قنابل من السيليكون على خشبة المسرح
يجري اليوم إعادة إحياء روح الانفتاح والحوار بمحاذاة الموقع الذي كانت تقوم عليه أكبر دار للكتب في العصر القديم والتي كانت النيران قد قوضتها آنذاك. هنا يستعرض صنّاع المسرح الشباب القادمين من أوروبا والدول المحاذية للبحر الأبيض المتوسط أشكالاً تعبيريةً جديدةً من خلال ورش عملٍ نُظمت في إطار "الملتقى الإبداعي للفرق المسرحية المستقلة" في الإسكندرية.
وبينما تهب الرياح من جهة البحر على مبنى المكتبة الجديد الذي يتخذ شكلاً مائلاً مغروسًا في الأرض، تمتلئ قاعة المسرح إلى أقصى حدّ في مركز المؤتمرات المجاور، حيث تقدِّم الفرقة الفلسطينية من "مسرح الحارة" عملها الذي حمل عنوان "عندي حلم". لكن من يتوقع هنا أن تُستعادُ شعارات الانتفاضة أو أيديولوجيات الاستشهاد لن يجد ضالته أبدًا. لأن هذا الحلم ينضح بكل الألوان وله وقع شكيرا على السامع ويبحث له عن منفذٍ للوصول إلى العالم عن طريق الحاسوب.
هنا ترقص إحدى الممثلات الشابات هازةً خصرها على أنغام موسيقى البوب الصاخبة تاركةً العنان لنفسها وللجمهور للاندماج بالحركات. يلي ذلك مشهدٌ لشابٍ في سن المراهقة يُقلِبُ مشدوهًا صفحات مجلةً صورٍ بورنوغرافية، وعند سماعه لخطىً مقتربة يرمي المجلة تحت مقعده من شدة رعبه. ويُستتبع هذا بمشهد أربعة شبان وشابات في مقهى للإنترنت، وكلٌّ منهم يحاول أن يصنع لنفسه هويةً خاصةً للشبكة العنكبوتية العالمية تكون مقبولةً عالميًا ولا يشلّها الصراع الفلسطيني المستمر.
المسرحية الفلسطينية "عندي حلم"
وقبل أن تلتقط الفتاة صورةً شخصية لها لتضعها على الـ"فيس بوك" تعتمر شعرًا اصطناعيًا أشقرَ لكي تبدو شبيهةً بشكيرا أو بواحدة أخرى من شهيرات الفن العالميين. "لقد سئم الشبان الفلسطينيون والشابات الفلسطينيات عناء النضال من أجل دولةٍ خاصةٍ وسئموا من الحرب والظروف اليومية الصعبة في المناطق المحتلة" بحسب ما تقول في هذا السياق مارينا برهم مديرة فرقة الحارة في بيت جالا في الضفة الغربية المحتلة. وتتابع برهم قولها بأن هؤلاء الشبان والشابات غير مقيدين بظروف الهوية الفلسطينية في غرف الدردشة في الإنترنت، من هنا يسعهم أن يسافروا ضمن العالم الافتراضي حيثما شاءوا وأن يعيشوا أحلامهم التي تشبه إلى حدٍّ بعيدٍ أحلام الشبان والشابات الآخرين في العالم.
"كان الشبان والشابات يهتمون سابقًا بالقضية الفلسطينية أكثر من اهتمامهم بأنفسهم. لكن هذا الوضع قد تغيَّر جذريًا، وهم اليوم لا يعتقدون بأن هناك أية حاجةٍ لهم هنا وبالتالي يريدون الهجرة إلى الخارج ليعشيوا حياتهم" كما قالت مارينا برهم في المحادثة التي جرت بعد العرض في الإسكندرية. أُعِدّتْ المسرحية بناءً على استقصاءات خاصة، حيث استشعر المسرحيون الفلسطينيون نبض الشباب من خلال استمارات ملأها هؤلاء وكذلك عبر مقابلات حوارية معهم. وأضافت مارينا برهم قائلةً أن "الشبان والشابات تعبوا من الحياة اليومية والظروف السياسية غير المستقرة، لذا يحاول هؤلاء الهرب من هذا الواقع من خلال اتصالهم بشباب وشابات من خارج عالمهم المحاصر".
شكَّلت مسرحية "عندي حلم" أحد المفاصل اللامعة في الملتقى الإبداعي السابع للفرق المسرحية المستقلة الذي انعقد في الإسكندرية المدينة المصرية الساحلية. وكانت غاية مدير المهرجان المخرج محمود أبو دوما أن يوفر منتدىً يهدف إلى اللقاء بين الأوساط المسرحية الأوروبية ونظيراتها في الدول المحاذية للبحر الأبيض المتوسط من خلال الفعاليات التي استمرت لعشرة أيام، حيث جرى دعوة ثلاثمائة شخص ليستعرضوا أعمالهم أو للمشاركة في ورش العمل وندوات النقاش.
الدعم والتمويل
هذا وتقوم مكتبة الإسكندرية بتقديم الدعم للملتقى الذي يُعقد سنويًا منذ عام 2002 بالقرب من الموقع الذي كانت تقوم عليه أكبر دار للكتب في العصر القديم والتي كانت النيران قد أكلتها آنذاك، وقد شُيدت مكتبة الإسكندرية ذات الطراز الحديث بشكلٍ لافت، وهي لا تُستخدم للعلوم والبحوث وحسب، بل أنها رفعت شعار السعي للتبادل الثقافي بين حضارات العالم شعارًا واضحًا، وأعادت إحياء روح الانفتاح والحوار الذي اتسمت به المكتبة القديمة وأكسبها شهرتها آنذاك. كما يبدو المكان وكأنه أُعد خصيصًا للملتقى الإبداعي للفرق المسرحية المستقلة، حيث لم توفِّر المكتبة عدة صالات للعرض في مركز المؤتمرات وحسب، بل وقدمت نحو عشرين بالمائة من مجمل ميزانية الملتقى الذي بلغ مليونين وأربعمائة ألف جنيه في العام المنصرم، أي نحو ثلاثمائة وعشرين ألف يورو.
