"ألمانيا خسرت سمعتها بحرب غزة كما فقدت أمريكا صيتها بحرب العراق"

العالِم الألماني في شؤون الإعلام البروفيسور كاي حافظ  Professor Kai Hafez von der Universität Erfurt
أين يُجرَى الحوار الذي يجب أن نجريه في ألمانيا بشأن مستقبل الصراع في الشرق الأوسط وعلاقات ألمانيا بمنطقة الصراع؟ السياسة والإعلام الألمانيان لا يفيان بدورهما كنماذج يحتذى بها، وكذلك لا تأتي من ناحية العلم البحث العلمي إلا القليل من المساهمات، بحسب ما يقول البروفيسور الألماني كاي حافظ الأستاذ بجامعة إرفورت الألمانية. صورة من: Universität Erfurt

يتحدث العالِم الألماني في شؤون الإعلام البروفيسور كاي حافظ في حوار لموقع قنطرة عن التغطية الإعلامية الألمانية لحرب غزة وسردياتها المتوارثة وعلاقتها بمشاعر الاستياء الكامنة تجاه الإسلام بالمجتمع الألماني ويشدد على حاجة نقاش ألمانيا للغة أكثر دقة وتصنيفات أكثر تمييزا لتتمكن من الابتعاد عن قطبية "الإرهاب مقابل الإبادة الجماعية".

الكاتب، الكاتبة : Claudia Mende

سيد حافظ، عندما تقارن التغطية الإعلامية في ألمانيا لمذبحة حماس والحرب الإسرائيلية في غزة مع تقارير لوسائل إعلام دولية، هل ترى عندها اختلافات؟

كاي حافظ: كل بلد له شخصيته الخاصة، وثقافة الخطاب الخاصة به، ولكن بشكل عام انطباعي هو أنه في بلدان الجنوب العالمي -وهذا ليس فقط في الدول العربية ولكن أيضًا في أمريكا اللاتينية وفي أفريقيا- تتضح بشكل جوهري مراعاة أكبر لهموم الفلسطينيين في مجمل الصراع. 

الأهداف الفلسطينية مثل حل الدولتين المنشود وعقدة الاستعمار الإسرائيلي بأكمله يتم التركيز عليها بشكل أكبر، علاوة على ذلك لا يتم تداول موضوع معاداة السامية -في تلك المناطق- بذلك الشكل الكبير الذي هو عليه في ألمانيا.

نحن نميل بقوة إلى رؤية هذا الصراع من منظور ماضينا الخاص، وبشكل لا إرادي -إن جاز التعبير- نفترض معاداة السامية في كل موقف يدافع عن الفلسطينيين. أحيانا يكون لهذا ما يبرره ولكن غالبًا ما يكون مبالغًا فيه، وتعريف معاداة السامية غير واضح. الأجندة الفلسطينية تدور حول مطالب متعلقة بالأرض، أما الكراهية العنصرية فأهميتها على الأرجح ثانوية.

متظاهرون في برلين يطالبون بوقف إطلاق النار في قطاع غزة. Demonstrierende fordern in Berlin eine Waffenruhe im Gazastreifen
"نحن نميل بقوة إلى رؤية هذا الصراع من منظور ماضينا الخاص، وبشكل لا إرادي -إنْ جاز التعبير- نفترض معاداة السامية في كل موقف يدافع عن الفلسطنيين. ... الأجندة الفلسطينية تدور حول مطالب متعلقة بالأرض، أما الكراهية العنصرية فأهميتها على الأرجح ثانوية". صورة من: Jens Thurau/DW

يجب أن تكون هناك آراء مختلفة

هنا غالبًا يتم الاحتجاج بأن ألمانيا تتحمل مسؤولية تاريخية تجاه إسرائيل.

حافظ: لكن لا يمكن المطالبة بوجوب أن نتحدث بصوت واحد في التغطية الإعلامية. فأين ستبقى إذن مقولة وسائل إعلام حرة، هنا وفي رأي عام عالمي يجب أن يُعترف بوجهات نظر مختلفة؟

إن الالتزام الألماني المطلق وغير المشروط تجاه إسرائيل هو موقف مشروع، لكنه ليس الموقف الوحيد.

