حماس لا توجد لديها مصلحة في التصعيد. ومن جانبه كان ائتلاف بنيامين نتنياهو المتطرِّف منشغلًا بحركة الاحتجاج الإسرائيلية الواسعة النطاق؛ وبالإضافة إلى ذلك فقد سُحبت وحدات عسكرية إلى الضفة الغربية بسبب تصاعد عنف المستوطنين هناك.

وكذلك يصف جوزيف كرواتورو الأحداث منذ السابع من تشرين الأوَّل/أكتوبر 2023 وصفًا واقعيًا وموضوعيًا في الفصلين الأخيرين من الكتاب. وهو لا يدع أيضًا أي مجال للشكّ سواء في حجم المذبحة المرتكبة من قِبَل حماس أو في أبعاد الحرب الكارثية في غزة والتي لا يرى فيها على أحسن تقدير سوى مبرِّرات إسرائيلية واهية وغالبًا ما تقدَّم "بصيغية رسمية" فقط من أجل مواصلة الدمار الشامل.

من الصعب حاليًا رؤية ما يخفيه المستقبل

الحرب التي ما تزال مستمرة لا يمكن وصفها إلَّا بشكل محدود. ولذلك على الأرجح أنَّ النظرة المقتضبة جدًا في هذا الكتاب تعود إلى موضوعيته. ومع ذلك فقد يتمنَّى القارئ هنا قراءة المزيد من الأفكار حول مستقبل قطاع غزة ومستقبل حركة حماس نفسها - وذلك لأنَّ إعلان إسرائيل "القصاء على" حماس من غير المرجَّح أن يكون واقعيًا.

وثراء كتاب جوزيف كرواتورو بالتفاصيل لا يقل إثارة للإعجاب عن عرضه الواقعي. وفي وقت تدور فيه نقاشات مضطربة وجدلية ويدور فيه الحديث -في ألمانيا والغرب- حول حماس ومع كثير من الجهل بحماس - ننصح من دون أية تحفُّظات بقراءة هذا الكتاب.

 

 

رينيه فيلدأنغل

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2024

Qantara.de/ar

 

رينيه فيلدأنغل كاتبٌ ومؤرِّخ ألماني يركِّز في كتاباته على موضوعات من بينها موضوع الشرق الأوسط والأدنى.

 

كتاب جوزيف كرواتورو: "حماس - سيطرة على غزة وحرب ضد إسرائيل". صدر عن دار سي. هـ. بيك، ميونيخ، سنة 2024. في 223 صفحة، وبسعر 18 يورو للطبعة الورقية و12.99 يورو ككتاب إلكتروني.