أما تمويل المهرجان الذي يستمر لعشرة أيام فتقدمه بشكل أساسي مؤسسات أوروبية من السويد والدانمرك واليونان وأسبانيا وهولندا وفرنسا ومعهد غوتة الألماني ومؤسسة برو هلفيتا السويسرية. ويؤكد محمود أبو دوما على أن طابع الملتقى يخلو من النجوم والمنافسة تمامًا، بينما يعطي الملتقى دفعًا جديدًا من خلال المحادثات وورش العمل. وفي هذا السياق مثلاً عُقدت ندوة حوارية بين الأجيال المختلفة في عالم المسرح واستمرت لمدة خمس ساعات على الكورنيش في المؤسسة السويسرية، شاركت فيها المخرجة اللبنانية لينا أبيض التي سبق لها أن عملت سويةً مع عددٍ من الأسماء اللامعة مثل المناضلة المصرية في سبيل حقوق المرأة نوال السعداوي، وقد عبّرت أبيض خلالها عن أنها كانت متوترة جدًا عندما أعدّتْ أول مسرحية لإحدى طالباتها قائلةً: "كنت خائفةً إلى حدٍّ كبيرٍ جدًا من أن أخذل توقعات طالبتي التي تتلمذت علي وتكِن لي مشاعر الاحترام".
فعاليات ونشاطات متميزة
الطالبة عبير همدار التي اشتغلت على مسرحية "بمبة سيليكون" التي لاقت الإعجاب في ملتقى المسرحيين في الإسكندرية. وتتناول المسرحية ذُعر امرأةٍ على ثدييها المحشوين بالسيليكون على خلفية القصف الإسرائيلي للبنان في صيف عام 2006 وذلك عبر مكالمة هاتفية تجري بين امرأتين، حيث تظن حاملة الأثداء السيليكونية أن السيليكون قد انفجر على وقع زخّات الصواريخ التي لا تتوقف وانتشر مسممًا جسدها. المسرحية التي قُدمت بشكلٍ حيوي تعالج القرب العبثي بين يوميات الحرب المعاش والولع الأحمق السطحي بالجمال.
إلى جانب العروض المسرحية وجولات النقاش والحوار وورش العمل كان برنامج النشر لكاتبات الدراما العربيات واعدًا، حيث تمت ترجمة سبعة نصوص مسرحية لكاتبات من مصر وسوريا وتونس والمغرب والمناطق الفلسطينية إلى اللغة الإنجليزية وقُدمت ككتب باللغتين في الملتقى. وجاءت كل الكاتبات باستثناء واحدة إلى الإسكندرية ووقَّعن كتبهن، بيد أن فرصة عقد ندوة نقاش عن حضور المرأة في المسرح العربي لم تُستغل.
إن تبديد أجواء عدم الثقة بين الشرق والغرب من أهداف الملتقى، كما يشرح المدير الفني. ولكن للأسف يبدو أن دعوة مسرحيين من إسرائيل من التبوهات. وفي هذا الصدد يقول محمود أبو دوما: "لو فعلت كان الملتقى سيتحول إلى قضية سياسية، الأمر الذي لم أرغب به". وهنا لا بدَّ من القول بأنه رغم السلام الرسمي بين البلدين الجارين، إلا أن حجم انعدام الثقة بإسرائيل كبيرٌ في مصر، حتى في الأوساط الثقافية.
سوزانا شاندا
ترجمة: يوسف حجازي
حقوق النشر: قنطرة 2010
قنطرة
المشهد الموسيقي في مصر:
موسيقى "الهيفي ميتال" في بلاد الفراعنة
على الرغم من التشهير الذي كان يطال أعضاء فرق موسيقى الهيفي ميتال في بداية التسعينيات ووصفهم بصفة "الشيطانيين" واضطهادهم من قبل المتديِّنين المتزمِّتين، إلاَّ أنَّه صار حاليًا بإمكان هذه الفرق الظهور بشكل علني في مصر ومن دون التعرّض لمضايقات. أريان فاريبورز يلقي الضوء على مشهد موسيقى الهيفي ميتال في مصر.
المركز المصري للثقافة والفن:
ثورة من الموسيقى وذاكرة الموسيقى الفرعونية
منذ عدة سنوات بدأت بعض المراكز الثقافية المستقلة في الظهور على المشهد الثقافي في مصر، ومن بينها المركز المصري للثقافة والفن، الذي يعمل على توثيق الإرث الموسيقي المصري مع وعيه التام بالتحديات التي تطرحها الحداثة. سيباستيان بلوتنر زار المركز ويعرفنا به.
فرقة "وسط البلد" القاهرية:
حوار موسيقي بين ثقافات مختلفة
فرق موسيقية شبابية كثيرة ظهرت في القاهرة في الأعوام الأخيرة تربط بين الأساليب المختلفة. وعلى الرغم من أن هذه الفرق لم تحتل سوق الموسيقى العربية بعد إلا أن جمهور الشباب مولع بها. شريف عبد الصمد يقدم واحدة من أشهر هذه الفرق وهي فرقة وسط البلد.