وفي المقابل يمكن صياغة حجج تُذَكِّر إسرائيل بأن أشكال إرهاب الدولة ليست مشروعة -تمامًا مثل إرهاب ما تحت الأرض من قِبَل حماس- وأن شن حرب على حساب المدنيين -وهو ما نراه في الوقت الحالي- أمر غير مقبول.

علاوة على ذلك لم تكن مواقف دولتي ألمانيا الغربية وألمانيا الشرقية السابقة دائمًا منحازة إلى جانب إسرائيل بهذا الشكل.

 

ما هي المراحل التي كانت موجودة؟

حافظ: بعد فترة تجاهل نسبي بعد عام 1945 دخلت جمهورية ألمانيا الاتحادية في تحالف وثيق جدا مع إسرائيل في فترة الستينيات، بما في ذلك عمليات توريد لأسلحة. وفي السبعينيات والثمانينيات، أعطت الحكومات في ألمانيا الديمقراطية (الشرقية) أهمية أكبر للمصالح العربية، وصولا إلى حقيقة أنّ حكومة ألمانيا الاتحادية (الغربية) -وأنا شاركت بشكل مباشر في تلك العمليات في ذلك الوقت- كانت أكبر ممول للجانب الفلسطيني في عملية السلام في أوسلو. كثيرون ينسون ذلك.

النقاش يبدأ في الانفتاح ببطء

لم تكن ألمانيا دائمًا منحازة لهذه الدرجة إلى جانب واحد في دعمها، وهي ليست كذلك اليوم إذا نظرنا إلى ميزانية التمويل. لذلك، إنه لتقصير كبير الاعتقاد بأنه -في أزمة كهذه- توجد رغبة في الوقوف بشكل أحادي إلى جانب إسرائيل.

هذا الموقف لم يعد يترك مجالًا للمناقشة الإعلامية أو الاعتراضات الفلسطينية. ولا يمكن بالتأكيد أن تنشأ بهذا الشكل سياسة خارجية موجهة نحو التحول. لقد أصبحت ألمانيا أخيرًا مراقبًا وتغتنم كل فرصة للعمل كلاعب مؤثر. وأعتقد أن هذا خطأ، لأن المهمة الرئيسية لألمانيا يجب أن تكون حاليًا دعم حوار بين قوى إسرائيلية وفلسطينية: حوارٍ، ليس ممكنا حاليًا في المنطقة نفسها. لكنني أخشى ألا نستطيع القيام بذلك، وهذا "شهادة فقر" [دليل عدم الكفاءة]. 

ويوجد بالفعل وبشكل متزايد أصوات منتقدة لإسرائيل على هامش الخطاب. ومن المعتاد -في مثل هذه الصراعات خلال المراحل الأكثر سخونة- أن تسود محرمات ضد أي نقد وأن النقاش ينفتح تدريجياً فقط ببطء خلال تواصُل الصراع. 

الجانبان كلاهما يميلان إلى التضليل

نرى هذا النمط أيضًا في الصراعات الأخرى، فكيف يمكن لوسائل الإعلام أن تفلت من فخ عدم النقد هذا في بداية الحرب؟

حافظ: طبقا لنموذج صحافة السلام فإن المهمة الرئيسية للصحافة عند أي صراع هي إعطاء مساحة وصوت للمواقف المشروعة. وهذا لا يشمل الجميع. فأنا سأستبعد المتطرفين اليمينيين في الحكومة الإسرائيلية وكذلك سأستبعد حماس. لقد فقدت هذه الأصوات حقها في الكلام. ومع ذلك يجب سماع جميع الجهات الفاعلة الأخرى، سواء في إسرائيل أو فلسطين أو في ألمانيا، الذين يعترفون بشكل أساسي بحق الآخر في الوجود.

لذلك، يجب علينا زيادة تمثيل الأصوات وتعزيز الحوار والانتباه إلى المكان الذي تأتي منه مصادرنا، وأساسيات معلوماتنا. ففي وسائل الإعلام تُعرَض حاليا أشياء كثيرة خاطئة.

من فضلك، اذكر مثالا!

