"واجهت بلا مواربة جميع أشكال التمييز القمعية"

Black and white portrait photo of a woman with white hair.
فقدت الكاتبة والناشطة والطبيبة نوال السعداوي (1931-2021) وظيفتها في وزارة الصحة المصرية بعد نشر كتابها المثير للجدل "المرأة والجنس" (1971). (Photo: picture alliance / SZ Photo | B. Friedrich)

تُرجم نصٌ نسويٌ رائد للكاتبة نوال السعداوي إلى الإنجليزية والألمانية لأول مرة، بعد أكثر من خمسة عقود من صدوره باللغة العربية. تشرح الناشرة والمترجمة صوفي هايسن لـ"قنطرة" لماذا يجب أن يكون هذا الكتاب قراءةً أساسيةً عالميًا.

حوار: أماني الصيفي

قنطرة: ما الذي دفعك إلى ترجمة كتاب "المرأة والجنس" إلى اللغة الألمانية بعد عقود من صدوره لأول مرة؟

د. صوفي هايسن: إنه عملٌ هام، خالد وجريء. تعرّفتُ على نوال السعداوي  كتابةً وصوتًا في مراهقتي، لكن عبر مقالات تكتُب عنها، وليس عبر مؤلّفاتها نفسها، لذلك، يُعتبر نشر هذا الكتاب باللغة الألمانية فرصةً ثمينة للقارئ الألماني ليكتشف أفكارها من منبعها الأصلي.

Portrait photograph of a woman.
ناشرة

صوفي هايسن أكاديمية وناشرة متعددة التخصصات، متخصصة في اللغات الرومانسية، ودراسات الشرق الأوسط، والتاريخ، والطب. أسست دار نشر "جميلة" في بازل بهدف إتاحة نصوص أدبية وتاريخية مهمة، مثل الترجمات من العربية والفرنسية واللاتينية، لجمهور أوسع.

لقد تناولت السعداوي مواضيع كانت غريبة ومُغيّبة في زمانها، كختان الإناث، وهو موضوع بدأت ألمانيا النقاش حوله منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي، وفي رأيي أن التقدير الذي حظيت به نوال لم يأتِ مُبكرًا؛ فهي استحقت كل إشادة لأنها لم تتردّد في كشف قضايا قد تزعج البعض، لكنها قائمةٌ ولا مفرّ من مواجهتها.

لأكون صريحة، لطالما ظننت أن كتاب "المرأة والجنس" قد نُقل إلى الألمانية من قبل، نظرًا إلى قدم تاريخ نشره الأصلي، لكنني فوجئت عندما اكتشفت أنه لم يُترجم إليها قط، كما لا توجد ترجمة إنجليزية له أيضًا، بل اقتصر الأمر على ترجمة فرنسية وحيدة؛ مشكوك في مستواها، فقررت أن أعالج هذا النقص، وقد استغرق مني التأكد من صاحب حقوق النشر الفعلية بعض الوقت.

خضع عمل نوال السعداوي للرقابة في مصر عند صدوره، كيف أثّر هذا التاريخ من الرقابة في الطريقة التي تقدمين فيها الكتاب لجمهور جديد؟

حرصنا على ألاّ نثقل كاهل الكتاب بالشروح المفرطة، إذ أن تقديم السياق والمعلومات الإضافية كان دومًا قرارًا مُتعمّدًا. لقد آثرنا أن ندع النصّ يتحدّث عن ذاته، فهذا العمل ليس طبعة أكاديمية تقدم كلّ الخلفيات التفصيلية، إذ يمكن العثور على تلك المعلومات في مراجع أخرى، أما النصّ نفسه فهو خالد في دلالته، لأنه يُعالج أشكالاً من التمييز لم تقتصر على مصر سبعينيات القرن الماضي، بل لا تزال قائمةً في سياقات عديدة اليوم. 

قد أضفنا بعض المعلومات الأساسية عن الباحثين الذين استشهدت بهم الكاتبة، واكتفينا بذلك لأن القارئ المهتمّ سيبحث، بلا ريب، ليس فقط عن الرقابة في مصر، بل وحول رحلاتها إلى دول لم يعد لها وجود اليوم، مثل ألمانيا الشرقية والاتحاد السوفييتي.

Cover of the book "Women & Sex" by Nawal El Saadawi
"المرأة والجنس" لنوال السعداوي. ترجمتها إلى الإنجليزية دعاء الألفي، وإلى الألمانية صوفي هايسن. (Gamila Basel)

هل تعتقدين أن هذا الكتاب سيتحدى أو سيوسّع فهم القرّاء الألمان لمفهوم النسوية خارج الأطر الغربية؟

أجل، هذا هو رجائي الصادق، فمن حيث المبدأ، ألمح نزعةً سائدة في الخطابين السياسي والإعلامي، تُفضّل الحديث عن "الآخرين" بدلًا من منحهم فسحة يعبّرون فيها عن ذواتهم، بل وحتى تهمّش أصواتهم حين يجرؤون على النطق، والمفارقة أن هذه النزعة تتجلّى حتى في أوساط من يعدّون أنفسهم طلائع التقدم والتنوير.

