الرُهاب من الإسلام...خوف غربي من تهديد إسلامي وهمي
يُظهِر التاريخ أنَّ ربط المشكلات الاجتماعية بتهديد -يُزعَم أنَّه يصدر عن أقلية دينية ما- يعتبر بمثابة تلفيق كثيرًا ما يتم استخدامه. وهذا التلفيق -الذي يشعله الخطاب السياسي- يُعَدّ في المقام الأوَّل ناتجًا عن الجهل والوهم، مثلما تصفه الفيلسوفة مارتا نوسباوم. ولكن مع ذلك توجد للخوف وظيفة بيولوجية، ومن دون الخوف من الممكن أن نكون جميعنا في عداد الأموات.
إنَّ مَنْ يستعد أيضًا لظهور مهاجم مفاجئ، تكون لديه ميزة خاصة للبقاء على قيد الحياة. ولذلك فإنَّ الخوف من احتمال خروج شخص ما من مكمنه هو خوف معقول. زد على ذلك أنَّ معرفة الخطر المحتمل تمنح المرء الشعور بالتفوُّق: ففي حين أنَّ جميع الآخرين لا يكشفون عن قوَّة الشر التي أخفت وجهها الحقيقي، يمكن للشخص -الذي أدرك المخاطر في وقت مبكِّر- أن يتحوَّل في نهاية المطاف إلى منقذ للمجتمع. وهذه الحقيقة تداعب الأنا -وتؤدِّي حاليًا إلى ردود فعل غير منطقية. فالخوف هو واحد من المشاعر التي تُعَدّ من المشاعر البدائية، والخوف لا يحتاج الى تفكير متطوِّر، والخوف يعمل على إقصاء الرؤى العقلانية.
تخيَّلوا أن هناك مجموعة "أ" يتم تصويرها مرارًا وتكرارًا على أنَّها عنيفة ومتخلفة وتحتقر المرأة. ولكن في الواقع لا يكاد يمكن التعرُّف على أية اختلافات واضحة بين المجموعة "أ" والمجموعة "ب". فكيف يمكن بالتالي التغلّب على التنافر الإدراكي بين الواقع وهذا التلفيق؟ ومن خلال اتِّهام المجموعة "أ" بأنَّها تعمل في الخفاء -من داخل مكمنها- يتم بالتالي التحذير من الأسلمة المتسللة إلى ألمانيا، تمامًا مثلما كان يتم التحذير في نهاية القرن التاسع عشر من الهجرة الكاثوليكية الرومانية إلى الولايات المتَّحدة الأمريكية.
خطاب الخوف اليوم هو نفسه مثلما كان في الماضي
لا يزال خطاب الخوف اليوم هو نفسه مثلما كان في الماضي: حيث كان الكاثوليك يُعتبرون بمثابة تهديد عميق يهدِّد الديمقراطية والمساواة والقيم العلمانية. وكانت المدافعات عن حقوق المرأة -اللواتي كن يكافحن من أجل حقّ المرأة في التصويت- يخشين من أنَّ الهجرة الكاثوليكية ستعيق الكفاح من أجل مساواة المرأة. وكان يتم اعتبار المرأة الكاثوليكية مقموعة، وغطاء الراهبات دليلاً على التطرُّف الديني الذي يُخضع النساء. وبالإضافة إلى ذلك كان هناك خوف من أنَّ معدَّل الولادات المرتفع لدى المرأة الكاثوليكية -التي ترفض تحديد النسل- سوف يؤدِّي بعد فترة قريبة جدًا إلى إيجاد أكثرية كاثوليكية، ستفرض تصوّراتها الدينية المُتزمِّتة.
وكان يبدو أنَّ الهجمات الإرهابية -وصعود الفاشية- في القسم الكاثوليكي من أوروبا تؤكِّد ذلك. وكان يُزعم أنَّ الكاثوليك سوف يقومون بمجرَّد وصولهم إلى السلطة بفرض قانون إلهي متشدِّد وبتحويل الولايات المتَّحدة الأمريكية إلى "جمهورية كاثوليكية". وباختصار، كان يتم اعتبار الهجرة الكاثوليكية كتهديد خطير على الليبرالية.
الحقائق تقول: إنَّ معدلات الولادة تنخفض على الصعيد العالمي مع زيادة التحضُّر وارتفاع مستويات التعليم، وهذا يؤدِّي أيضًا في أوروبا إلى انخفاضها بشكل كبير لدى المهاجرين المسلمين خلال فترة قصيرة. وكذلك تشير الدراسات إلى أنَّ السكَّان المسلمين سيشكِّلون في العقود القادمة -مع أعداد المهاجرين والتوجهات الحالية في معدلات الولادة- أقل من عشرة في المائة من مجمل سكَّان الاتِّحاد الأوروبي. وحاليًا تبلغ نسبة المسلمين أقل من خمسة عشرة في المائة من المهاجرين في ألمانيا. ولكن مع ذلك يبدو بالنسبة لدعاة الخوف أنَّ هويَّتهم موضوعة موضع تساؤل، عندما يُظهِر المسلمون دينهم.