حافظ: كنت مؤحراً في نقاش مع مراسل إسرائيل بإذاعة دويتشلاندفونك "إذاعة ألمانيا"، وسألني إنْ كان يجب النظر بشكل نقدي إلى المعلومات الإسرائيلية الحكومية حول الصراع مثلما هو الحال مع معلومات حماس. لقد أصابني السؤال بالدهشة. بالطبع علينا! فنحن نعلم أن الحكومة الإسرائيلية أيضا تميل إلى التضليل مثل حماس.

حتى الآن لا يزال مثلا من غير الواضح إنْ كان هناك بالفعل مركز قيادة لحماس تحت مجمع الشفاء الطبي -مستشفى الشفاء- في غزة كما ادعت إسرائيل. هناك العديد من الأسئلة العالقة، ورغم ذلك فإن المواقف الإسرائيلية يجري إدخالها في التدفق الأخباري مع تعريف الهوية دائما بعبارة "تقول الحكومة الإسرائيلية".

هذا خطأ كبير ثانٍ. علينا أن نؤدي مهامنا الأساسية هنا وتوضيح الحقائق. وعلاوة على ذلك ينبغي خفض الشحن -التصعيد- على المستوى العاطفي. نحن منشغلون أكثر من اللازم بجعل هذا الصراع مفرطًا في الأخلاقية. والكلمة المفتاحية هي: معاداة السامية.

أعتقد أنه ليس من حقنا في ألمانيا أن نلقي بالذنب على الفلسطينيين بشأن مشكلة معاداة السامية. بالطبع توجد هناك معاداة للسامية تماماً كما هو الحال في ألمانيا وفي العالم كله. وأيضاً على الجانب الإسرائيلي هناك معاداة للعرب وعداء للإسلام: وهذه مواقف لا نتحدث عنها في الواقع أبدا، ولكنها منتشرة بشكل واسع في الحكومة الإسرائيلية والمجتمع الإسرائيلي الحالي. صحافة السلام تطالب وسائل الإعلام بالعمل من أجل مناخ سلمي، وهذا يعني في المقام الأول أنه يجب التخفيف من الشحن العاطفي.

Here you can access external content. Click to view.

عدم فرض تابوهات ومُحَرَّمات على النقاش

معاداة السامية غير مقبولة ويجب علينا كمجتمع التصدى لها بشكل حازم. ولكن في الوقت الحالي هناك انطباع بأن المصطلح يستخدم على نحو مفرط بحيث يعمل أيضًا على تكميم الأصوات النقدية. هل يمكن وضع حدود أوضح لاستخدامه مرة أخرى؟

حافظ: الميل إلى نقاش معاداة للسامية -إذا تحتم علينا بالفعل أن ندير نقاشا بشأن الصراع- هو أمر قديم في ألمانيا. هذا الأمر كان موجودًا منذ الثمانينيات عندما قصفت إسرائيل بيروت في عام 1982. في ذلك الوقت على سبيل المثال قادت صحيفة "تاغِس تسايتونغ" TAZ اليسارية نقاشًا حول معاداة السامية. نحن -في ألمانيا- لم نخرج من أسلوب رد الفعل المنعكس منذ عقود، وعلينا أن نفكر جديًا في تحديد مفهوم معاداة السامية.

بالمعنى الأضيق فإن معاداة السامية تعني التسميات الجماعية العنصرية والسلبية تجاه مجموعة دينية أو عرقية. كل شيء آخر مثل انتقاد إسرائيل والصهيونية، ليس معاداة السامية بالمعنى الأضيق.

يمكن أن نناقش بعضنا البعض عن إنْ كان تقديم صورة لإسرائيل تركز فقط على الجوانب السلبية يصبح معاديا للسامية. ولكن في سياق صراع معين من الضروري ممارسة النقد لحكومة معينة.

في مناقشة الصراع لا يمكن أن يلعب هذا المستوى الثاني من معاداة السامية دورًا: وهو استخدام صور نمطية قديمة بشأن الانحياز إلى أجندة موضوعات نقدية. لذا فإن انتقاد إسرائيل بسبب سياساتها الاستعمارية والعسكرية أو دعم وقف إطلاق النار ليس له علاقة بمعاداة السامية بالنسبة لي.

يمكننا أن نناقش أيَّاً من المواقف تعتبر كاملة ومتوازِنة. لكن مثل هذا النقاش لا ينبغي أن يكون أساساً من المحرمات.

