ثورة ثقافية سعودية صامتة

معرض للفنون في جدة بعنوان "تباين" - السعودية.
معرض للفنون في جدة بعنوان "تباين" - السعودية.

في ظل رؤية 2030 السعودية يجري تحديث المملكة بسرعة هائلة. فالحكومة تشجع بشدة جميع الفنون وأشكال التبادل الثقافي مع الغرب رغم أن للحريات الجديدة حدودها. استعلام جوزيف كرواتورو لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Joseph Croitoru

يقدم حاليا برنامجَ "صباح السعودية" -الذي تبثه القناة السعودية الأولى- رجلٌ وامرأةٌ في منتصف الثلاثينيات من العمر، وهما كلاهما يرتديان ملابس تقليدية. ومع ذلك، فإن الحجاب يغطي جزءًا فقط من شعر ورقبة المذيعة. مثل هذا المشهد كان أمرا لا يمكن تصوره قبل بضع سنوات في بلد هو مهد الإسلام. وكذلك موضوع التقرير الأول في البرنامج والذي حمل اسم - معرض للفنون في جدة.

ويحمل المعرض عنوان "تباين"، ويعرض 40 لوحة فنية لـ 36 فنانًا وفنانة من الشباب السعوديين. وتعرض الأعمال مواضيع متنوعة وأساليب فنية معظهما من أصل غربي، وتظهر اللوحات الطبيعة الصامتة والمناظر الطبيعية والبورتريهات والخط العربي الحديث. ويبدو أنها لوحات لفنانين هواة، حيث يتم هنا تشجيع المواهب الشابة.

منظمو المعرض هم الفرع المحلي -واحد من إجمالي 16 فرعا- لـ "جمعية الثقافة والفنون" السعودية، ومؤسسة قبيس غير الربحية في مكة المكرمة، التي تنشط أيضًا متجاوزةً الحدود الإقليمية. ويشارك في تمويل المعرض مشروع "هواية" الداعم، وهو جزء من برنامج التحول الوطني التنموي "رؤية السعودية 2030". وتعتبر مؤسسة قبيس غير الربحية نفسها منظمة داعمة للفنانين والفنانات، والتي تسمح لهم بتبادل الخبرات من خلال المعارض الفنية والمؤتمرات. وبجانب مستلزمات الرسم والتلوين، يتم عرض لوحات الأعضاء للبيع في متجر خاص على الإنترنت.

العِداء السابق للفن أضحى من الماضي

تقام المعارض الفنية الآن بانتظام في جميع أنحاء البلاد. ومن الواضح أن الهدف من ذلك وفقا لإرادة الحكومة هو أن يجعل الإبداع الناس ينسون العِداء السابق للفن من قبل الوهابيين السعوديين. لذلك، تشيد المذيعة التلفزيونية بالفنانين العارضين لأعمالهم قائلة: "إنهم فنانون من جيل الشباب الطموح والمبدع الذي قدم بالفعل الكثير من الأعمال الفنية المعاصرة".

أجرت المراسلة في الموقع مقابلة مع علوية العيدروس. وهي فنانة في بداية العشرينيات من عمرها، وجهها مغطى بكمامة واقية داكنة اللون، وتتلألأ زهور فضية على أكمام عباءتها السوداء. لوحتها تصور ملامح امرأة ذات شعر منسدل، تحوم حولها حمائم بيضاء وتحيط بها سحب بلون أزرق فاتح. وعلى حد تعبير الفنانة الناشئة، فإن الحمامة بالنسبة لها رمز أيضًا للسلام الداخلي. وفي نهاية المقابلة، تشكر الفنانة الأم المتواجدة معها على دعمها وهذا "من أعماق قلبها".

 

الفنانة علوية العيدروس، شابة في بداية العشرينات، وجهها مغطى بكمامة داكنة اللون - السعودية. Artist Alawiya al-Abd Darus at "Tabayun" art exhibition in Jeddah, Saudi Arabia (screenshot: Saudi Arabia state television)
الفنانة علوية العيدروس، شابة في بداية العشرينات، وجهها مغطى بكمامة داكنة اللون. تتلألأ نقوش الأزهار الفضية على أكمام عباءتها السوداء. تُظهِر لوحتها صورة امرأة ذات شعر منسدل، ترفرف حولها حمائم بيضاء وتحيط بها سحب بلون أزرق فاتح. وعلى حد تعبير الفنانة الناشئة، فإن الحمامة بالنسبة لها رمز أيضًا للسلام الداخلي. وفي نهاية المقابلة الخاصة ببرنامج "صباح السعودية" في التلفزيون السعودي الرسمي، تشكر الفنانة الأم الحاضرة معها على دعمها وهذا من "من أعماق قلبها".

 

يتم هنا بشكل صريح إظهار الاحترام للأم -التي مازالت ترتدي الحجاب بالكامل- ولكن في الوقت نفسه يتم عرض الحداثة. وبالطبع، يتم تكريم الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود في حفل افتتاح المعرض بلوحة كبيرة عليها صورة مماثلة له - فهو والأمير محمد بن سلمان يسعيان من خلال برنامج التحول الوطني التنموي "رؤية السعودية 2030" إلى تحقيق تحديث سريع للمملكة، بمساعدة الثقافة أيضا.

