لهذه الأسباب تحاول الأنظمة السلطوية محو ذاكرة الشعوب البصرية
يقول لي صديقي الذي عاد بعد زيارة للقاهرة إنه لأول مرة اضطر لاستخدام خاصية تحديد المواقع بعد أن ظل يدور لأكثر من ساعة في حي مصر الجديدة بعد أعمال التطوير التي شهدها الحي، وتغيرت بالترافق معها مناطق ومعالم كانت مستقرة في الذاكرة.
تكررت فكرة إزالة مناطق وتغيير معالم أخرى في عدة أماكن في القاهرة ومدن أخرى كالإسكندرية والمنصورة وغيرها، وخصوصاً الحدائق والمساحات الخضراء التي كانت تشكل متنفساً طبيعياً للمواطنين يمكنهم الذهاب إليه والاسترخاء والحديث.
الموضوع ده اتعمل بحذافيره ف المنصوره بس الناس فيها مبيعرفوش يتكلموا تقريبًا، شارع الجيش كله من اوله لأخره كان اخضر بطول حوالي 4 كيلو حاليا مفيش منهم غير 10 متر حشائش جافه قدام المساكن عشان مش لاقيين حاجه يحطوها مكانهم باين https://t.co/xQXcTllKib
— (1000 0100 0110 0101 0111 0010)₂ (@LluisTaha) December 30, 2022
على مواقع التواصل الاجتماعي يتحدث مدونون ومغردون عن تغيير متسارع لمعالم القاهرة، وأحد مظاهر ذلك إزالة المقابر التاريخية إضافة إلى العشرات من المباني والأحياء والحدائق التاريخية وحتى نقل للآثار. حدث ذلك في سوريا أيضاً -بخلاف التدمير المتعمد للمناطق والأحياء- بإعادة هيكلة عدد من المدن مثل حمص، كما نزعت صفة الأثرية عن بعض الأماكن.
حول فكرة تغيير الهوية البصرية للشعوب وإزالة مناطق وأماكن ارتبطت تاريخياً برمزيات معينة وأحداث من التاريخ كان لموقع قنطرة هذا اللقاء مع المؤرخ المصري الدكتور خالد فهمي أستاذ التاريخ بكلية الآداب والعلوم بجامعة تافتس الأمريكية: Tufts University.
*******************************************
موقع قنطرة: على مر التاريخ حتى عصرنا الحالي، شهدت دول تغييرات مستمرة لمناطق وأحياء أزيلت معها أجزاء كبيرة من الذاكرة البصرية التي كونتها الشعوب على مدى عقود.. ما الذي يجعل أي نظام حاكم يلجأ لتغيير الذاكرة البصرية للشعب؟
الدكتور خالد فهمي: لا أعتقد أن الموضوع متعلق بشكل مباشر بالذاكرة البصرية نفسها، وإنما بالاجتماع البشري والمجتمعات الحميمية -أي الأهالي والناس- وحياتهم المعاشة والتي تبني -بطبيعة الحال في أي تجمع بشري- أواصر للعلاقات والتشابك بين الناس لا تمر عبر السلطات أو الدولة .. هذه العلاقات والتشابكات ينتج عنها ألفة وثقة متبادلة وكذلك أيضاً بطبيعة الحال مشكلات وصراعات محلية.
دولنا الحديثة في المنطقة ليست نابعة من هذه العلاقات، بمعنى أن دولنا ليست نتاجاً لتطوير هذه العلاقات ولا أننا قررنا بعضنا بين بعض تفويض أحد ما يرعى شؤوننا وهي الفكرة القديمة لهوبز عن الدولة .. دولنا ليست نتاجاً لتفويض المجتمع لجهة ما لتسيير أمورنا ورعاية شؤوننا والفصل بيننا في الخصومات أو النزاعات .. دولنا دول مقحمة علينا لأسباب تاريخية متعددة، وبالتالي هذه الدول المقحمة مرتابة من الأساس في هذه العلاقات الإنسانية بين أفراد شعبها وفي التجمعات المدينية Urban Societies التي تجمعنا.