ارتياح في إسرائيل بعد تحرير أربعة رهائن من قبضة حماس. في الصورة: أقارب الرهائن في مستشفى تل هاشومير. Angehörige der Geiseln am Tel-Hashomer-Hospital
ارتياح في إسرائيل بعد تحرير أربعة رهائن من قبضة حماس. في الصورة: أقارب الرهائن في مستشفى تل هاشومير. صورة من: Ilia Yefimovich/dpa/picture alliance.

تأييد للسياسة البناءة

في نقاشنا العام أرى اتجاهًا لاتهام الأصوات المؤيدة للفلسطينيين بكراهية أساسية تجاه الإسرائيليين واليهود. وهذا غير صحيح على نحو يمكن إثباته. ففي التسعينيات مثلا عندما بدأت عملية السلام في أوسلو كان ثلثا الفلسطينيين يؤيدون حل الدولتين.

كان جزء كبير من الناس -بما في ذلك في إسرائيل أيضا- سعداء بأن يتم إيجاد حل للصراع. عندما تصبح السياسة بناءة، يكون هناك موافقة من الأغلبية على كلا الجانبين. لذلك ليس الأمر أن هناك شعبين يسعى كل شعب منهما إلى إبادة الشعب الآخر بأي ثمن.

بالنسبة لي إسرائيل أيضاً لا تمارس إبادة جماعية ممنهجة. الأكثر فائدة استخدام مفهوم إرهاب الدولة، الذي يعني تجاوز الحدود الشرعية للدولة عندما يتم قتل مدنيين أكثر من الجنود خلال الحرب. لدينا صراع غير متماثل بين منظمة إرهابية من ناحية ودولة من ناحية أخرى، دولة تتجاوز أيضًا الحدود وتتصرف بشكل متكرر باستخدام وسائل إرهاب الدولة.

مصطلحات مثل معاداة السامية والإبادة الجماعية لا تساهم كثيرًا في تحليل الصراع. لا أفهم لماذا يولَى لها اهتمام كبير في ألمانيا. هذا يبدو بالنسبة لي وكأنه رفض لفهم حقيقي للصراع.

الوضع الإنساني في رفح كارثي رغم وصول المساعدات الدولية. Die humanitäre Lage in Rafah ist trotz internationaler Hilfslieferungen desaströs
الوضع الإنساني في مدينة رفح في قطاع غزة مأساوي على الرغم من المساعدات الدولية. التعاطف الإعلامي -في ألمانيا مع الضحايا في غزة- محدود، ويعزو الأستاذ الدكتور كاي حافظ ذلك أيضًا إلى مشاعر الاستياء الكامنة في المجتمع الألماني تجاه العرب والمسلمين. صورة من: Mohammed Salem/REUTERS

مشاعر الاستياء الكامنة تمنع التعاطف

في التغطية الإعلامية الألمانية نجد برودة غريبة. في الأشهر الأولى بعد السابع من أكتوبر 2023 كتبت وسائل إعلام ليبرالية أن إسرائيل لها كل حق في الدفاع عن نفسها عسكريًا، وإذا تعرض المدنيون للقتل في هذه العمليات فيجب أن نقبل ذلك. حتى اليوم يبدو أن الاستياء بسبب عدد النساء والأطفال الذين قتلوا محدود. هل كانت الأمور كذلك في الصراعات السابقة؟

حافظ: الفلسطينيون لم يُشمَلوا بنفس القدر من التعاطف من قبل معظم وسائل الإعلام الألمانية. أحد الأسباب بالتأكيد هو التكوين الذاتي لنا كألمان: نحن لا تُعرَض علينا معاناة الفلسطينيين -في الإعلام- بنفس الطريقة التي تُعرَض بها معاناة الإسرائيليين اليهود. هناك عدد قليل جدا من الصور للضحايا الفلسطينيين عندنا، في حين يتم عرض صور لأطفال قتلى ومصابين على الصفحات الأولى للصحف الدولية وفي نشرات الأخبار المسائية. في مجتمعنا الحالي الذي يركز بشدة على المرئيات والصور، أرى أنه من المهم أن نجعل  الناس ترى ما يحدث في قطاع غزة.

