هكذا حشدت كارثة الزلزال المغاربة فهبوا للمساعدة

منطقة مولاي إبراهيم - المغرب: أناس يقدمون مساعدات ومواد غذائية في أعقاب الزلزال.
منطقة مولاي إبراهيم - المغرب: أناس يقدمون مساعدات ومواد غذائية في أعقاب الزلزال.

موجة تضامن مع ضحايا زلزال المغرب المدمِّر انطلق فيها كثيرون من تلقاء أنفسهم نحو مناطق الكارثة محاولين تقديم المساعدة لكن إعادة البناء تحتاج لوقت طويل. متابعة هانس-كريستيان روسلر من أمزميز المغربية.

الكاتبة ، الكاتب: Hans-Christian Rößler

القافلة المتجهة جنوبًا لا تتوقف. فمنذ أيام تسير سيارات وشاحنات محملة بالكامل في اتجاه أمزميز ومن ثم إلى منطقة جبال الأطلس. فوق أسقف السيارات والشاحنات توجد فُرُش رُبِط بعضها فوق بعض، ووُضع بينها أكياس وبطانيات وقناني مياه. وعلى أغطية محركات كثير من هذه المركبات، تمّ لصق العلم الوطني المغربي الأحمر مع النجمة الخضراء بشريط لاصق قوي، وأحيانا توجد أيضا صورة للملك محمد السادس على النافذة.

عند تقاطع للطرق يجلس أحد أشهر ممثلي الكوميديا في المغرب ويجهز وجبات الإفطار مجانًا للناس الذين يتوجهون جنوبًا للمساعدة. لقد أدت أسوأ كارثة طبيعية منذ أكثر من ستة عقود إلى موجة من التضامن الوطني. فبعدما اهتزت الأرض ليل الجمعة-السبت 08 - 09 سبتمبر / أيلول 2023 جاء رد فعل المغاربة أسرع وأشجع من أجهزة الدولة: وبدون انتظار قاموا بتحميل ما يمكن أن تتسع له مركباتهم وانطلقوا.

الكارثة تحشد المغرب

انطلقوا من كافة أرجاء البلاد. ويمكن رؤية لوحات سيارات من الرباط والدار البيضاء وأقصى جنوب البلاد، وبينها أيضا لوحات من فرنسا وإسبانيا، حيث يعيش الكثير من المغاربة. "انطلقنا أمس من طنجة. أقاربنا فقدوا كل شيء، ولكن الحمد لله، أنهم على قيد الحياة"، يقول رب أسرة، كانت سيارته البيجو القديمة مكدسة لدرجة أنه لم يعد هناك مكان تقريبا للأطفال الجالسين في مقعدها الخلفي.

 

منزل مدمَّر بسبب الزلزال - المغرب. Nothing but rubble: A man who lost his wife and daughter in the massive earthquake sits in the remains of his house on 14 September 2023 (image: AP)
استعداد كبير للمساعدة: أدت أسوأ كارثة طبيعية منذ أكثر من ستة عقود إلى موجة من التضامن الوطني. بعد أن ضرب الزلزال المغرب (ليل الجمعة السبت 08 - 09 سبتمبر / أيلول 2023)، استجاب المغاربة بسرعة وشجاعة أكبر من الجهاز الحكومي: ودون أن ينتظروا، حملوا كل ما تستوعبه مركباتهم وانطلقوا إلى مناطق الكارثة. ودمر الزلزال -وهو الأكثر إزهاقا للأرواح في المغرب منذ عام 1960- عددا من التجمعات السكنية الصغيرة المبنية من الطوب الطيني التقليدي والحجارة والخشب، وهي إحدى السمات المميزة لجبال الأطلس التي ينطق قاطنوها اللغة الأمازيغية.

 

الكارثة توحد وتحشد المغرب. حيث فقد أكثر من 2900 شخص حياتهم، وأصيب أكثر من 5600، وتأثر أكثر من 300 ألف شخص آخرين بالزلزال (ولاحقاً قال الوزير المنتدب المكلف بالميزانية في المغرب فوزي لقجع يوم الجمعة 22 سبتمبر / أيلول 2023 إن زلزال المغرب أثر على 2.8 مليون شخص).

وتقول زكية المخيفي: "ببساطة، لم نستطع مواصلة قضاء العطلة في الدار البيضاء. فقد تحتم علينا أن نفعل شيئا". في الواقع تعيش زكية في مدينة فرانكفورت الألمانية وكانت في زيارة للمغرب فقط، التي تنحدر عائلتها منها. هي وزوجها في طريقهما إلى جبال الأطلس للبحث عن قرية في أمَسّ الحاجة إلى تبرعاتهم. وقد أخذوا معهم ملابس دافئة وأغطية، لأن الأمطار الأولى ستبدأ قريبًا، ومن بعدها سيبدأ الشتاء الذي يمكن أن يكون قارس البرودة.

