هل وصلت "شبه الديمقراطية" إلى نهايتها؟
في مايو/أيار الماضي، حلّ الأمير مشعل الأحمد الجابر الصباح، البرلمان الكويتي وتعليق سبع مواد من الدستور لمدة 4 سنوات. بدا أن العملية الديمقراطية في الكويت، وهي فريدة من نوعها في منطقة الخليج حيث يتمتع البرلمان بصلاحيات حقيقية وقد تحدى السلطة التنفيذية مرارا وتكرارا في الماضي، تتعرض لنكسة مفاجئة.
تستهدف المواد المعلقة من الدستور بشكل أساسي دور مجلس الأمة ووظائفه الرقابية، إذ أعاقت الخلافات المتكررة بين البرلمان والحكومة عملية التشريع والإصلاحا ت الاقتصادية. لقد اتخذ الأمير خطوة جذرية ـ وهي الخطوة التي قد يراها كثيرون من الخارج بمثابة بداية نهاية النظام البرلماني في الكويت. ولكن السوابق التاريخية تسمح باستخلاص استنتاجات أخرى.
منذ عام 2003، تعيش الحياة البرلمانية في الكويت في اضطراب. إذ لم يكمل أي برلمان مدته الدستورية، باستثناء البرلمان المنتخب في عام 2016. وبالإضافة إلى التعليق الحالي، جرى حل البرلمان ثماني مرات خلال نفس الفترة.
علاوة على ذلك، فإن العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في الكويت غير متوازنة، حيث لا تشكل الأغلبية في البرلمان المنتخب الحكومة، بل تتعايش مع رئيس وزراء يُعينه الأمير. وبالتالي تُطبق الكويت نظاما شبه برلماني. غير أن هذا الخلل أدى إلى أزمات سياسية متكررة لاسيما في البرلمان الكويتي الذي يضم خليطًا متناقضًا من الأيديولوجيات اليسارية والشعبوية والإسلامية.
تخلفت الكويت عن بقية دول الخليج، التي استثمرت في السنوات الأخيرة في تنويع اقتصاداتها وتطورت إلى مراكز تجارية عالمية. فعلى الرغم من أن الكويت تحتل المرتبة الخامسة كأكبر منتج للنفط في منظمة "أوبك"، إلا أنها نادرا استخدمت مواردها المالية، على عكس جيرانها، للاستثمار في البنية التحتية أو القطاعات الاقتصادية والطاقة الأخرى. حتى أن البلاد عانت في الصيف حتى من انقطاعات متكررة في التيار الكهربائي.
وأشار تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي في سبتمبر/أيلول 2023، إلى أن المشاكل الاقتصادية في الكويت تعود إلى "التغيرات المتكررة في الحكومات، والجمود السياسي بين الحكومة والبرلمان، والتي أعاقت إجراء إصلاحات مالية وهيكلية مهمة".
حكومة بلا رقابة
في هذا السياق المعقد، أدى تعليق عمل مجلس الأمة إلى وضع شبه الديمقراطية في الكويت في حالة من عدم الاستقرار. وقد تضمن الخطاب الأول للأمير والمرسوم الذي تلاه خطة مفصلة للخطوات التالية بعد حل البرلمان، بما في ذلك تشكيل لجنة من الخبراء لصياغة مقترحات لتعديلات دستورية في غضون ستة أشهر.
وكان من المفترض أن تنتهي هذه العملية إما عبر استفتاء شعبي أو عن طريق إحالة التعديلات إلى مجلس الأمة القادم للموافقة عليها. ومع ذلك، لم يوضح المرسوم كيفية تشكيل لجنة الخبراء هذه ولم يتضمن أي أهداف محددة. بل على العكس، اقتصر المرسوم على الإشارة إلى "الحكم الديمقراطي السليم" و"الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية".
في غياب مجلس الأمة، أصدر الأمير مشعل الذي تولى حكم البلاد في ديسمبر/كانون الأول 2023، سريعا عدة مراسيم بما فيها تشكّيل حكومة تكنوقراط، والتي خضعت لاحقًا لعدة تغييرات في حقائبها. ولكن من ناحية إيجابية، تشغل النساء الآن ثلاث حقائب وزارية، وهو أعلى مستوى لمشاركة المرأة في تاريخ الحكومة الكويتية. ومع ذلك، لم تكشف الحكومة الجديدة، التي تعمل بدون رقابة برلمانية، عن جدول أعمالها حتى الآن. وتظل القضايا المعلقة، مثل تنويع الاقتصاد، دون معالجة ولا يزال من غير الواضح ما هي الأولويات الأخرى التي سيتم تحديدها.
التزام بالديمقراطية
ومن اللافت للنظر، لم تُسجل أي احتجاجات كبيرة في الكويت عقب تعليق عمل مجلس الأمة، حيث شهدت البلاد في ظروف مشابهة مظاهرات لأسباب سياسية واجتماعية أبرزها في أعوام 2006 و2011 و2019. هذه المرة، ظل السكان هادئين وبدا أنهم رحبوا بالقرار الذي جاء بعد سنوات من الجمود السياسي.