بالإضافة إلى ذلك هناك ميل لدينا نحو تجريد العرب من الصفات الإنسانية. وهذا له علاقة بالاتجاهات المعادية للإسلام والعرب. وفقًا للدراسات يواجه جزء كبير من السكان الألمان مشاكل كبيرة في التعامل مع الثقافة الشرقية والإسلامية. وهناك مخاوف هائلة: مثل الخوف من أن الإسلام هو أيديولوجية عنيفة، وأن هناك أشخاصًا عدوانيين يسيطر عليهم الفكر الذكوري المهيمِن يأتون ويطلقون النار ببنادق كلاشنيكوف. هذه هي الصور العامة المنتشرة لدى كثير من الناس. فكيف يمكن أن نخلق تعاطفا مع أناس يوجد ضدهم في الوقت نفسه القدر الهائل جدا من مشاعر العداء؟

هل هذا يعني أن كل الأعباء المتعلقة بمشاعر الاستياء الكامنة من الإسلام والعرب تُدفَع هنا نحو الذروة؟

حافظ: هذا ليس المجال الوحيد الذي يحدث فيه ذلك. يحدث هذا أيضًا في مجال اليمين المتطرف والتطرف اليميني. حتى الآن لم يتم التعرف بشكل كافٍ على مقدار العنصرية المتاح للاستخدام في المجتمع الألماني. 80 في المائة من الألمان يعترفون بمعارضتهم للعنصرية، وفي الوقت نفسه يرى 60 في المائة من هؤلاء -الذين يزعمون معارضتهم للعنصرية- الإسلام كأخطر دين في العالم. وفي حقيقة الأمر يواصل الكثير من الناس ممارسة "عنصرية نقاشات الصالونات" تحت أوضاع أخرى.

نعم، هنا نجد أن الأعباء الثقافية التاريخية المتراكمة تؤثر علينا سلبًا. يجب أن نصبح أكثر وضوحًا هنا، حتى فيما يتعلق بالتطرف اليميني. لا يتم الاعتراف إلا على نحو قليل جدا بأن حزب البديل من أجل ألمانيا AFDيستخدم بشكل أساسي صورة الإسلام كعدو مركزي، حتى في برنامجه الانتخابي. وكعضو في لجنة الخبراء التابعة لوزارة الداخلية كنتُ قد تعاملت مع هذا الموضوع بشكل كبير. برنامج حزب البديل من أجل ألمانيا يعبر عن كراهية أساسية وجوهرية للإسلام. وبالمناسبة لم تنفذ وزارة الداخلية أيًا من التوصيات الكثيرة المتعلقة بمكافحة كراهية الإسلام المذكورة في التقرير.

يتم منع النقاش حول هذا الموضوع بشكل أساسي. بعد حادثة مدينة هاناو الألمانية -التي قُتِل فيها مسلمون ومهاجرون- وحركة "حياة السُّود مهمة" Black Lives Matter، تم طلب تقييم للوضع، لكن لا يرغب أحد في معرفة عواقب الأمر ويخشون من النتائج. ويمكن وصف الأمر بأنه عنصرية هيكلية في السياسة الألمانية، ويتم نقل هذه العنصرية إلى وسائل الإعلام والرأي العام. من السياسة لا تأتي أي محفزات سواء في موضوع كراهية الإسلام أو فيما يتعلق باتخاذ مواقف متوازنة تجاه غزة، والمساحة الإعلامية هي إلى حد كبير صدى لهذه السياسة من عدم اتخاذ اي موقف.

دمار في مخيم النصيرات للاجئين - قطاع غزة. Zerstörung im Flüchtlingslager Nuseirat
يقول البروفيسور كاي حافظ: "نحن لا تُعرض علينا -في الإعلام- معاناة الفلسطينيين بنفس الطريقة التي تعرض بها معاناة الإسرائيليين اليهود. هناك عدد قليل جدا من الصور للضحايا الفلسطينيين عندنا، في حين يتم عرض صور لأطفال قتلى ومصابين على الصفحات الأولى للصحف الدولية وفي نشرات الأخبار المسائية". صورة من: Jehad Alshrafi/AP Photo/Picture Alliance

الإعلام الألماني لا يفي بوظيفته كنموذج يحتذى به

ما الذي نحتاجه في ألمانيا الآن في النقاش؟

حافظ: نحن الآن بحاجة إلى لغة أكثر دقة وتصنيفات أكثر تمييزا، حتى نتمكن من الابتعاد عن قطبية "الإرهاب مقابل الإبادة الجماعية". ولا يمكن أن ينجح ذلك إلا مع وجود فكر صحي، لكن هذا الفكر يبدو لي في ألمانيا في الوقت الحالي أنه مقيد جدًا.