انعكاس الخوف الغامض
فهل يمكن الكشف عن القمع من خلال قطعة ملابس؟ في هذا الصدد تتحدَّث منظمة الصحة العالمية حول وجود "مستوى وبائي" من العنف ضدَّ النساء في جميع أنحاء العالم، وكذلك في أوروبا يذكُر ثلث النساء أنَّهن تعرَّضن لعنف جنسي أو جسدي -من دون البرقع.
لا توجد دراسات حول مرتديها البرقع. وحتى إذا كانت هناك صلة بين البرقع والقمع مثبتة إحصائيًا، أليس من الواجب بناءً على ذلك أن يتم أيضًا حظر الكحول؟ من المعروف منذ فترة طويلة أنَّ هناك علاقة وثيقة بين استهلاك الكحول وبين الإكراه وكذلك العنف ضدَّ النساء. هناك تناقض واضح آخر في هذه الحجة يكمن في كون مجتمعنا برمَّته مليء بمسلَّمات تقلّل من مكانة النساء إلى غرض. "المجلات الجنسية والأفلام الإباحية وسراويل الجينز الضيِّقة والملابس الكاشفة -كلُّ هذا يعامل النساء كأغراض وهو منتشر على نطاق واسع في الثقافة الإعلامية"، مثلما تعترض على ذلك -عن حقّ- الفيلسوفة مارتا نوسباوم.
وضمن هذا السياق تنطبق مثلما يبدو ملاحظة سيغموند فرويد التي تفيد بأنَّ المخيف الذي يخيفنا هو ذاتنا المكبوتة. ومن خلال نظام الجنسين خاصة يظهر مستوى اللاوعي ضمن ثقافة ما. فقبل بضعة أعوام أدَّت تلك الحجج المطابقة تقريبًا إلى فرض حظر على ارتداء المعلمات الحجاب في مدراس بعض الولايات الألمانية. تم تفسير الحجاب باعتباره رمزًا واضحًا للقمع، على الرغم من أنَّ البيانات التجريبية تُظهِر أنَّ أكثر من تسعين في المائة من المحجَّبات في ألمانيا يرتدين الحجاب لأسباب دينية. وفي بعض الأحيان تكشف العلاقة المفترضة بين الحجاب والقمع عن أنَّه يتم إجراء إسقاط مريح "للعيب" الخاص على المرأة المسلمة.
ففي المسيحية يتم وصف الحجاب في رسائل كورنثوس في الواقع بأنَّه رمز إلى طاعة المرأة، في حين أنَّه لا يوجد مثل هذا التفسير للحجاب في القرآن الكريم. ثم يتم أيضًا استخدام المرأة المسلمة كمثال سلبي، يؤكِّد من خلاله المرء -وبشكل يظهر ذاته بمظهر مثالي- تقدمه الخاص ويستطيع من خلاله أن يخفي بشكل تدريجي غياب المساواة بين الجنسين في بيئته الخاصة.
تهديد وهميّ من قِبَل المجهول
إنَّ التركيز على تهديد وهميّ بكامله من قِبَل المجهول يؤدِّي في نهاية المطاف إلى عدم معالجة القضايا المهمة في الواقع. إذ إنَّ الأمر الأهم هو: في فترات الهجرة الضرورية ينبغي أن يكون تعزيز الترابط الاجتماعي هدفًا مهمًا. بيد أنَّ هذا الترابط الاجتماعي لا ينشأ من خلال ثقافة الحظر والارتياب.
يجب علينا أن ندرك أنَّ نظام سياستنا الدينية في ألمانيا يجب أن يتغيَّر نظرًا إلى التعدُّدية في بلدنا، وأن تمثِّل مبادئُ العدالة المعلنة في الحقوق الأساسة الأساس للمجتمع. ففي مثل هذا المجتمع السياسي لا يمكن أن يكون الهدف فرض تصوّرات الأغلبية من خلال المحظورات والمظاهرات. بل يجب أن يكون الهدف احترام الأقليات على أساس المساواة وتركها في الوقت نفسه تكون مختلفة. وعندئذ فقط ستصبح الأقيات جزءًا طبيعيًا من المجتمع، لا يكون مناسبًا لتأجيج المخاوف غير المنطقية.
خولة مريم هوبش
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: قنطرة 2014
خولة مريم هوبش، من مواليد عام 1980، تعيش وتعمل كصحفية وكاتبة في مدينة فرانكفورت الألمانية. صدر لها كتاب تحت عنوان "الحرية تحت الحجاب - إسهام الإسلام في صورة حقيقية للمرأة المتحررة "، عن دار نشر باتموس، في عام 2014.