تقول زكية الألمانية المغربية: "لقد أنشأنا حسابًا على باي بال Paypal. وجمعنا أكثر من 5000 يورو، استخدمناها للتسوق هنا". وبحسب ما تقول فقد قام آخرون بالفعل بتحميل شاحنات في ألمانيا وكذلك في إسبانيا وفرنسا وهي في الطريق. الجميع يتكاتفون.

العيادات الخاصة أرسلت طواقم طبية ومركبات

وبمجرد أن بدأ الإنترنت في العمل مرة أخرى قامت المنظمات والشركات والعائلات المغربية بتحديد الاحتياجات وتنسيق عمليات التسليم عبر واتساب وإنستغرام وفيسبوك. في بعض الأحيان كان هناك عدد كبير جدا من المركبات الخاصة على الطريق، لدرجة أن فرق الإنقاذ المحترفة والمركبات العسكرية واجهت صعوبة في التقدم.

وأرسلت عيادات خاصة من مختلف أنحاء البلاد سيارات إسعاف وطواقم طبية. وتشكلت اختناقات مرورية على الطريق الزراعي. وأغلقت الصخور المتساقطة الكثير من الطرق الجبلية، وحتى يوم الجمعة (15 سبتمبر/ أيلول 2023) كان ما زال من الصعب الوصول إلى بعض القرى الجبلية. وتلقي المروحيات مساعدات من الجو، بينما تقوم البغال بنقلها مسافة الكيلومترات الأخيرة المتبقية.

وبدايةً منذ زيارة الملك محمد السادس يوم الثلاثاء (12 سبتمبر / أيلول 2023) لمصابين في أحد مستشفيات مدينة مراكش القريبة وتبرعه بالدم، بدأت الأجهزة الحكومية أيضًا في العمل بأقصى طاقتها. وبدأ الجيش وقوات الحماية المدنية في السيطرة ببطء على الفوضى الأولية للتضامن العفوي. ففي الأيام التي تلت الزلزال، قام الكثير من السكان ببناء ملاجئ للطوارئ باستخدام أغطية بلاستيكية وبطانيات وأغطية لحماية أنفسهم من درجات الحرارة الباردة ليلاً والشمس الحارقة نهارًا.

 

شارك الجيش المغربي بشكل رئيسي في عمليات البحث والإنقاذ عقب كارثة الزلزال. Erdbeben in Marokko 2023.jpg
شارك الجيش المغربي بشكل رئيسي في عمليات البحث والإنقاذ عقب كارثة الزلزال - "زلزال المغرب أثر على 2.8 مليون شخص": قال الوزير المنتدب المكلف بالميزانية في المغرب فوزي لقجع يوم الجمعة 22 سبتمبر / أيلول 2023 إن الزلزال الذي ضرب البلاد ألحق أضرارا بنحو 2930 قرية يسكنها 2.8 مليون نسمة في جبال الأطلس الكبير. ووقع الزلزال المدمر في الثامن من سبتمبر / أيلول 2023 وأدى إلى مقتل أكثر من 2900 شخص، معظمهم في مناطق جبلية يصعب الوصول إليها بسبب طبيعتها الجبلية وطرقها الوعرة. وقال لقجع أمام البرلمان إن ما لا يقل عن 59674 منزلا تضرر جراء الزلزال وإن 32 بالمئة من هذه المنازل انهار بالكامل. وأضاف أن الحكومة ستقدم 2500 درهم (244 دولارا) شهريا على مدى عام لمساعدة الأسر المتضررة من الزلزال، بالإضافة إلى 140 ألف درهم لتعويض الأسر التي انهارت منازلها بالكامل و80 ألف درهم للأسر التي تضررت منازلها جزئيا. وقال لقجع إن إعادة الإعمار يجب أن تراعي الخصوصيات المعمارية لجبال الأطلس الكبير.

 

في الوقت الحالي توجد خيام صُفُر وزرق جديدة للدفاع المدني الحكومي على أطراف البلدات. وفي الجزء العلوي من أمزميز، حيث أدى الزلزال إلى انهيار شوارع كاملة، تم نصبها في ساحة السوق وفي بساتين الزيتون. وأنشأ الجيش معسكرا من الخيام الجماعية لألف شخص بلا مأوى - بما في ذلك مطبخ ميداني وصيدلية. ويمسك جنود بزي عسكري بأيدي أطفال باكين للبحث عن أسرهم. ويوجد مستشفى ميداني صغير، وبسرعة قامت بعض البنوك بإطلاق فروع متنقلة.