موقع قنطرة: لكن هذه السياسات العمرانية يرى البعض أنها مدمرة للذاكرة .. فلماذا تصر عليها الحكومات ربما حتى دون العودة للشعب؟
خالد فهمي: لشرح ذلك علينا أن نعرف أن جزءاً كبيراً من سياسات الدول الاستعمارية كان يتجلى في الحضر، هناك مثلاً سياسات عمرانية يطلق عليها "سياسات عمرانية استعمارية" غرضها الأساسي ترسيخ فكرة الدولة المستعمرة وأن يترسخ في وعي الشعب أنه مستعمر و"أننا هنا لنوضح لكم بشكل بصري سياساتنا"، وهو ما تجلي بأشكال مختلفة .. دولنا الحديثة ليست دول استعمارية لكنها تُحكم من خلال أنظمة استبدادية وتقوم بعمل ممارسات استعمارية بشكل ما وليس بالشكل نفسه الذي كان عليه الحال خلال الاستعمار الأجنبي.
دولنا الحديثة ورثت عن الاستعمار فكرة استخدام التخطيط العمراني لخدمة أغراضها .. ليس نحن (الشعب) من خطط للمدن ولسنا المتحكمين فيها .. فالمحافظ غير منتخب وليس لدينا مجالس محلية منتخبة والحكومة المحلية غرضها الأساسي هو فرض الأمن وليس حماية الأهالي أو المواطنين ولا خدمتهم وبالتالي هناك ريبة متبادلة طوال الوقت .. ريبة من الدولة تجاه الأهالي وتجمعاتهم في الاحياء والقرى طوال الوقت وريبة مما يمكن أن تفعله الحكومات مع الناس، فالهواجس الأمنية هي المسيطرة بشكل دائم على عمل الحكومة، وفي رأيي أن هذا تاريخ القاهرة الحديث منذ عام 1952 وربما قبل ذلك.
قنطرة: هل يعني ذلك أن الهاجس الامني هو المحرك الرئيس لقيام الأنظمة بهذه التغييرات التي تكاد تلغي فترات مهمة من تاريخ الشعوب عبر إزالة أو تغيير ذاكرتها البصرية؟
خالد فهمي: التدمير والتشويه نتجا عن أمور متعددة منها الريبة التي أدت إلى عدم السماح للناس بأن تبني وتعمق علاقاتها الإنسانية مع بعضها، وأدت إلى أن تزرع الحكومات طوال الوقت فكرة الوجود الأمني أي أن تكون الدولة حاضرة طوال الوقت في أي نشاط إنساني حتى في علاقات الناس ببعضها، وأن تعيد تخطيط المدن على حسب هواها وليس بشكل طبيعي نابع من متطلبات الناس، بل تقحم نظام عمراني مغاير ليس نابعاً من بيئة الناس.
نتيجة لذلك يتم تدمير الأواصر الإنسانية بسبب المخاوف الأمنية وأيضاً لأسباب اقتصادية، بمعنى أن يتم تسليع المكان كما يحدث في مصر في منطقة القرافة التي يتم تحويلها إلى منطقة عقارية Real estate وهو مخطط منذ عهد مبارك فيما عرف بخطة القاهرة 2050 وكان المحرك الرئيسي للفكرة وقتها اقتصاديا وليس أمنيا.
موقع قنطرة: كيف يمكن أن يكون العامل الأمني محركاً لإزالة الذاكرة البصرية؟
خالد فهمي: تدمير الجزء البصري المتعلق بالتاريخ والراسخ في ذاكرة الناس له روافد كثيرة، بعضها اقتصادي وبعضها حضري من قبيل الطرق والمواصلات وهو بدوره عائد لأسباب أمنية في جانب كبير منه، وأرى أن المقصود منه هو اختراق المدينة القديمة وضمان أن ما حدث في مصر خلال يناير/كانون الثاني 2011 لن يتكرر مرة أخرى حين تمترس الناس أمام الوزارات والمصالح الحكومية وعطلوا عمل أجهزة الدولة ومنعوا الوزراء من دخول مكاتبهم، لذلك يتم حالياً نقل الحكومة أولاً خارج هذه المدينة كما يتم اختراق القاهرة القديمة وإدخال طرق جديدة في قلبها وبناء جسور في حركة تدمر كل ما يقف في طريقها.
