وكأن الإرهاب ضد المسلمين لا يعنينا!
مساء الأحد كنت في برلين ووقفت أمام سفارة نيوزيلندا لإعداد تقرير عن جموع المتعاطفين المتجمهرين أمام السفارة كما هي الحال عادة إثر مثل هذه الحوادث الإرهابية. لم يكن هناك سوى شخصين آخرين إلى جانبي وهو ما أصابني بالصدمة، وجعلني أفكر منذ ذلك الحين في الأمر كثيراً.
هناك شيء ما بداخلي يبحث عن إجابات للأسئلة التالية: لماذا تضامن الناس في ألمانيا مع ضحايا كرايس تشيرش قليل بهذا الشكل؟ لماذا لا يوجد حملات تضامن كبيرة؟ هل يعقل أن يكون وزير الداخلية هورست زيهوفر محقا حين قال إن الإسلام لا ينتمي إلى ألمانيا؟ لم أجد حتى الآن تفسيرا آخر لقلة التضامن.
المسلمون في الدول العربية وكذلك في ألمانيا يتساءلون أيضاً: كيف سيكون الحال لو كان الضحايا من غير المسلمين والجاني المشتبه به هو المسلم، هل كانت وسائل الإعلام لتناقش الأمر بطريقة مختلفة؟ لماذا يتجنب البعض تسمية الجاني المشتبه به بالإرهابي؟ يبدو وكانه يجب أن يكون للإرهابيينً دائما دين معين.
ولكن الوضع مع هذا الهجوم الإرهابي اختلف كلياً. المسلمون أنفسهم هم الضحايا وليسوا الجناة المشتبه بهم. لماذا لا يجتمع ساسة العالم في الشوارع، كما فعلوا بعد الهجمات في باريس للاحتجاج على هذه الجريمة؟
هذه الأسئلة أرسلها لي مشاهدون و نشطاء مسلمون، عندما كنت في صدد التحضير لحلقة شباب توك حول الهجوم. وسألت نفسي: هل يصبح تفكيرنا في ألمانيا كما هو الحال في العالم العربي؟ فلا يحدث تضامن وضجة كبيرة إلا إذا كان الضحايا مسلمين.
متى يُمثل فعل فردي واحد مجموعة كاملة من الناس، متى لا يلعب ذلك دوراً؟ في حالة كرايس تشيرش، لم يطالب أحد مجموعة معينة النأي بنفسها عن الفعل. وليس على الرجل الأبيض أن يقلق من اجراءات التدقيق الأمنية في المطارات.
قلق المسلمين في ألمانيا
توصلت دراسة أمريكية إلى أن وسائل الإعلام الأمريكية تنقل الاخبار بشكل متكرر وبكثرة، عندما يكون الجاني مسلماً، على الرغم من أن المتطرفين اليمينيين في الولايات المتحدة الأمريكية هم الفئة الأكثر ارتكاباً للجرائم. ويتم ذكر الجناة، الذين يُعتبرون مسلمين بنسبة 449 في المائة أكثر من الجناة من غير المسلمين. هل الأمر مشابه في ألمانيا؟
حتى الآن لا توجد أية دراسة حول الوضع في ألمانيا. بعد مرور يومين على الهجوم الإرهابي لم يعد هناك عناوين حول الموضوع في بعض وسائل الإعلام الألمانية، ماعدا بعض المعلومات، التي يمكن أن تجدها في الجزء السفلي لأية صحيفة إلكترونية. أين هي البرامج الحوارية التي غالبا ما تناقش العمليات الإرهابية؟ يعيش في ألمانيا حوالي خمسة ملايين مسلم.
بعد الحادث زرت أحد المساجد يوم الجمعة الماضي لأسأل المسلمين عن الهجوم الإرهابي في نيوزيلندا. وأخبرني الناس هناك بأنهم قلقين ويشعرون بعدم الأمان. تسجل الشرطة سنوياً المئات من جرائم الإسلاموفبيا. حتى أن أحد المساجد في مدينة دريسدن تعرض لهجوم تفجيري.
في الأشهر التسعة الأولى من عام 2018، ووفقًا للنتائج الأولية ، تم عد 578 جريمة بسبب الإسلاموفوبيا. وكان الجناة في معظم الحالات من اليمنيين المتطرفين .
الإرهاب لا دين له
أو لون أخبرتني امرأة ترتدي الحجاب عن مخاوفها وقالت: "أخشى أن يحدث شيء من هذا القبيل في ألمانيا!". هذا التخوف، لا يقتصر عليها وحدها اليوم.
يجب ألا ننسى ما حدث في عام 2009 في قاعة محكمة في مدينة دريسدن، عندما تعرضت المصرية المسلمة، مروة الشربيني وقُتلت على يد متشدد يميني. المسجد، الذي قمت بزيارته، من المساجد التي تخضع لمراقبة هيئة حماية الدستور. وهنا يجد المرء نفسه في دائرة مفرغة.
هناك من يردد بشكل متكرر أن المسلمين هم المخطئون، لأن دينهم يمثل الخطر والقمع ويتعارض مع قيم الديمقراطية. أنا أول من يقول أنه يجب على أي شخص أن يكون له حق انتقاد الإسلام، ولكن هؤلاء الضحايا المسلمين يستحقون تعاطفنا أيضاً. يجب أن نميز هنا.
قُتل أناس في كرايس تشيرش أثناء تأديتهم للصلاة. كانوا بريئين. حرية الدين وحرية العبادة، حق إنساني يجب احترامه و حمايته. وهذا موجود في كل دستور غربي. على المرء أن يميز بين نقد الإسلام وكراهية الإسلام.
بالنسبة لهؤلاء الضحايا المسلمين، هم لا يمثلون الإسلام المتطرف – تماماً كما لا يمثل الأوروبيون الأيديولوجية اليمينية المتطرفة للجاني المشتبه به. ما زلت أبحث عن توضيحات: هل ذلك لأن نيوزيلندا بعيدة عنا ولهذا لم نتعاطف مع الضحايا؟ هل سيكون الأمر مختلفًا لو حدث في ألمانيا أو أوروبا لأننا نشعر أننا ألمان وأوروبيون؟ لكن الناس أناس في كل مكان - بغض النظر عن الدين أو لون البشرة أو العرق!
نعم، نخشى أن يرتكب المسلمون المتطرفون يوماً ما عملاً إرهابياً. لكن هنا نريد ويجب أن نًظهر تضامننا أيضاَ مع الضحايا. الإرهاب لا دين له.
الكاتب: جعفر عبد الكريم
حقوق النشر: دويتشه فيله 2019
جعفر عبد الكريم، 37 عاماً، رئيس تحرير ومدير البرنامج الشبابي "شباب توك" على DW عربية. ويصل البرنامج من خلال موضوعاته الاجتماعية النقدية إلى الملايين المشاهدين في شمال إفريقيا والشرق الأوسط ومنطقة الخليج. ولد جعفر عبد الكريم في ليبيريا، والداه من لبنان. نشأ هناك وفي سويسرا ودرس في كل من دريسدن وليون ولندن وبرلين، حيث يعيش اليوم.