حارس الدولة الكمالية وغريم الأحزاب الإسلامية

ينظر إلى المدعي العام التركي عبد الرحمن ياجينكايا على أنه رمز إيديولوجيا الدولة الكمالية وحارس مبادئ الجمهورية العلمانية من نفوذ الأحزاب الإسلامية، حيث يقف هذه الأيام وراء المحاولات القضائية لحظر حزب العدالة والتنمية الحاكم. فمن هو هذا الرجل وما سر القوة التي يتمتع بها في تركيا؟

استطاع هذا المدعي العام في أثناء فترة توليه منصبه التي لا تتجاوز العام أن يخلق أزمة حكومية كبيرة وحتى إنه خلق زلزالاً سياسيًا؛ إذ حشد عبد الرحمن ياجينكايا السلطة الثالثة ضد الحكومة والرئيس والبرلمان في الوقت نفسه، وذلك من خلال الدعوى التي رفعها لحظر حزب العدالة والتنمية الحاكم وقبلتها المحكمة الدستورية. لكن من هو هذا الرجل وما الذي يدفعه إلى مثل هذا الانقلاب القضائي؟

يمثِّل عبد الرحمن ياجينكايا الدولة التركية التي أمست قديمة منذ عهد طويل. ويعتبر موظفًا من موظفي الدولة التركية ورمزًا من رموز الطبقة الاجتماعية الكمالية القومية التي تمثِّل جيلاً ونخبة تعتبر نفسها إلى جانب الجيش كفيلاً وراعيًا لمبادئ الجمهورية العلمانية وتسعى بكل الوسائل والطرق إلى الحفاظ على نظام الحكم القائم ومركزها المميَّز.

وعليه فإنَّ عبد الرحمن ياجينكايا لا يمثِّل بصفته نائبًا عامًا إيديولوجيا الدولة الكمالية وحسب، بل يلعب كذلك دورًا يشبه دور محقق في محكمة التفتيش لا بدّ له من حماية الجمهورية من التهديد الإسلامي. تبيِّن الدعوى المرفوعة بغية حظر حزب العدالة والتنمية الحاكم مدى اقتناع هذا المدعي العام البالغ من العمر 58 عامًا بالعقائد الكمالية.

تقليد حظر الأحزاب

صحيح أنَّ حظر الأحزاب لا يعتبر أمرًا جديدًا في تركيا؛ بل هو تقليد تتم ممارسته منذ عام 1963 وقد بلغ عدد الأحزاب التي تم حظرها حتى يومنا هذا أربعة وعشرين حزبًا. بيد أنَّ هذا التقليد يمس للمرَّة الأولى حزبًا حاكمًا يشكِّل بالإضافة إلى ذلك الأغلبية العظمى في البرلمان.

​​إلاَّ أنَّ طلب حظر حزب العدالة والتنمية لم يكن في الحقيقة مفاجئًا بالنسبة للبعض في تركيا. فهذا الرجل القانوني الذي يعتبر في الصحافة التركية ذا دم بارد وموظفًا صارمًا ومثابرًا - كان يجمع منذ خمسة أعوام كلَّ شيء من أجل التحضير لرفع دعوى حظر حزب العدالة والتنمية. ولكن لقد بلغ السيل الزبى بالنسبة له ليرفع قضية الحظر وذلك عندما تم إلغاء الحظر الذي كان مفروضًا على الحجاب في الجامعات التركية.

ولد عبد الرحمن ياجينكايا في عام 1950 كابن لأسرة كردية تركية في مدينة أورفا التي تعدّ واحدة من أقدم المدن التركية وتقع بالقرب من الحدود مع سوريا وتعدّ فيها نسبة الأميين مرتفعة. وتتمتَّع عائلته هناك بسمعة حسنة. فعلى كلِّ حال كان جده لأبيه شيخًا معروفًا ومن أتباع الطريقة النقشبندية.

غير أنَّ الذي أثَّر في تكوين شخصيته يكمن في تربية أبيه الذي كان يلقنه مُثُل أتاتورك العلمانية العليا وقد أرسله وهو لا يزال صبيًا من قرية قارة المتدينة والمحافظة إلى العاصمة ليلتحق بالمدرسة. وبهذا فهو ينتسب إلى أسرة اعتنقت المبادئ الكمالية.

حارس الكمالية

وفي أنقرة درس الحقوق ودخل بعيد ذلك في سلك القضاء، في الوقت الذي كانت تتصارع فيه مجموعات الطلبة اليساريين واليمينيين وكان الجيش قد استولى للمرَّة الثالثة في الـ12 من أيلول/سبتمبر على السلطة. لقد عايش عبد الرحمن ياجينكايا واستوعب مع بلوغه ثلاثين عامًا على الأقل انقلابين عسكريين من الانقلابات العسكرية الثلاثة (عام 1960 و1971 و1980). وعليه فهو لا يعتبر مجرَّد خريج مثالي من المدرسة الكمالية، بل يعدّ كذلك ابنًا للانقلابات العسكرية.