والمنطق الأمني في بناء طرق لتسهيل وصول قوات الأمن لأي مكان هو منطق جديد. هناك من يتحدثون عن قاهرة القرن الـ 19 وأنها بنيت تشبها بباريس وبحكم دراستي لتاريخ القاهرة في القرن الـ 19 يمكنني القول إن هذا غير صحيح، فباريس التي نعرفها والتي بنيت منذ الثلاثينات إلى الثمانينات في القرن الـ 19 على يد البارون هاوسمان كان الغرض منها أمرين: صحياً وأمنياً وليس جمالياً .. كان الهاجس الصحي هو عمل شبكة مياه ومجارٍ جيدة وتحسين مستوى صحة المواطنين بشكل عام وسط خوف قديم من الأوبئة.
أما أمنياً، ففي ثورة 1848 وفي كميونة باريس (وهي نظام جماعي مساواتي أدار باريس في الفترة ما بين 18 مارس / آذار إلى 28 مايو / أيار عام 1871. وكانت حركة نقابية وعمالية يسارية) وجدت الحكومة أن الناس أنشأت متاريس وحولت مدينة باريس إلى مدينة ثورية، فأعطى نابليون الثالث صلاحيات لعمدة باريس هاوسمان أن يدمر المدينة القديمة وأن يبنى مدينة جديدة شوارعها مستقيمة حتى تتمكن قوات الأمن من اقتحامها بسهولة وحتى يكون المكان مكشوفاً على خط بصر القوات الأمنية.
موقع قنطرة: ما مدى التشابه في بناء القاهرة الحديثة وبين ما حدث في إعادة بناء باريس؟
خالد فهمي: عندما بنى علي مبارك القاهرة الخديوية الحديثة لم يكن هناك مخاوف أمنية في تخطيط المدينة ولا وقت الخديوي إسماعيل ولا حتى وقت الاحتلال الإنكليزي وإنما بدأت هذه الهواجس الامنية -للمفارقة- منذ عام 1952، ويظهر ذلك في شواهد متعددة منها أن أول احتفال للثورة كان في يناير / كانون الثاني 1953 في ذكرى مرور 6 أشهر على الانقلاب العسكري -الذي سمي لاحقاً بالحركة المباركة- وقرر الجيش عمل عرض عسكري في ميدان التحرير (الإسماعيلية سابقاً) في المنطقة أمام المتحف المصري فيما كان سابقاً ثكنات للجيش البريطاني وأصبح ساحة خالية.
عندما بدأ العرض العسكري نزلت جموع المواطنين وحمل الناس محمد نجيب على الأكتاف ليتحول العرض العسكري إلى ساحة شعبية ولم يتمكن أحد من التحكم في الجموع، فتحول المشهد المهيب لإبهار الناس بأن هذا هو الجيش .. تحول الأمر إلى كرنفال شعبي، واحتفى الناس بالقادة وحولوهم إلى أبطال شعبيين، ويبدو أن إزالة هذا الحاجز بين الناس والجيش قوبل ذلك برفض لدى قطاعات داخل الجيش في هذا الوقت، ومن وقتها أصبحت الاحتفالات تقام في ميدان الأوبرا أو في ميدان عابدين ويخرج القادة العسكريون من شرفة القصر ويلوحون للناس ..
موقع قنطرة: هل تعتقد أن هذه الهواجس لا تزال مستمرة إلى اليوم وتقف خلف ما يحدث؟
خالد فهمي: في الواقع ظلت ريبة الدولة منذ هذه الواقعة -إلى جانب رمزية ميدان التحرير التاريخية- مستمرة إلى اليوم حتى بعد هذا الحدث الذي تكرر بأشكال وصور مختلفة على مر تاريخ القاهرة الحديث وصولاً إلى عام 2011 حين انفجر الميدان كساحة خاصة بالناس، فالخوف الأمني من الناس والأهالي والسكان والمصريين تجلى بشكل واضح في 2011 وَ 2012 الأمر الذي حدا بالدولة نفسها -وليس الشعب- لإقامة المتاريس في الطرق واستخدام المدرعات والحواجز الخرسانية وأُغلقت شوارع حيوية خوفا من الناس.