الممتلكات القليلة المتبقية لكثير من العائلات يمكن وضعها في بضعة أكياس من أكياس التسوق الكبيرة الملونة. ويقف الناجون بنظرات منكسرة أمام أنقاض منازلهم حيث تبرز فُرُش أسرة إلى جانب الشظايا الحُمْر المكسورة لوعاء طاجين تقليدي. ويقول أحد الرجال، وهو يشير إلى الشق الصغير تحت عامود من الخرسانة، والذي اضطرت والدته العجوز للخروج من خلاله أيضا، بأن عائلته المكونة من سبعة أشخاص قد لفتوا الانتباه إلى أماكن وجودهم عبر تطبيق فيسبوك.

ولم تستسلم فرق البحث بعد، لكنها منذ أيام تقوم فقط بانتشال مزيد من جثث الموتى. وعند مدخل أمزميز في منطقة البناء الجديدة، نصب إسبان وبريطانيون خيامهم. وبجانبها تقف سياراتان خاصتان ضخمتان باللون الأحمر تابعتان لفريق إنقاذ من قطر. وفي خيمة زرقاء صغيرة تابعة للأمم المتحدة، وينسق الجيش المغربي الجهود مع محترفين من الدول الأربع الأخرى.

وعلى الأرض ما زال هناك مساحة كافية لاستقبال مزيد من المساعدين. ولكن التنسيق لا يزال ليس سلسًا، حتى مع منظمة محترمة مثل الصليب الأحمر. كان من المفترض أن تنطلق أول شحنة مساعدات من ألمانيا إلى المغرب يوم الخميس (14 سبتمبر / أيلول 2023).

ومع ذلك لم يتم إقلاع الطائرة التي كان من المفترض أن تقل المساعدات التي طلبها الشريك المحلي للهلال الأحمر من مدينة لايبتسيغ الألمانية إلى مدينة مراكش المغربية. إذ تم الإعلان عن "لوائح وتعليمات جديدة قبل وقت قصير من إقلاعها. نحن نعمل جاهدين من أجل إزالة هذا التأخير الطارئ"، بحسب ما أعلن بيان للصليب الأحمر الألماني.

"في بعض القرى لم يسلم ولا منزل واحد"

يحتاج الناس إلى المساعدة على وجه السرعة، فالطقس يصبح باردًا جدًا في المناطق الجبلية ليلاً. "في بعض القرى، لم يسلم أي منزل"، وفق ما يقول أوليفر هوخيديز في مراكش، والذي يرأس قسم المساعدات العاجلة في منظمة مالتيزا إنترناشيونال الدولية، وهي منظمة الإغاثة التابعة لمنظمة فرسان مالطا. ومنذ يوم الإثنين (11 سبتمبر / أيلول 2023)، كان في مهمة استكشافية مع زميل له - في منطقة جبلية وعرة تضم عددًا لا يحصى من القرى، والتي لا يسكنها في بعض الأحيان حتى 60 شخصًا.

 

منزل مدمَّر بسبب الزلزال - المغرب. The door of a former house stands amid rubble in Imi N'tala, outside Marrakesh, Morocco (image: AP/dpa)
Situation very different to the quake in Turkey: in Morocco's Atlas Mountains, simple houses made of wood and mud collapsed, burying people underneath. "Food and water are not the problem. Sanitation will become crucial when the autumn rains set in. And especially shelter for the winter," says Oliver Hochedez, head of Malteser International's emergency relief department. It is a huge task, one that will be impossible to accomplish before the first snow falls

 

الوضع مختلف تماماً عن الزلزال الذي ضرب في تركيا بشكل رئيسي مدنًا كبيرة ذات مبانٍ أكثر حداثة. ففي منطقة جبال الأطلس انهارت المنازل البسيطة المصنوعة من الخشب والطين، واندفن الناس تحتها.

"المياه والغذاء ليسا المشكلة. المرافق الصحية ستصبح أكثر أهمية عندما يبدأ هطول الأمطار قريبا. وخاصةً أماكن الإقامة لفصل الشتاء"، بحسب ما يقول هوخيديز. المهمة ضخمة، ومن غير المرجح أن تكون ممكنة قبل أول تساقط للثلوج. وقد أعلن القصر الملكي أرقامًا حديثة يوم الخميس (14 سبتمبر / أيلول 2023): ووفقًا لهذه الأرقام، فقد تدمَّر أو تضرر 50 ألف منزل (وقال الوزير المنتدب المكلف بالميزانية في المغرب فوزي لقجع يوم الجمعة 22 سبتمبر / أيلول 2023 أمام البرلمان إن ما لا يقل عن 59674 منزلا تضرر جراء الزلزال وإن 32 بالمئة من هذه المنازل انهار بالكامل).

 

 

هانس كريستيان روسلر

ترجمة: صلاح شرارة

حقوق النشر: فرانفكورتر ألغماينه تسايتونغ / قنطرة 2023

ar.Qantara.de