الثورات العربية مصدر إلهام أم خوف للإسرائليين؟
"كنت سعيد جداً عندما بدأت الثورات في تونس ومن ثم مصر"، يقول الكاتب والشاعر الإسرائيلي يتسحاق لاؤور. ويضيف الكاتب الإسرائيلي في حوار مع دويتشه فيله "تعلمت في حياتي أن لا أطور توقعاتي. خمنت، ولم أخطئ، بأن الغرب لن يسمح للثورات بالامتداد إلى ما بعد المصالح الاقتصادية التابعة له، وهذا ما حصل للأسف". ويرى لاؤور أن "الثورة في البحرين تم خنقها وفي ليبيا تحولت إلى كارثة". وفيما يتعلق بتأثير الثورات العربية على دولة إسرائيل وسياسيتها يرى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حاول الحصول على الحدّ الأقصى من الأرباح مما يسميه الغرب "عدم التوزان في المنطقة". ويعرب لاؤور عن اعتقاده بأن الثورات، خاصة في مصر، تشكّل رادعاً لإسرائيل وأن مصر الجديدة سوف تغير كلّ طابع الصراع الإسرائيلي- العربي".
البروفيسرو يوسي يونا، وهو محاضر للفلسفة والتربية في قسم التربية التابع لجامعة "بن غوريون" في النقب يعتبر أن بداية الثورات أعطته شعوراً بأن هنالك أمراً مهماً، درامياً وإيجابياً يحصل. هو يرى في هذه الثورات إمكانية لتغيير إيجابي، للديمقراطية والعدل الاقتصادي. ويعتبر أن الجمهور الواسع الذي خرج إلى الشوارع في تونس والقاهرة عرف تمييز المشاكل، منها: فساد السلطة، اختلاس الأموال العامة، عدم المساواة الاقتصادية وغياب الديمقراطية الحقيقية. ويشدد يونا على "أنّ الجمهور دعا لإسقاط النظام، هو تظاهر ضد السلطة الموروثة من الأب للابن".
"انتشار الديمقراطية في العالم العربي مفيد لإسرائيل"
يقول يونا إنه تابع التحركات بإعجاب، كما يتابع الأحداث في سوريا، وهو متعاطف، خلافاً مع العديد في إسرائيل، مع الشعب المصري والتونسي، مع الشعب اليمني والسوري أيضا. ويضيف لدويتشه فيله "لم يزعجني أو لم أفكر كثيراً بالسؤال كيف ستفيدنا الثورة؛ كنت سعيداً من احتمال أن الثورة ستحسّن أوضاع الشعوب العربية من حولنا. ومن منظور آخر، أؤمن بأن في حال مارست الشعوب العربية الديمقراطية أكثر، والمساواة الاقتصادية أكثر، هذا الأمر سوف يكون جيدا لنا أيضاً".
وفي حزيران/ يونيو الماضي زار يوسي يونا مصر. وصل إلى ميدان التحرير وتحدث إلى العديد من المصريين في الميدان ولاحظ أن بعضهم محبطون "لقد سقط مبارك، ولكن ماذا سنكسب من ذلك"؟ هذا ما قالوه. وهناك من رأى أن الفقر يزداد سوءاً والجيش يسيطر على الحكم بينما قال آخرون "إن الصراع لا يزال جارياً والثورات تحتاج إلى وقت، هذا ما أؤمن به أنا أيضاً"، يقول يونا. ويعتبر أن من الصحيح أيضاً وجود إمكانية أن يكون التغيير ضئيلاً للغاية، ولكنه يرى بأن لا يمكن إعادة الوضع لما كان عليه. ويضيف "سلطة العسكر أو سلطة النخب السياسية التي لن تخضع لمتطلبات الناس سوف تأتي بانتفاضة جديدة". ولهذا يبدو يونا متفائلاً وهو يؤمن بأن ثورات الربيع العربي سوف تترحم بنهاية المطاف إلى تغييرات إيجابية.
