سوريا.......محدودية التأثير الدولي وحتمية التغيير الداخلي
تتوالى الأنباء عن سيطرة الجيش السوري على بلدة جسر الشغور وقيامه بحملات تمشيط في البلدة وضواحيها في الوقت الذي يتواصل فيه تدفق اللاجئين السوريين على تركيا هربا من قمع قوات الأمن ليصل عددهم إلى أكثر من 8 آلاف شخص، وفق آخر حصيلة تناقلتها وكالات الأنباء. في غضون ذلك، يتزايد قلق المجتمع الدولي إزاء الأوضاع في سوريا وسط انقسام بين مؤيد لإصدار مجلس الأمن الدولي قرارا يدين قمع النظام السوري للاحتجاجات الشعبية منذ ثلاثة أشهر وبين معارض لذلك، مثل روسيا والصين. في ظل هذه التطورات يطرح السؤال نفسه هل تشهد الأوضاع تطورا مشابها لما تشهده ليبيا؟ وكيف يمكن للمجتمع الدولي أن يتدخل لحماية المدنيين في سوريا؟
"استراتيجية الترهيب لإخماد الاحتجاجات"
أدانت دول عديدة القمع "الوحشي" للاحتجاجات الشعبية في سوريا، حيث تقول منظمات حقوقية إن أكثر من 1200 شخص قتلوا منذ اندلاع الحركة الاحتجاجية في منتصف شهر آذار/ مارس الماضي. ولكن رغم ذلك يبدو أن النظام السوري ماض في استراتيجية "الترهيب والتخويف لإخماد الحركات الاحتجاجية" التي تطالب بإسقاط النظام، وفق ما يقول الخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط الدكتور يوخن هيبلر في حديث لدويتشه فيله. "ما يحدث حاليا في سوريا يذكرنا بطريقة أو بأخرى بمجزرة حماة والتي أدت إلى إخماد التحركات الشعبية إلى درجة يمكننا وصفها بهدوء المقابر"، كما بقول هيبلر. يذكر أن مجزرة حماة تُطلق على الحملة العسكرية التي قام بها نظام حافظ الأسد عام 1982 ضد المعارضة في حماة وذهب ضحيتها ما بين 10 آلاف إلى 25 ألف شخص، وفق تقديرات منظمة العفو الدولية.
في ظل هذه المعطيات التي تؤكد ما تقوله المعارضة ومنظمات حقوقية عن "شراسة نظام الأسد"، يبقى السؤال قائما فيما إذا كان المجتمع الدولي سيبقى مكتوف الأيدي إزاء الوضع في سوريا؟ الخبير الألماني هيبلر يرى أن التأثير الغربي على النظام في سوريا لدفعه إلى القيام بإصلاحات والتخلي فورا عن استخدام العنف ضد الحركة الاحتجاجية محدود جدا، إذ أن "الولايات المتحدة ورغم ثقلها السياسي فإن تأثيرها على سوريا قليل مقارنة بدول أخرى في المنطقة". ويضيف: "نعرف أن الاتحاد الأوروبي بإمكانه أن يلعب دورا في سوريا ولكنه دور معنوي واقتصادي، لكني لا أرى أنه يلعب دورا حقيقيا لدفع النظام إلى تقديم تنازلات". ويرى هيبلر أن جامعة الدول العربية وتركيا بإمكانهما التأثير، لكنه يستطرد قائلا: "جامعة الدول العربية بإمكانها أن تحاول التأثير على النظام ولكنها عملاق من ورق وليست طرفا فعالا". أما فيما يتعلق بتركيا، التي تربطها علاقات متينة بسوريا، فيبدو أن جهود رئيس الحكومة فيها رجب طيب أردوغان "لم تثمر حتى الآن".
سيناريو ليبيا لن يتكرر في سوريا
ويستبعد هيبلر أن يتكرر السيناريو الليبي في سوريا عندما تدخل حلف الناتو ضمن قرار للأمم المتحدة بحماية المدنيين من قصف كتائب القذافي. ويقول: "محاولات حكومات غربية فرض حظر جوي على ليبيا كانت عملا سياسياً من أجل إظهار أن هذه الحكومات لم تعد تدعم الحكومات الديكتاتورية مثلما كان عليه الأمر في تونس ومصر"، مؤكد باعتقاده أن "الإمكانيات موجودة داخل سوريا وليس خارجها." الأمر الذي يؤكده بدوره هيثم مناع، المتحدث الرسمي باسم اللجنة العربية لحقوق الإنسان، في مقابلة مع دويتشه فيله، بقوله أنه: "يوجد ثالوث مقدس في رأس كل شاب (في سوريا): النقطة الأولى لا للعنف، النقطة الثانية لا للطائفية والنقطة الثالثة لا للتدخل الأجنبي". ويرى أن السوريين سيواصلون الاحتجاجات "سلميا" حتى إسقاط النظام، و"المجتمع السوري لديه من الإمكانيات الذاتية ولا يحتاج لأحد مهما كانت درجة القمع السلطوي". ويوضح أن "النظام أراد بالحل الأمني كسر إرادة الشعب، حين وجد أنه قد كسر جدار الخوف وانضم عدد متزايد من السوريين للحركات الاحتجاجية من أجل التغيير وإسقاط الديكتاتورية".
من جهته، يرى هيبلر أن التغيير لن يأتي إلا من داخل سوريا، مقارنا الأحداث فيها بما حدث في تونس ومصر، إذ أن: "سقوط بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر كان ممكنا فقط لأن الجيش في كلا البلدين تخلى عن دعم النظام". وبالتالي يرى أن نجاح الحركة الاحتجاجية في سوريا في تحقيق أهدافها المنشودة مرهون بمدى دعم الأجهزة الأمنية والجيش لنظام الأسد من عدمه.
الكاتبة: شمس العياري
مراجعة: عارف جابو
حقوق النشر: دويتشه فيله 2011