مع الوقت تطورت الهواجس الأمنية من عمل متاريس إلى إنشاء كباري لتصبح الفكرة أنه "لا يمكن أن تقوم مظاهرة فنخاف ونغلق على أنفسنا بمتاريس .. لا .. سنمنع ذلك من الحدوث ابتداء وسنسمح لقوات الأمن باختراق المناطق عبر شبكات الطرق والكباري بما يسمح لقوات الأمن بأن تفض أي اعتصام قبل حدوثه من الأصل".. هذه كانت الفكرة الأساسية، لكن ما نراه اليوم سواء كان تدمير الذاكرة البصرية وتغيير معالم المناطق أو إزالة اماكن بالكامل الغرض منه هو تفكيك المجتمع .. سواء كان ذلك حرفياً ببناء العوازل مثل الطرق والكباري وهو ما حدث مثلاً في مصر الجديدة التي أصبح سكانها أنفسهم يضلون طريقهم عند السير فيها .. وما يحدث يتم عن وعي في الحقيقة في رأيي ويهدف إلى تفكيك اواصر المجتمع الذي يخشى منه النظام.
هذا الأمر يأخذ أشكالاً لا علاقة لها بتخطيط المدن أهمها مثلاً حرمان الناس من حقهم في الاجتماع وتنظيم أنفسهم وامتد ذلك إلى المجتمع المدني الذي أحكمت الدولة السيطرة عليه وأصبح كل تحرك فيه مرهون بالموافقة الأمنية حتى عمل الجمعيات الأهلية واتحادات الملاك.. هذا الأمر ليس له شكل بصري لكن القاسم المشترك بين هذا وبين مسألة الطرق والكباري هو خوف الدولة من الناس وريبتها منهم والعمل على منعهم من تشكيل أي جمعيات أو كيانات أو حتى أحياء إلا تحت هيمنة الدولة.
هذه السياسة الحضرية Urban Policy جاءت من هذا الخوف مع محاولة تدمير الذاكرة الجمعية للناس بمحو علاقاتهم بمحيطهم وأن تحاول الدولة طوال الوقت أن تحول الناس إلى أفراد وليس أحياء سكانية وأن يتم تشتيتهم وتفريقهم طوال الوقت وأن تفرض الدولة هيبتها وسطوتها عليهم .. وهذا يظهر في أمور متعددة مثل أمننة المجتمع policing the society فالأمر لا يتعلق فقط بالجزء البصري وتشويه الشكل العام التاريخي المستقر في وعي وأذهان الناس، بل إن تشويه هذه الذاكرة البصرية جزء من سياسة أعمق وأقدم لم تبدأ من عدة سنوات لكن وتيرتها زادت مؤخراً لأسباب متعددة.
هناك من سيرى ان هذه الطرق والكباري والإنشاءات هي نوع من التطوير للبنية التحتية وأن هذا ثمن معقول للغاية في مقابل الوصول إلى العمل أو المكان الذي نريده خلال دقائق بدلاً من ساعات لكن الأمر أيضاً فيه بعد طبقي حيث يصل هذا الخطاب إلى شريحة لا تهتم من الأصل بالناس ولا تتضرر أبدا من هذه السياسات الحضرية .. لكن تكمن الخطورة الحقيقة لهذه الأعمال في أن ينجح النظام في تقطيع أواصر المجتمع.
موقع قنطرة: نعود للسؤال الرئيسي.. ما الهدف من كل هذه التغييرات؟
خالد فهمي: لا شك أن سنة 2011 سببت أزمة كبيرة للنظام المصري ما جعله يريد محو ذكراها بشكل كامل وفي هذا السياق، تحول المسمى من ثورة إلى أحداث يناير بل حتى أنها أصبحت جزءا أساسياً من كل المشاكل التي تواجهها مصر خلال السنوات الماضية.
بسبب ما حدث في ميدان التحرير وتجمع الناس لأول مرة منذ عقود كان لابد من أن تمحى من الذاكرة كل الصور التي قد تذكر الناس بهذه الأيام .. ما حدث في ميدان التحرير بالقاهرة لم يكن شيئاً بصرياً محدداً وإنما كان تجمع الناس وتواجدهم في المكان هو الحدث الحقيقي.. فطبعاً كل هذه الصور تم محوها وأعيد تخطيط الميدان حتى يكون له معنى رمزي آخر غير معنى تلاقي الناس مع بعضها في هذا الحيز والمكان المفتوح.