 ومن هنا، فإن إتاحة صوت نوال باللغة الألمانية قد تهدم عددًا من التصوّرات البسيطة والزائفة، كتلك الفكرة الراسخة عن تفوّق النهج الغربي وامتلاكه للحلول الأمثل دائمًا.

ولا ينبغي غضّ الطرف عن حقيقة أن نوال قد أسّست لنسويتها التقاطعية قبل أن يُتداول هذا المصطلح بأعوام، وتحديدًا منذ أواخر الثمانينيات، فهي في هذا الكتاب، على سبيل المثال، تواجه بلا مواربة جميع أشكال التمييز القائمة على النوع الاجتماعي والعرق والدين والطبقة الاقتصادية والمستوى التعليمي، مُبرزةً كيف تتداخل هذه المحاور لتشكّل نظامًا متراكمًا من القمع.

يتردد كثير من الناشرين في نشر أعمال نسوية مثيرة للجدل من الجنوب العالمي، ما الذي منحك الثقة لاتخاذ هذه الخطوة؟

أمتعني ما روته نوال في إحدى حواراتها عن جدّتها التي تحمل روحًا ثائرة... ربما انتقل بعض من تلك الروح الثائرة إليّ أنا أيضًا من جدّتي. لقد انطلقنا من قناعة بسيطة: إذا لم يبادر أحد إلى ترجمة هذا العمل من قبل، فقد آن الأوان لتحقيق ذلك، وميزةُ العمل في مؤسسة ناشئة تكمن في حريتنا التامة وعدم اضطرارنا إلى المراجعة المستمرة خشية إزعاج أيٍّ كان في هرم السلطة.

كيف تم اختيار المترجم، وما هي التحديات الرئيسية التي واجهتها في نقل نص نوال السعداوي العربي إلى اللغة الألمانية؟

اجتمعت عدة ظروف معًا في ذلك الوقت، كنت قد تواصلت مع مترجمين آخرين، لكنهم اعتذروا قائلين إنهم لا يشعرون بأنهم بمستوى هذه المهمة، ثم وبمحض الصدفة، التقيتُ بدعاء الألفي التي لم يكن لديها فقط ارتباط شخصي عميق بهذا الكتاب، كما يمكنكم القراءة في مقدمتها، بل كانت أيضًا الدليل الذي أرشدني إلى الجهة الصحيحة للحصول على الحقوق، إذ كانت على معرفة بابنة نوال، واستطعنا بذلك التواصل معها.

أظن أن أحد أكبر التحديات التي واجهتها كان التمسك الحرفي بأكبر قدر ممكن بالنص الأصلي وعدم محاولة الالتفاف حوله أو تخفيف حدّة أي من مضامينه. معرفتي باللغة العربية ضعيفة إلى حد ما، لكنها على الأقل ساعدتني في طرح الأسئلة كلما شعرت أن الترجمة قد ابتعدت عن النص الأصلي، وقد تبادلنا الكثير من الحوارات حول هذه النقطة خلال عملية الترجمة.

قدّمتِ الترجمات الجديدة في فعالية بعنوان "الاحتفاء بالنسوية العربية" في برلين بتاريخ 25 تشرين الأول/ أكتوبر، التي جمعت طيفًا من الأصوات النسوية العربية من خلال الأدب والسينما والفن؛ كيف ترين مساهمة الترجمة الألمانية لكتاب "المرأة والجنس" في هذا الحوار الأوسع؟

إن انعقاد هذا الحدث في ألمانيا وبرلين له دلالة خاصة، فقد أصبحت برلين مركزًا لتجمعات مختلفة من الجاليات، ومن بينها الجالية العربية، وغني عن القول إنها ليست مجموعة متجانسة، ولكنها مجموعة نمت بفضل أحداث عدة في التاريخ الحديث.

أمّا النقاش الذي تطرقت إليه فهو قائم في أكثر من مكان، وأرى أن ألمانيا، بل أوروبا برمّتها، تُتيح مكانًا مميزًا لإجراء هذا الحوار في بيئة آمنة نسبيًا، وعلى الصعيد الشخصي، أعتبرُ الترجمة الألمانية لكتاب نوال وسيلةً بالغة الأهمية لتعميم هذا الحوار على نطاقٍ أوسع بين الجمهور الألماني، ويمهد الطريق لتبادلٍ ثقافي أعمق بين المجتمعات.

برأيك، لو كانت نوال السعداوي على قيد الحياة اليوم، ماذا كانت ستقول عن هذه النسخة الألمانية من كتابها؟

أتمنى بالتأكيد أن تبتسم لنا، وتقول: "أحسنتم صنعًا"، وهي الكلمة ذاتها التي ردّدتها ابنتُها عليّ.

 

كتاب Nawal El Saadawi: "Women and Sex" - نوال السعداوي: "المرأة والجنس"

 ترجمه من العربية إلى الإنجليزية: دعاء الألفي، ومن الإنجليزية إلى الألمانية: صوفي هايسن. دار نشر جميلة بازل، تشرين الأول/ أكتوبر 2025، 206 صفحة.

© Qantara.de