''جائزة غوته'' إلى أدونيس ''أهم الشعراء العرب''
للمرة الأولى تذهب جائزة غوته المرموقة لشاعر عربي، وهو الشاعر الكبير أدونيس الذي اعتبرته لجنة التحكيم "أهم شاعر عربي في عصرنا". في حيثيات منحها الجائزة رأت اللجنة أن أدونيس نجح في نقل منجزات الحداثة الأوروبية إلى الثقافة العربية. وأكدت اللجنة أن الجائزة تُمنح لأدونيس لموهبته الشعرية الفائقة وتوجهه الكوزموبوليتي ومساهماته في الأدب العالمي.
أدونيس – المرشح منذ سنوات طويلة لنيل جائزة نوبل – سيتسلم جائزة غوته في الثامن والعشرين من أغسطس / آب، يوم ميلاد الشاعر الكبير غوته. وتُمنح الجائزة التي تبلغ قيمتها المادية 50 ألف يورو كل ثلاثة أعوام، ويُقام حفل التكريم في فرانكفورت، مسقط رأس يوهان فولفغانغ فون غوته. ومن الحاصلين على الجائزة في السنوات السابقة الكاتب الإسرائيلي عاموس أوز ومصممة الرقصات بينا باوش والناقد الأدبي مارسيل رايش راينتسكي.
أصداء عربية لفوز أدونيس بجائزة غوته
"
هذا خبر يسعدني كثيراً"، يقول الشاعر المغربي حسن نجمي في الحوار الذي أجرته معه دويتشه فيله، ويضيف: "هذه الالتفاتة الألمانية الباذخة لأدونيس وشعره وشاعريته تؤكد على القيمة المشتركة والأفق المشترك اللذين يجمعان بين شاعر ألماني كبير وعظيم وخالد بحجم وقيمة غوته، وقيمة ومكانة شاعر عربي كبير بحجم أدونيس". ويؤكد شاعر "حياة صغيرة" أن أدونيس يستحق جائزة نوبل للآداب، معتبراً أن جائزة غوته تؤكد استحقاقه لنوبل.
ويعتبر نجمي أن هذه الجائزة تكريم للشعر العربي وللأدب العربي كله، مؤكداً أن "الجائزة تُشرّف أدونيس، ولكن أدونيس – دونما مبالغة أو إسراف – يشرّف هذه الجائزة"، مشيراً إلى "إنجاز أدونيس الشعري وخطابه النظري والمعرفي" في الثقافة العربية. ويضيف شاعر "حياة صغيرة" أن "أدونيس بكل المقاييس والمعايير خدم الشعرية الإنسانية، وهو لم ينجز فقط قصيدة عربية إنسانية حديثة بل استطاع أن يخلق لها قارئها الجدد" بعد هيمنة "القراءة القديمة الكلاسيكية".
استطاع أدونيس "تثوير وتطوير بنية الشعر العربي"، مثلما يرى الشاعر المغربي، كما أنه تمكن "بخطابه ومقالاته وكتبه الفكرية والنظرية ومحاضراته أن "يخلق هذا القارئ الجديد" للشعر الحديث في العالم العربي. ويعتبر مؤلف "جيرترود" أن هذه الجائزة تعطي إشارة إلى أن "آفاق أدونيس تلتقي مع الشاعر الألماني العظيم غوته" الذي كان منفتحاً على الثقافة العربي والإسلامية انفتاحاً كبيراً كما يتجلى في ديوانه الشهير "ديوان الشرق والغرب".
الإفلات من القدر العربي
الشاعر المصري عبد المنعم رمضان أكد في حديثه للدويتشه فيله أيضاً على استحقاق أدونيس لجائزة نوبل "التي تأخرت عليه كثيراً"، معتبرا أن العرب "وبسبب عدم قدرتهم في الخروج من عصورهم الوسطى وبسبب الاستعمار الذي طال أمده، وبسبب الصراع العربي الإسرائيلي، لكل هذه الأسباب منح العرب القيمة أغلب الوقت للشعراء الذين يعبرون عن تلك الهموم السياسية حتى لو كانت قيمتهم الفنية أقل بكثير". ويعتبر صاحب "الحلم ظل الوقت" أن "الشاعر الرؤيوي أدونيس ظُلم" بسبب تلك الظروف العربية أولا، وظُلم لأنه يكتب بالعربية والعربية ليس لها حضور قوي في الثقافة العالمية، "لذلك أهنئ أدونيس لإفلاته من القدر العربي".
إدانة القتل دون إدانة القاتل؟
وإذا كانت قيمة أدونيس وإنجازه الشعري محل إجماع تقريباً بين النقاد والشعراء العرب، لا سيما بعد وفاة الشاعر الفلسطيني محمود درويش، فإن كثيرين وجهوا له انتقادات حادة في الفترة الأخيرة، ربما بسبب مكانته الكبيرة تحديداً، إذ كانوا ينتظرون من الشاعر السوري الأصل موقفاً أشد وضوحاً من الاحتجاجات في سوريا وكلمات أكثر صراحة في مهاجمة النظام السوري الذي يقتل مدنين مسالمين عزل. وهناك من رأى أن أدونيس يدين القمع بالمطلق، لكنه يصمت عن القامع السوري، أو كما قال عباس بيضون في مقالته "الثورة والمثقفون: لا أحد يعلّم العاصفة" بصحيفة "السفير" إن "إدانة القاتل وتسميته خير من إدانة القتل عامة. يمكننا أن نصمت وأن لا يكون لدينا رأي فهذا أيضاً من حقوق الناس، لكن المشاركة بالتردّد والالتباس ليست مشاركة، وخير لنا وللجميع أن لا نشارك على هذا النحو."
الشاعر حسن نجمي لا يتبنى هذا الرأي ويقول: "ليس دفاعا عن أدونيس، ولكن علينا ألا نطالب الشعراء أو الفنانين أو المبدعين بأن يكرروا دور السياسيين. خطاب أدونيس يتضمن نقداً جوهرياً عميقاً للبنيات الديكتاتورية العربية"، وهذا نقد أهم من "أي تصريح صحفي قد نحتفي به قليلاً ثم ننساه. ويضيف شاعر "على انفراد": "أدونيس ليس بحاجة إلى مهاجمة بشار الأسد بالاسم، فلندع ذلك للسياسيين. ولا أظن أنه يتبنى السلوكيات المنحرفة لنظام بشار الأسد وزبانيته. لكن ينبغي أن نحترم حق شاعر في الصمت إذا أراد. الصمت موقف. لماذا ندين الصمت؟" أما عبد المنعم رمضان فيقول إن "مقام أدونيس الذي يمكن أن يحميه هو نفسه المقام الذي يجعله يتريث ليتبين الرؤية، وهو مسؤول عما يفعل."
سمير جريس
مراجعة: يوسف بوفيجلين
حقوق النشر: دويتشه فيله 2011