أفلام تركية تترك بصماتها في المشهد السينمائي الأوروبي
قلما تلفت الأفلام التركية انتباه زائر السينما العادي في ألمانيا لاسيما وسط أفلام هوليوود الضخمة والأفلام الألمانية لِـ تيل شفايغر وفيم فيندرز. وغالبا ما تعرض الأفلام التركية في ألمانيا في المدن الكبرى فحسب وبعدد قليل من النسخ، أما الأفلام التركية التجارية الكبرى فهي غالبا ما تكون موجهة بشكل خاص للمنحدرين من أصول تركية في ألمانيا وتعرض في معظم الأحيان باللغة الأصلية غير مصحوبة بترجمة.
لكن من يلقِ نظرة متأنية في برامج دور السينما الألمانية سيفاجأ بالعروض الكثيرة المتنوعة وهنا بعض الأمثلة: يعرض في السينما منذ أيار/ مايو الماضي 2014 فيلم "أعراف- بين مكانين" للمخرجة يشيم أوستا أوغلو والذي يتعرض لقضية تقليدية في الأفلام التركية وهي الصراع بين سكان المدن والأقاليم، بين الحداثة والتقليدية.
أما فيلم "جمالك لا قيمة له" للمخرج حسين تاباك فيتناول وضع المهاجرين الأتراك في مدن كبرى في غرب أوروبا وتحديدا في فيينا. ويتناول أسلي أوزغي في فيلمه "مدى الحياة"، مشاعر الغربة التي تعتري زوجين في اسطنبول. تشمل قائمة الأفلام التركية المعروضة في ألمانيا إلى جانب هذا، مجموعة من الأفلام التركية التسجيلية وأفلام الرعب والعصابات علاوة على الأعمال الكوميدية المنتجة من قبل شركات إنتاج في اسطنبول وأنقرة.
نوري بلغي جيلان: مخرج استثنائي
سيجد فيلم "البيات الشتوي" للمخرج نوري بلغي جيلان والفائز بالسعفة الذهبية لمهرجان كان، مكانه بين قوائم الأفلام السينمائية خلال الشهور المقبلة. وطرح اسم جيلان بقوة للفوز بالجائزة المهمة حتى قبل انطلاق المهرجان السينمائي الأهم في العالم كما حجز جيلان لنفسه مكانا راسخا في الفن السينمائي الأوروبي بأعماله المحكمة من الناحية الفنية والتي تعطي نظرة دقيقة ترصد التغيرات داخل المجتمع التركي.
يقدم جيلان سينما ناضجة مليئة بالمحسنات لذا فهي لا تصل لعامة الشعب لا في ألمانيا ولا تركيا، كما تتعرض أفلامه للسخرية في الأوساط المعنية بإيرادات شباك التذاكر في تركيا بسبب بطء إيقاعها الدرامي، وفقا للصحفي الفني برند بودر المتابع عن كثب لتطورات السينما التركية خلال السنوات الأخيرة.
يقبل الكثير من الألمان المنحدرين من أصول تركية في مدن مثل برلين وكولونيا، على أفلام كوميدية شهيرة مثل "رجب أفديك" أو حلقات مسلسل "وادي الذئاب" البوليسي المثير للجدل. وتهدف هذه الأعمال التجارية التي تعرضها السينما التركية، لنقل صورة المجتمع التركي الحديث على عكس الأفلام ذات الطابع الفني لنوري بلغي جيلان. يجسد النوعان حالة الانقسام التي تشهدها البلاد والتي تجلت بوضوح خلال الشهور الأخيرة.
يرصد الصحفي بودر التوجهات المختلفة في السينما التركية قائلا:" يدرك من يتابع الأفلام التركية المتداولة حالة الانقسام في المجتمع التركي..ثمة أفلام ليبرالية تعكس القيم اليسارية لاسيما فيما يتعلق بالشؤون الاجتماعية أو العلاقات التركية الكردية"، ويضيف الصحفي المتخصص:" من ناحية أخرى توجد أعمال ذات طابع قومي شديد علاوة على أفلام أخرى تعكس بقوة القيم الإسلامية وتظهر الدولة الكمالية (نسبة إلى كمال مصطفى أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية الحديثة)، ككيان فاسد وتابع لأمريكا".
"الطريق" بداية النجاح
بدأ عرض الأفلام التركية بكثافة في دور السينما الألمانية خلال النصف الأول من ثمانينات القرن الماضي، وتركزت معظم الأفلام وقتها على موضوعات مثل القضية الكردية والعلاقة بين الجنسين والصراع بين المدن والريف وحالة الانقسام التي يعيشها الناس بين التقاليد والحداثة. في عام 1982 حصل فيلم "الطريق " للمخرج يلماز غوني على جائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي كما حقق نجاحا على مستوى العرض السينمائي المحلي. ويرصد غوني التغيرات في المجتمع التركي بعد الانقلاب العسكري عام 1980. ولم يتمكن غوني من إخراج الفيلم كله بنفسه لأنه كان خلف القضبان واعتمد على تعاون مساعديه في الفيلم خلال تلك الفترة.
كان فيلم "الطريق" بمثابة نقطة الانطلاق إذ بدأت الأفلام التركية بعد ذلك في الحصول على مكانة مميزة على الخريطة السينمائية. تركت الأفلام التركية بصمتها على رواد السينما في ألمانيا منذ فيلم "الطريق"، الذي شارك منذ هذا الوقت في العديد من المهرجانات ونجح لدى عرضه في دور العرض السينمائي في ألمانيا. لفت المخرج سميح قبلان أوغلو الأنظار إليه مؤخرا بفيلمه "عسل" وهو أحد أجزاء ثلاثية تتناول حياة الحرمان الصعبة لأحد النحالين. حصل أوغلو عن هذا الفيلم على جائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي الدولي عام 2010.
تعتبر المهرجانات السينمائية الألمانية-التركية العديدة أحد أسباب زيادة أعداد الأفلام التركية التي تعرضها دور السينما الألمانية إذ تعرض دور العرض في مدن مثل برلين ونورنبرغ وفرانكفورت منذ سنوات أفلاما تركية جديدة بشكل منتظم. وبالرغم من هذا يرى الصحفي الفني برند بودر أن هذا العرض الموسع لأعمال تركية في ألمانيا لا يجد الاهتمام الكافي رغم أهميته على خلفية العدد الكبير من الألمان المنحدرين من أصول تركية ويضيف:"يجب أن يكون الجمهور الألماني تحديدا أكثر فضولا تجاه تركيا".
يوخين كورتين
ترجمة: ابتسام فوزي
حقوق النشر: قنطرة 2014