لماذا يخاف الغرب من الإسلام؟
لم يكن إدماج المهاجرين المسلمين متضمَّناً في جدول أعمال الدول الأوروبية منذ يوم الأمس فقط، ففي السنوات العشر الأخيرة على أقل تقدير كانت القضية مطروحة حول الاندماج المجتمعي المدني وبشكل خاص من حيث الهوية الدينية.
وفي حين ركزت البحوث الأكاديمية في ستينيات القرن العشرين وسبعينياته تركيزا شديدا على الاندماج الاجتماعي والاقتصادي للمسلمين، تحول اهتمام هذه البحوث في أزمنة الجيل الثاني والثالث من المهاجرين إلى تعبئتهم السياسية.
ومن خلال قضية سلمان رشدي في المملكة المتحدة وابتداء الجدل حول الحجاب في فرنسا عام 1989، تحول مركز الاهتمام إلى مدى مشروعية وجود رموز إسلامية في الأماكن العامة. ومنذ ذلك الحين يتوسع النقاش المثير للجدل حول ظهور هذه الرموز.
الرموز الإسلامية تتعرض للانتقاد
يتزايد باستمرار النظر إلى الحجاب والمساجد والمآذن على أنها رفض أو حتى تهديد للقيم الديمقراطية الغربية.
وفي حملة ضد بناء المآذن في سويسرا عام 2006 شوهد على ملصق لــ "لجنة إغركينغن" (وهي حركة شعبوية في منطقة إغركينغن السويسرية) صورة لامرأة ترتدي البرقع وتقف إلى جوار مآذن على شكل صواريخ مدمرة تخرج من العلم السويسري منطلقة تجاه السماء.
هذا التصور لدى الرأي العام للإسلام وصل أيضا إلى الولايات المتحدة من خلال موضوعات مثل النقاشات حول الشريعة والتطرف الإسلامي في عدد من السجون والجدل في صيف عام 2010 بشأن مسجد غراوند زيرو (حيث كان يقف برجا التجارة العالمية) في نيويورك.
ولا يجري حظر الرموز الإسلامية في العلن فقط، وإنما يُسيطر عليها من خلال إجراءات قانونية وإدارية بحيث تبدو "متحضرة" أو متكيفة مع الثقافة الثقافة الغربية. وفي شهر إبريل/ نيسان عام 2011، حظرت الحكومة الفرنسية ارتداء النقاب والبرقع. وحذت بلدان أخرى مثل بلجيكا وهولندا حذو النموذج الفرنسي في عام 2011 وعام 2012.
مواقف تدفع باتجاه الاستقطاب
لكن حرب الثقافات هذه تخاض أيضا على الجانب المسلم . فالسلفية باعتبارها تفسيرا خاصا للإسلام تقف في تناقض واضح مع الثقافات والقيم الغربية. فالسلفية تدعو إلى الفصل بين الجنسين و ترفض محاولات المجتمع المدني والسياسي، التي لا ترى في الغرب كيانا غريبا. والسلفيون ينتمون إلى أبرز الجماعات الإسلامية التي تحاول إعطاء الانطباع للمسلمين وغير المسلمين بأن السلفية هي الإسلام الحقيقي الوحيد.
وبالتالي يقف الإسلام مع الغرب أساسا في علاقة صراع جوهري ويدفع كل منهما الآخر عن نفسه. "البرقع مقابل البيكيني" تباين يستخدمه الخوّافون من الإسلام والأصوليون المسلمون على حد سواء. وهو يزيد من صلابة الاختلاف المبدئي للموقفين في مجالات السياسية والثقافة، وبشكل مثير للاهتمام أيضا في ما يتعلق بجسد الأنثى.
وهنا يكون التوجه العام بين الإسلام والغرب رهينا بـتعبير "إما...أو..."، وموقف الرئيس الألماني يوآخيم غاوك جسّد ذلك بطريقة غير مقصودة حين قال إن بإمكان المسلمين العيش في ألمانيا، ولم يقل مثل سلفه كريستيان فولف إن المسلمين ينتمون إلى ألمانيا.
مسلم ومواطن في جسد واحد
كتابي "لماذا يخشى الغرب الإسلام عبارة عن دراسة للمسلمين في ديمقراطيات ليبرالية" يقدم مجموعات بيانات تجريبية لأراء أشخاص رافقتهم في باريس ولندن وبرلين و بوسطن في الفترة بين 2007 و 2012. وفي هذا الصدد يعرض الكتاب أول دراسة منهجية و مقارنة بخصوص السلوك السياسي للمسلمين في غرب أوروبا والولايات المتحدة.
ومن أهم النتائج الرئيسية لهذه الدراسة هي الحقيقة التي لا جدل فيها بأن المسلمين يشعرون أنهم مواطنون. رغم ذلك لا يزال يفترض غالبا في أوروبا وجود انفصال ثنائي، وهو ما يؤدي إلى حالات سوء فهم وصراعات. وتوضح الدراسة أن المسلمين لا يرون تعارضا بين الهوية الدينية والمواطنة.
وبشكل عام يمكن القول إن الاندماج الرمزي فقط للمسلمين في الدول القومية الأوروبية يجب أن يشهد عملية تغيير كبير. إنها مهمة شاقة لكنها قابلة للتنفيذ.
جوسلين سيزاري
ترجمة: صلاح شرارة
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2013
كتاب جوسلين سيزاري: " لماذا يخشى الغربُ الإسلامَ؟" عنوانه الأصلي باللغة الإنكليزية هو :
"Why the West fears Islam? – An Exploration of Muslims in Liberal Democracies"
وصدر في يوليو/ تموز 2013 عن دار النشر بلغريف ماكميليان Palgrave Macmillan وعدد صفحاته 404 صفحات، ويحمل الترقيم الدولي التالي:
ISBN: 978-1-4039-6953-8