موسيقى عربيّة من بازل السويسرية

بات جبار، السويسري الأصل، الذي شارك بتأسيس فرقة عائشة قنديشة الشهيرة يقوم بانتاج موسيقى وأغاني تمتاز بمزيج شرقي-غربي وبأنماط موسيقية مختلفة. بقلم شتيفان فرانسن

عمارة متوارية داخل زقاق جانبي هادئ في مركز مدينة بازل، وباب قبو ثقيل ينفرج ببطء ليعرض على العين علما مغربيا وبعض أرائك من الجلد وقاعة تسجيلات متواضعة وكم فوضوي هائل من أجهزة الكمبيوتر.

تلك هي المحضنة الإبداعية لباتْ جبّار؛ رجل بهيأة ظريفة مستحبة وعينين يقظتين من تحت طربوشه الشتائي سرعان ما يبحر بالصحافيين في وقائع مسار حياته الماضية:

"لقد ترعرعت بطريقة عادية جدا هنا في مدينة بازل، وكانت لنا في المدينة، ونحن أطفال فرق موسيقية من نوع الـ Trash-Bands التي تجمع موسيقيين أغلبهم قادمون من أوساط البانك. وفي سنة 1984 استطعت لأول مرة وأنا في إسرائيل أن أنتبه حقا للموسيقى العربية. وقد استولى علي ذلك الاكتشاف كليا وكان عليّ بعدها أن أواصل البحث في هذا المجال."

"بعدها بسنة سافرت إلى المغرب، وهناك تعرفت بمحض صدفة على موسيقيين على الشاطئ. رحنا نجرب نوبات إيقاعية، ثم انضم إلينا عازفون آخرون إلى أن أفضى ذلك إلى ظهور ذلك التسجيل ذي اللون المتمازج الصارخ المسمى عائشة قنديشة."

اهتمام من نيويورك

​​كانت تلك الفرقة الشهيرة تمازج بين العناصر الموسيقية العربية و"الداب" (Dub) وإيقاعات الجذب النشواني(Trance) بالـ"House"، وذلك قبل أن تظهر إلى الوجود ناتاشا أطلس، أو Fun-Da-Mental بمدة طويلة. ومن أجل توزيع تلك الاسطوانة تم تأسيس شركة إنتاج براكة الفرْناتشي. وقد لقي ذلك التسجيل نجاحا باهرا بحيث كانت ترسل منه 100 إسطوانة أسبوعيا إلى نيويورك. وهناك جلبت هذه الماركة الموسيقية العربية السويسرية انتباه شخص يدعى بيل لاسويل (Bill Laswell) الذي أعجب بفكرة التعاون مع جبّار.

وإلى اليوم ما زالت الألحان الـDub Papst تدوّي في إسطوانات منتج بازل. "أخذت كل التسجيلات إلى نيويورك وذهبت لزيارته في الأستوديو"، يقول جبار متذكرا ذلك اللقاء الأوّل. "قذف بها هكذا بكل بساطة داخل الآلة وبحث عن النغمة الأساسية، ومع إعادة الاستماع الثانية كان قد سجّلها، وفي الثالثة كانت عملية مزج الأصوات قد تمت. مدهشة جدا هذه الطريقة السريعة التي يعمل بها! وبأية سرعة يستطيع التأقلم مع ناصر ثقافة غريبة!"

بعدها بقليل ترك جبار دراسته الجامعية ليتفرغ كليا إلى موسيقاه. ولم يكن لمجموعة عائشة قنديشة سوى دور المنطلق والجذع الأول الذي ستنشأ عنه من بعد سلسلة من التفريعات. كان العمل يتم بحسب الطريقة التركيبية للعبة "البازل" (Puzzle):

موسيقى وفنانون عالميون

يحدد جبار الأسس والإيقاعات الأساسية في مدينة بازل ثم يسافر من بعدها إلى مراكش، وبين الحين والآخر إلى الدار البيضاء، حيث يواصل عمله مع أصدقائه من الموسيقيين المحليين. وفي الأثناء أصبح رصيد براكة الفرناتشي يتكون من 16 اسطوانة يتم فيها توليف ألحان متنوعة من الراي المغربي والصنف المسمى بالشعبي، وأنغام غناويّة وأمازيغية داخل إطار موسيقي إلكتروني جامع.