أين يُجرَى الحوار الذي يجب في ألمانيا أن نجريه بشأن مستقبل الصراع في الشرق الأوسط وعلاقات ألمانيا بمنطقة الصراع؟ السياسة والإعلام الألمانيان لا يفيان بوظيفتهما كنماذج يحتذى بها، وكذلك لا تأتي من ناحية البحث العلمي إلا القليل من المساهمات.

أسمع من زملائي أن هناك كُتَّاباً يتخلون مرة أخرى عن مشاريع كتب عن إدوارد سعيد، لأنهم يرون أن الموضوع أصبح ساخناً جداً بالنسبة لهم. وأنا أعتبر هذا فضيحة. يتم إلغاء فعاليات ولم تعد تُجرى حوارات خوفاً من التواصل مع جهات فاعلة خاطئة.

إن إلغاء جامعة كولْن (كولونيا) لمحاضرة نانسي فريزر كارثة كبيرة، مثل حالات أخرى تم فيها طرد مثقفين دوليين مرموقين من ساحة النقاش الألمانية حتى لا يتم ارتكاب أي خطأ. 

لا أفهم أيضًا رؤساء الجامعات والسياسيين، الذين يتدخلون في مثل هذه العمليات، مثلما حدث في كولْن (كولونيا) أو برلين. لا ينبغي أبداً أن تحدث مثل هذه التدخلات في البحث العلمي في ألمانيا.

بعد هجوم إسرائيلي على مدينة رفح في قطاع غزة: فلسطينيون يحاولون إخماد ألسنة اللهب.  Nach dem israelischen Angriff auf Rafah versuchen Palästinenser mehrere Brandherde zu löschen.
بعد هجوم إسرائيلي على مدينة رفح في قطاع غزة: فلسطينيون يحاولون إخماد ألسنة اللهب. صورة من: Mohammed Salem/REUTERS

السردية المتوارثة مقابل النهج العقلاني

كيف تقيمون "التأطير" الإعلامي للصراع؟

حافظ: نحن نتعامل مع موضوع متجذرعلى غرار قصة داوود وجالوت. وفي هذا السياق تُعامَل إسرائيل دائمًا على أنها داوود، حتى وإن كانت في الواقع -بناءً على توازنات القوى الراهنة- هي أقرب اليوم أن تكون جالوت. لكن يبدو أن هذا الأمر لا يتناسب مع تفكيرنا.

وفي هذا الصدد يعيق السرد التقليدي النهج العقلاني لدينا في التعامل مع الصراع. لا يمكن أن تكون نتيجة تحليل الصراع أن تكون إسرائيل هي الضحية الوحيدة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. عندما نراقب ما حدث في إسرائيل والمناطق الفلسطينية على مدى عقود فإنها جانٍ وضحية على حد سواء ربما حتى هي جانٍ أكثر منها ضحية.

بدأ هذا التطور باغتيال إسحاق رابين في عام 1995 على يد متطرف يهودي. القتل كان معناه نهاية عملية أوسلو. وتلا الانتفاضة الفلسطينية الثانية انهيار حركة السلام الإسرائيلية. اليوم في إسرائيل لا تحدث احتجاجات من أجل الفلسطينيين، بل من أجل مصالحهم الخاصة. لقد دمرت أعمال الحكومات الإسرائيلية التواجد الفلسطيني إلى حد كبير وطردت الفلسطينيين من القدس ومن مناطق المستوطنات. ولم يتم الوفاء بالوعود المتعلقة بالضفة الغربية وتم حصار قطاع غزة عسكرياً بشكل دائم.