عدد المبدعين آخذ في الازدياد

وهكذا، في نهاية عام 2018، تم إنشاء وزارة ثقافة مستقلة في المملكة العربية السعودية لأول مرة، والتي تعزز بقوة الأنشطة الفنية، بصفة خاصة من قبل النساء، في أحد عشر مجالاً: تمتد من الأدب ليشمل أيضا المسرح والفنون المسرحية وحتى السينما والموسيقى والفن، والتي من المفترض أيضا إنشاء سوق لكل منها في أقرب وقت ممكن. وتم إنشاء ما يقرب من 500 سينما تقريبًا في غضون سنوات قليلة تقريبًا من العدم، والتي يرتادها، شأنها شأن المعارض الفنية والحفلات الموسيقية، جمهور مختلط من الجنسين.

صحيح أن الانفتاح على الثقافة الغربية أصبح الشعار المرفوع الآن. ولكن مع ذلك، ما تزال الموضوعات المستمدة من التقاليد المحلية والوطنية، بدءا من الخط العربي ووصولا إلى التراث الشعبي، تلعب دورا مهما بنفس القدر في الفن السعودي المعاصر. ومن ناحية أخرى، لا يبدو أن الموضوعات الدينية البحتة مطلوبة بشكل خاص. وبالنسبة لجميع الفنانين المدعومين ثقافيا فمفروض عليهم أن يبقوا بعيدين عن السياسة، حيث لا يتم التسامح حتى مع أدنى نقد للأسرة الحاكمة.

واتساقا مع هذا، جاء كلام الشاعر السعودي الشهير ومؤلف الكتب المسرحية والكتب المتخصصة صالح الشادي، البالغ من العمر 56 عاما، الذي افتتح العرض ولخصه لبوابة الأخبار المحلية "جدة اليوم": "المعرض الحالي يواصل مشاريع المعارض السابقة لفنانين شباب مختارين. المبدعون يحققون تقدما وعددهم آخذ في الازدياد. وجميع الأعمال المعروضة لها أساسها الفلسفي وتنبثق من فهم واضح للفن". ويرى الشاعر بالفعل "جيلا مبدعا بحق يزدهر لتحقيق مهمة خاصة ألا وهي: تقديم الفن السعودي للعالم بشكل شامل".

قد يبدو -للمراقبين الغربيين- المزجُ بين الانفتاح على العالم والمحافظة الواضحة في الفن السعودي المعاصر الذي ترعاه الدولة بكل ترحاب أمرًا غريبًا.

وقد عارض المستشرق الأمريكي شون فولي هذا الرأي في وقت مبكر من عام 2019 في كتابه "السعودية المتغيرة: الفن والثقافة والمجتمع في المملكة" – وهي الدراسة البحثية الأكثر شمولاً حتى الآن حول التغير الثقافي في البلاد. وفقًا لفولي، فإن افتراض أن الفن المتأثر بالثقافة الغربية هو دائمًا نتاج للقوى المعارضة -التي تنتقد الأنظمة السلطوية المتأثرة بالإسلام في الشرق الأوسط- غير صحيح في حالة السعودية.

 

معرض للفنون في جدة بعنوان "تباين" - السعودية. Tabayun" art exhibition in Jeddah, Saudi Arabia (screenshot: Saudi Arabia state television)
معرض للفنون في جدة بعنوان "تباين": يقدم المعرض 40 لوحة فنية لـ 36 فناناً محليا شاباً، وتعرض الأعمال الفنية مواضيع متنوعة وأساليب فنية معظهما من أصل غربي، وتظهر اللوحات الطبيعة الصامتة والمناظر الطبيعية والبورتريهات والخط العربي الحديث. ويبدو أنها لوحات لفنانين هواة، حيث يتم هنا تشجيع المواهب الشابة.

 

لأنه، وفقًا لفولي، فإن الفنانين السعوديين يرفضون الفكرة الأساسية في الحداثة الغربية التي تقول إن البشرية في مسار تطورها تتخلى بالضرورة عن الفكر القبلي لصالح الفردية: "إنهم فنانون، ولكنهم ليسوا أفرادًا بالمعنى الغربي". وهذا النهج تحديدا، سيسمح لهم بأن يبقوا منفتحين على قوى مختلفة و ربما حتى متناقضة.

على الرغم من أن البحث الميداني الذي أجراه فولي في المملكة العربية السعودية قد مضى عليه تقريبًا عقدٌ من الزمان، إلا أنه سيكون من الصعب أن تُعارَض وجهات نظره عند النظر إلى الساحة الفنية السعودية الحالية. وربما يكون هذا من بين الأسباب التي جعلت كتابه يترجَم مؤخرا إلى اللغة العربية ويصدر عن دار "أدب" للنشر والتوزيع السعودية، وهي مؤسسة مقرها في الرياض.

المؤسسة التي تتلقى دعمًا، من جهات، من بينها صندوق التنمية الثقافية السعودي الحكومي (Cultural Development Fund)، والذي يعد جزءا من البرامج الداعمة في مشروع "رؤية المملكة العربية السعودية 2030"، تسعى بشدة لتعزيز الحوار مع الثقافة الغربية. فبالإضافة إلى كتاب فولي، يمكنك أيضًا أن تعثر ضمن الإصدارات الأولى لدار النشر على موسوعات حول الأدب العالمي والفلسفة – وعلى غلاف أحد هذه الكتب الفلسفية تظهر صورة الفيلسوف اليهودي النمساوي البريطاني كارل بوبر.

 

 

جوزيف كرواتورو (يوزيف كرويتورو)

ترجمة: ميمون نصر الدين

حقوق النشر: موقع قنطرة 2023

ar.Qantara.de