ومع ذلك، لا ينبغي تفسير صمت الشعب على أنه رغبة في التخلي عن العملية الديمقراطية تمامًا بل إنه يعكس رغبة في إصلاح النظام السياسي ومعالجة القضايا التي تنشأ عن البنية السياسية الحالية – إذ أدى وجود برلمان منتخب ورئيس وزراء معين إلى تعقيد عمل الحكومة. وعكست نسبة الإقبال العالية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة (62% في أبريل/نيسان 2024) التزام الكويتيين المستمر بالديمقراطية.
بداية عصر جديد في منطقة الخليج العربية
يصف الباحث الألماني في شؤون دول الخليج العربية سيباستيان زونس في كتابه كيف تشهد مجتمعات شبه الجزيرة العربية تحولات عديدة وتبحث بالوقت نفسه عن هوية جديدة. توماس ديمِلْهُوبَر يستقرئ لموقع قنطرة كتاب: "الحُكَّام الجدد بالخليج وسعيهم للتأثير العالمي".
أكد استطلاع للرأي أُجري بعد تعليق عمل البرلمان هذا الاستنتاج. إذ يعتقد معظم الكويتيين (69%) أن المشاكل البنيوية، وخاصة اختلال التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، هي سبب الجمود السياسي المتكرر. ويلقي الكويتيون اللوم على السلطة التنفيذية والبرلمان في هذه الأزمات دون تحميل المسؤولية لمؤسسة واحدة فقط. وأعربت الغالبية العظمى من الكويتيين عن دعمهم للرقابة البرلمانية على الحكومة والانتخابات الحرة، ويعتقدون أن الديمقراطية من شأنها أن توفر أفضل نظام للحكم.
لذا، على الرغم من ــ أو ربما تحديدا بسبب ــ تراجع الحريات الديمقراطية في السنوات الأخيرة، يُظهر الكويتيون التزاما طويل الأمد بالديمقراطية. ووفقاً لمؤشر "برتلسمان" للتحول (BTI)* لعام 2024، هبط مؤشر حرية التعبير بالكويت من أعلى مستوى لها، وهو سبعة من عشرة، إلى ثلاثة من عشرة، فيما سجلت حرية التجمع أربعة من عشرة. وينعكس التزام الكويتيين المتواصل بالديمقراطية أيضا في تصرفات الكتاب والمثقفين، الذين يحاولون منذ أشهر تحفيز النقاش العام حول التغيير الدستوري والإصلاح الديمقراطي.
الحاجة إلى تغيير ديمقراطي مستدام
رغم السياق الصعب والتطورات السلبية في الأشهر الأخيرة، فإن التعليق الحالي لعمل البرلمان لن يقوض التغيير الديمقراطي في الكويت إلى الأبد. ولا يُتوقع أن يؤدي إلى انهيار تجربتها الديمقراطية. فقد أوضح الأمير في خطابه الأول بشأن حل البرلمان أن الكويت لن تتخلى عن تاريخها الديمقراطي. كما أن دستور الكويت يحمي البرلمان المنتخب ديمقراطيًا وحريات مواطنيها.
طوال تاريخ الكويت الممتد على مدى اثنين وستين عامًا، ثبت مرارا وتكرارا مدى ترسخ الروح البرلمانية في البلاد ومدى التزام الفاعلين السياسيين من مختلف التيارات الأيديولوجية بحرية الديمقراطية. وأظهر الكويتيون إيمانهم بالمؤسسة التشريعية لا سيما في الأوقات التي كان فيها البرلمان معلقًا. ومنذ تحرير الكويت من الاحتلال العراقي عام 1991، أصبح البرلمان بالنسبة للكثيرين أساسًا لشرعية النظام السياسي الكويتي.
لكن البلاد لا يمكنها تحمل عواقب أزمة سياسية طويلة الأمد، في ظل الحاجة إلى تجاوز اعتمادها على النفط وتنويع اقتصادها للخروج من حالة الركود. وخلصت دراسة حديثة، إلى أن تعليق البرلمان قد ألحق بالفعل أضرارًا جسيمة بالاقتصاد.
تشير كل هذه العوامل إلى عودة العمل البرلماني في الكويت في غضون أربع سنوات على الأكثرـ خاصةً أن مرسوم الأمير ينص على عودة البرلمان في المدى المتوسط. ومع ذلك، سيظل الخلل الهيكلي بين السلطتين التشريعية والتنفيذية قائما حتى مع عودة البرلمان المنتخب. وهذا يؤكد الحاجة إلى تحول ديمقراطي مستدام، والذي ربما يعتمد نجاحه إلى حد كبير على مبادرة الكويتيين أنفسهم.
*كُتب هذا النص لمدونة BTI التابعة لمؤسسة برتلسمان ستيفتونغ الألمانية.
© قنطرة