وعلى الجانب الآخر أيضاً تم ارتكاب أخطاء. فتطورت حماس إلى منظمة سلطوية دون شرعية ديمقراطية. أرى تماثلا في إشكاليات الصراع هنا وليس داوود ضد جالوت. وتبدل السردية هذا علينا أن نفهمه. إسرائيل هي القوة النووية الوحيدة في الشرق الأدنى وهي بالتأكيد الأكثر تفوقا تقنيا وعسكريا، وهي ليست محصنة ضد الهجمات، لكنها متفوقة لدرجة أننا ينبغي أن نشتكي هنا من تركيبة استعمارية جديد.

"سمعة ألمانيا تتدهور بشكل كبير"

لا يُخفِي اليمين السياسي في إسرائيل أن الضفة الغربية بأكملها بالنسبة له هي يهودا والسامرة وأنه لا يريد إعادة هذه المنطقة. سيناريوهات الحلول لا يتم تنفيذها.

نحن نعذب أنفسنا بموضوعات وأساطير كثيرة من الموروثات، غالباً بشكل غير واع، ويجب علينا مراجعة خطاباتنا والسعي لتحقيق المزيد من التوازن. إن تذكر الهولوكوست أمر بالغ الأهمية، وقد نظمتُ شخصياً مؤتمرات حول معاداة السامية.

لكن يجب ألا نفرغ حمل أعباءنا التاريخية على عاتق الفلسطينيين. هذه العرقلة تؤدي فقط إلى عزلتنا على المستوى الدولي. سمعة ألمانيا تتدهور بشكل كبير حالياً. نحن -في ألمانيا- نعاني من فقدان السمعة بشكل مشابه لما حدث للولايات المتحدة في عام 2003، عندما فقد الأمريكيون دور القيادة الأخلاقية على مستوى العالم بسبب حرب العراق.

تُقَلِّدُ ألمانيا المعايير الأخلاقية المزدوجة -التي لدى الولايات المتحدة- في سياق حرب غزة وهذا يزعج الناس منا -نحن الألمان- في جميع أنحاء العالم. هذه الخسارة لصورة ألمانيا سوف يكون له تأثير اقتصادي ملحوظ أيضاً. وفي حالة الشك يفضل الناس التعاون مع شركاء آخرين. فمقدار ازدواجية المعايير واضح للجميع.

Here you can access external content. Click to view.

"أخشى من تزايد الاغتراب"

ماذا تعني هذه المعايير المزدوجة للمجتمع في هذا البلد [ألمانيا]؟

حافظ: حرب غزة تؤدي إلى تزايد الاغتراب بين الشباب المهاجرين وكذلك الأشخاص من أصول مهاجرة من ناحية والنخب السياسية والإعلامية من ناحية أخرى. حتى الآن كانت ثقة كثير من المسلمين في النظام بألمانيا أعلى مما هو عليه الحال لدى كثيرين من غير المسلمين. وهناك دراسات تشير إلى أنهم يعتبرون ألمانيا دولة قانون موثوقاً بها.

بغض النظر عن الشرطة كانت المؤسسات الألمانية تتمتع حتى وقت قريب بصورة جيدة نسبياً لدى المهاجرين. لكننا الآن نخسر هذا الرصيد بسبب حرب غزة وندفع الأشخاص من أصول مهاجرة حتما نحو مجتمعات موازية. وهنا أخشى من تزايد الاغتراب.

نرى شكلاً من الإقصاء الشديد لعملية التواصل مع الشباب من أصول مهاجرة، ويبدو لي أن أي شكل من أشكال الاستعداد لحوار رمزي من جانب السياسة الألمانية ووسائل الإعلام هو أمر مفقود.

 

حاورته: كلاوديا منده

حقوق النشر والترجمة: موقع قنطرة  2024

Qantara.de/ar

 

كاي حافظ هو عالم سياسة وإعلام وأستاذ بجامعة إرفورت. مجال بحثه بشكل خاص هو أخلاقيات الإعلام الثقافية المقارنة، والإعلام والسياسة في ألمانيا والشرق الأوسط، وتغطية الأخبار الدولية. تم تعيينه في عام 2020 في  مجموعة الخبراء المستقلة المعنية بمواجهة العداء الموجه ضد المسلمين UEM التابعة لوزارة الداخلية الألمانية .