الثورات العربية تلهم إسرائيل
أما بشأن تأثير الثورات العربية على سياسة دولة إسرائيل، يرى يونا أن للربيع العربي تأثيرا مثيرا على إسرائيل. ويقول: "أخيراً، أصبح فيما بيننا من هو مستعد للاعتراف، وأقول هذا بسخرية، بأننا نحصل على إلهام من العالم العربي. لا يوجد لدي أدنى شك أن الاحتجاجات الاجتماعية في إسرائيل تأثرت بما يحدث عند جيراننا". ومن جهة ثانية يرى يونا أنه يوجد من المتشائمين الذين يفضلون التعاون مع الديكتاتورين الفاسدين، الذين يقبلون بالوضع الراهن على أن تقام ديمقراطية في العالم العربي لأنهم "يخافون أن تزيد هذه الديمقراطيات حالة العداء لإسرائيل". ويضيف الأكاديمي الإسرائيلي أنه لا يستبعد حصول هذا، ولكنه يرى أن المسؤولية تقع على إسرائيل أيضا، إذ أن عليها "استغلال ربيع الشعوب وإظهار كيف يمكن بمقدورها أن تشارك في تأسيس إطار جيوـ سياسي جديد يعمل من أجل مصالح كافة الشعوب في الشرق الأوسط". هذا يعني "إطلاق مبادرة سلام على أساس دولتين لشعبين"، يقول يوسي يونا.
"
تابعنا أنا وعائلتي ما جرى في تونس منذ بداية الثورة وعندما وصل الربيع إلى القاهرة زادت نسبة تأثرنا"، تقول عنات مطر، المحاضرة في موضوع الفلسفة في جامعة تل أبيب. وتضيف مطر لدويتشه فيله "كلنا زرنا القاهرة ونحبّها، وابني البكر قضى أشهرا فيها لدراسة اللغة العربية قبل سنوات، ولهذه الأسباب، وبعيداً عن التقارب ما بين إسرائيل ومصر، شعرنا بأننا مرتبطون أكثر بمصر عن تونس. لكن في كلا الحالتين، كان التفاؤل كبيرا". و ترى مطر بأن الشعور كان أن الجمهور يطالب بالخروج من وضعيته المستسلمة إلى وضعية السيطرة في دولته، صانعاً هذا بشكل صادق مفتوح ومتساوٍ. وبالمقابل، تابعت هي وعائلتها التحليلات في القنوات الإسرائيلية وشاهدت "آلة التخويف".
"إسرائيل خائفة من الربيع الثوري العربي"
وبما يتعلق بتخوف إسرائيل من الثورات العربية ترى مطر أن إسرائيل "لم تندمج ولا ترغب أن تندمج مع العالم العربي". وترى مطر أنه يسهل للقيادة الإسرائيلية أن "تظهر على أنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، كما أن المفاوضات مع الطغاة يناسبها أكثر من مد اليد الحقيقية لشعوب المنطقة". وتضيف أستاذة الفلسفة أن" المصالح الضيقة هي التي تتحدث في مثل هذه المفاوضات، وأن العمل على علاقات مع شعوب المنطقة كان يلزم التغلب على عدم التعاطف عملياً مع إسرائيل، لكنها (إسرائيل) لم تكن جاهزة ومازالت غير جاهزة لذلك يضا".
وتمضي مطر إلى أبعد من ذلك إذ تقول: "إن من الواضح أن السياسيين الإسرائيليين، بأغلبيتهم، خائفون من الربيع العربي". وبدا هذا جليا، برأيها، فيما قدمه هؤلاء الساسة والمحللون السياسيون الملمون بالقضايا العربية إذ "أبحروا منذ اليوم الأول في الإنذارات والمخاوف من سيطرة الإسلام المتطرف على الثورات". وحسب تقديرها، ليس هذا اتجاه الثورات، ونتائج الانتخابات في تونس "لن تدحض تصورها هذا، بالرغم من انتصار حركة النهضة".
رشا حلوة ـ عكا
مراجعة: أحمد حسو
حقوق النشر: دويتشه فيله 2011