أيضاً هناك مفارقة في وضع المسلة والكباش في الميدان بعد تخطيطه، فهذا نموذج أوروبي وليس مصريا، نراه في لندن وباريس ونيويورك وروما .. فالمنتج النهائي "لتطوير" ميدان التحرير لم يكن مصرياً خالصاً ولا نتاجاً بشكل طبيعي لتطوير الناس للميدان ولا هو قادم من جهة منتخبة اتخذت مثل هذه القرارات، وإنما ما حدث في التحرير وغيره هو محاولة لحذف أي ذكرى بصرية لما حدث وإعادة تخطيط المكان بشكل آخر يلغي تماماً الارتباط مع الأحداث التاريخية.
موقع قنطرة: ما الذي يمكن أن يحدث للمجتمع بتقطيع أوصاله الحضرية من خلال الطرق والكباري والإنشاءات التي تدمر معها ذاكرته البصرية؟
خالد فهمي: عند تفكيك أواصر المجتمع -حتى دون انتباه- فإن النتيجة الطبيعية على المدى الطويل وفي ظل الأزمة الاقتصادية والعولمة هي تسليع المجتمع وأقصد هنا تسليع القاهرة، وهو ما حدث في منطقة "القرافة" ووسط البلد ومثلث ماسبيرو .. كلها تحركات ليست من قبيل المصادفة بل إنها تعبر تماماً عن سياسات تنظر إلى المدينة بنظرة إما نظرة خوف من هذه التجمعات البشرية أو بنظرة اقتصادية كمصدر للدخل من خلال الاستثمار في هذه الأراضي وهنا يجب إزالة الناس منها فتكون النتيجة أن العلاقات الأسرية والأواصر الاجتماعية بين الناس قد دمرت وتفتت ليفتقد الناس الألفة والحميمية وهذه صمامات أمان لأي مجتمع.
ما تفعله الدولة بممارساتها الحالية من تغيير لشكل المدن والشوارع والمباني هو تهديد لأمن المجتمع على المدى الطويل، وأخشى ما أخشاه من أن هذه السياسات التي تروج لها الدولة على أنها عامل استقرار تحمل في طياتها تهديدات على المدى الطويل لأنها سياسة ممنهجة .. لا أتكلم هنا من باب التهديدات الأمنية سواء للدولة أو الناس وإنما أتكلم عن دخول شركات خليجية وصينية وغيرها تجعل من أرض هذه المجتمعات مصدراً للاستثمار دون التفكير في من يسكنون هذه الأراضي .. وبدلاً من الدفاع عن أحياء ومناطق يعيش فيها الناس نجد أننا نبيع الأرض وهنا يصبح الناس عالة على الدولة ويجب نقلهم لمكان آخر أو يجب تفتيت تجمعاتهم لأنهم يعطلون خطط الدولة الأمنية والاقتصادية وحتى لا يصدر للناس صوتاً أو يصبح لهم تكتل أو تجمع للدفاع عن مصالحهم وبيوتهم وأحيائهم وأرزاقهم.
كل هذا نابع من نظام سياسي له فلسفة ليس هدفها الحقيقي هو خدمة الناس، فلو كانت الحكومة منتخبة أو هناك مسؤول محلي أو محافظ منتخب لكان همه الأول هو الدفاع عن مصالح الناس وإلا فقد منصبه في أول انتخابات مقبلة.. كل هذا نتاج وسمة من سمات الدول الاستبدادية .. هذه السياسة الحضرية ترى أن الناس عالة على الدولة وليسوا مواطنين وأصحاب حقوق.
حاوره: محمود حسين
حقوق النشر: موقع قنطرة 2023
منحت جمعية التاريخ الاجتماعي في بريطانيا جائزتها لأفضل كتاب لعام 2020 إلى المؤرخ المصري خالد فهمي، أستاذ الدراسات العربية الحديثة بجامعة كمبردج، عن كتابه (السعي للعدالة: القانون والطب الشرعي في مصر الحديثة) الصادر باللغة الإنكليزية. يتناول الكتاب الطب الشرعي وخاصة التشريح في تاريخ مصر الحديث، ويفند الاعتقاد السائد بأن التطور الذي حدث في هذا المجال كان بسبب التأثير الأوروبي. ولفهمي العديد من المؤلفات والأبحاث منها (الجسد والحداثة) الصادر عن دار الكتب والوثائق القومية و(تنفس الصباح) عن دار البشير للثقافة والعلوم و(سبيل محمد علي) بالاشتراك مع أجنيشكا دوبرولسكا.