استعد هذا المدعي العام الكمالي المتحمِّس والذي دخل في عام 1998 قاضيًا إلى المحكمة العليا التركية Yargitay وتم تعيينه في عام 2004 نائبًا للمدعي العام، لمذكِّرة الاتِّهام التي تضم 162 صفحة. وفي آخر الأمر لقد بدأ الكثير من الأعضاء المؤسسين لحزب العدالة والتنمية حياتهم السياسية في الحزبين الإسلاميين، حزب الرفاه الذي تم حظره عام 1998 وحزب الفضيلة (منع عام 2001).

​​ولكن حتى منتقدي حزب العدالة والتنمية يجدون اتِّهام ياجينكايا لهذا الحزب بالإسلام السياسي لا يثبت بما فيه الكفاية ويشيرون إلى احتمال وجود حساب شخصي يصفيه المدعي العام مع حزب العدالة والتنمية. كذلك لا تمت مذكِّرة الاتِّهام إلى تنظيم إرغينيكون Ergenekon بشيء. لكن الأمر المدهش هو لِمَ لم يكن وزير العدل بالذات يعلم قبل نشر الموضوع بمذكِّرة الاتِّهام التي رفعها عبد الرحمن ياجينكايا.

غير أنَّ ياجينكايا حقّق مكاسب في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2007 وذلك مع طلب الحظر الذي رفعه ضدّ حزب المجتمع الديموقراطي DTP الكردي الممثَّل بعشرين نائبًا في البرلمان، هذا الطلب الذي ما يزال معلقًا في المحكمة الدستورية. زد على ذلك أنَّ ياجينكايا صنع لنفسه اسمًا باعتباره من أشد معادي التعديلات الدستورية التي قام بها حزب العدالة والتنمية والخاصة بتعديل قانون منع الحجاب في الجامعات.

وعلى الرغم من ذلك فإنَّ اختصاصه الحقيقي بصفته نائبًا عامًا لا يكمن في سياسة الأحزاب وحظرها، بل في محاربة الفساد. حتى وإن كان هذا الرجل لا يهاب الأزمات ويعتبر شخصًا نزيهًا ولا يقبل الرشوة، لأنَّه مقتنع بأنَّه هو وأمثاله الرعاة الحقيقيون للجمهورية.

خطر على مستقبل تركيا

ويشير النقاد إلى أنَّه يعتبر ولأسباب شكلية الممثل الوحيد لطبقة الكماليين القوميين العليا الآخذة بالتناقص والتي تحتَّم عليها رفع دعوى الحظر. فأخيرًا لم يعد يشكِّل في يومنا هذا لا الجيش ولا نخبة الكماليين الحاكمة أغلبية بين المواطنين.

ولكن قبل أن يضطر الكماليون المتشدِّدون إلى تقاسم السلطة مع أحد - من الممكن أن يكون تقاسم السلطة أمرًا كافيًا – يظل الكماليون مستعدين بسبب يأسهم للدفاع عن "علمانيتهم" حتى وإن كان ذلك سيجر البلاد إلى الموت السياسي وإلى وضع خطير للغاية.

سميرانا كايا
ترجمة: رائد الباش
قنطرة 2008
قنطرة

الإصلاح الدستوري في تركيا
صراع جنرالات أم أيدلوجيات؟
يناقش البرلمان التركي مجموعة من التعديلات الدستورية والقانونية، وتشكل مسألة رفع حظر الحجاب محور هذه المناقشات والتغييرات وذلك وفق طروحات تقدمت بها حكومة حزب العدالة والتنمية برئاسة اردوغان. غونتر زويفرت يلقي الضوء على هذه القضية من اسطنبول

إلغاء حظر الحجاب في الجامعات التركية:
هل سيأتي بالحرية أم بالشرطة الدينية؟
بعد مصادقة البرلمان التركي على إلغاء الحظر المفروض على الحجاب في الجامعات هددت المعارضة الكمالية باللجوء إلى المحكمة الدستورية، معتبرة هذه الخطوة تهديدا لعلمانية تركيا وأسلمة للمجتمع. سوزانة غوستن من اسطنبول تستعرض جوانب هذا الجدل.

الانفتاح أو التعنت القومي:
أيّ من الطريقين ستسلك تركيا؟
ينتقد الصحفي والكاتب ظافر سنوجاك القومية بشدة ويدعو الأتراك إلى التعرف على تاريخهم لا سيما ما يخص المذابح التي تعرض لها الأرمن، فالأمر يتعلق ببناء مجتمع تمثل المعاينة النقدية للتاريخ الخاص والنقد الذاتي داخله الأساس الذي ينهض عليه مستقبل ديمقراطي