وقد تعامل معه أيضا حميد البارودي مغنّي فرقة Dessidents سابقا، كما كان للمغنية المغربية الفرنسية صافو وحتى نينا هاغن الألمانية أن سجلتا حضورهما كضيفتي شرف على إحدى اسطواناته.

غير أن جبار لا يحبذ أن يجعل من ذلك كله مفخرة يرددها على مسامع الجميع وفي كل مكان: "سويسرا هي المكان الأمثل للاستقرار. هنا أنعم بالهدوء، وأنا لست في حاجة إلى مستوى بعينه من الشهرة. ومن موقعي هنا أستطيع التركيز على المجال الألماني الذي يعد أساسيا بالنسبة لترويج إنتاجاتي."

تعاون سويسري-جزائري

​لكن التمركز أكثر في بازل ما فتئ يتطور في الآونة الأخيرة. وقد أصدرت براكة اسطوانة لفرقة HipHop-Crew Makale التركية ببازل، بينما الألبوم الحالي الذي يحمل عنوان Maghrebika يحيل بصفة معبرة بوضوح على موطنه الأصلي، وقد اشترك في هذا العمل كل من عبد العزيز لعماري وعبد القادر بلقاسم وهما جزائريان من المنفى.

"لقد قدما قبل حوالي عشرة سنوات إلى بازل، ويغنيان هنا أغاني تعبر عن واقع تجاربهما الحياتية. ومن بين ما يسعيان إلى إيصاله أنهما يحاولان إقناع شباب بلادهما بضرورة التخلي عما تزيّنه لهما الأوهام من أن الأرض هنا مفروشة بالذهب، وأن كل مشاكلهم يمكن أن تجد لها حلولا هنا."

وإلى جانب هذين الجزائريّين الناشئين تضفي أصوات السيدات الناضجات من مجموعة بنات مراكش تلوينة صوتية خشنة على مجمل التركيبة النغمية. "نفتخر" هو العنوان الذي يحمله هذا الألبوم إحالة على مشاعر النخوة والاعتزاز؛ مشاعر يحتاج الشباب العربي إلى كم غير قليل منها، يعلّق جبار الذي يؤمن بإسلام سلميّ:

"لا ينبغي على الأولاد أن يدعوا أنفسهم ينساقون إلى تبني نمط غربي وإلى إغراءات كل تلك المنوعات التلفزيونية الرخيصة وتلك القيم التي نغذّيها هنا في الغرب. بل ينبغي عليهم أن يركزوا على ثقافتهم الخاصة كي لا يفرطوا في هويتهم، تلك الهوية الثقافية التي يمكننا نحن أن نتعلم منها الكثير، وليس العكس."

"في اسطوانتنا الأخيرة لدينا نصوص ذات طابع تربوي توعوي تستأصل الأفكار المسبقة وتخبر عما يعنيه الإسلام في الحقيقة، وترشد إلى عدم التأثر بكل ما تنقله وسائل الإعلام التي تحاول على الدوام أن تقدم الإسلام في صورة سلبية."

خلال السنة القادمة ستكون برّاكة قد بلغت شوطا جديدا في مسيرتها: بعد فترة انقطاع طويلة يهدف مشروع جبار إلى تقديم نسخة خامسة من عائشة قنديشة وبعدها سيكون بإمكان الجمهور ان يشاهد عروضا مباشرة لمجموعة Arab-Dub-Pioniere في ألمانيا.

بقلم شتيفان فرانسن
ترجمة علي مصباح
حقوق الطبع قنطرة 2007

قنطرة

صرخة موسيقية من أجل التغيير
الموسيقيون المغاربة الشباب بعيدون الأدلجة السياسية وليس لديهم أية مشكلة في مزج الموسيقة الغربية الحديثة كالهارد روك والهيب الهوب مع كل أشكال الموسيقة المحلية الشعبية.

عوالم الموسيقى
الموسيقى بوتقة يمتزج فيها الشرق والغرب والشمال والجنوب والحاضر والماضي. في الملف التالي نتناول تأثير السياسة والعولمة على الإبداع الموسيقي كما نقدم تجارب موسيقية من بلاد عربية وإفريقية وأوربية