جامعة إسلامية برؤية معاصرة
يبدو تورال كوج Tural Koç، الرئيس الإداري لجامعة روتردام الإسلامية (IUR) في مزاج حسن؛ إذ إنَّه اقترب كثيرًا من تحقيق الهدف الرامي إلى تحويل جامعته إلى جامعة معترف بها رسميًا: فبعد دراسة شاملة للموضوعات والشكليات الخاصة بهذه الجامعة، أصبحت الدائرة الهولندية المعنية باعتماد المؤسَّسات التعليمية قريبة من الاعتراف رسميًا بأوَّل تخصّص دراسي في جامعة روتردام الإسلامية. وبعد هذا الاعتراف الرسمي سوف يحصل طلبة الماجستير المشاركون في برنامج "الوعظ الإسلامي" على شهادة معترف بها رسميًا. وبناءً على ذلك فإنَّ هذه الجامعة تسير في أفضل طريق نحو تحقيق هدفها الرامي إلى تخريج نخبة من الأكاديميين المسلمين في هولندا، حسب تعبير تورال كوج.
وجامعة روتردام الإسلامية تسير في هذه الطريق منذ عام 2003، وذلك بعدما تم تخصيص مبنى مدرسة قديم يقع في وسط مدينة روتردام، ليكون مقرًا لهذه الجامعة. وموقع هذه الجامعة المجاور لمبنى كنيسة كاثوليكية وأخرى بروتستانتية يعكس نظام الأعمدة الذي ما يزال قائمًا في هولندا، والذي يتم طبقًا له وبحسب توزيع الطوائف الدينية تنظيم المؤسَّسات التعليمية والصحية والاجتماعية هناك.
ويقول تورال كوج: "نحن نتأقلم مع هذا النظام. ونعمل على دمج عمود إسلامي في المجتمع الهولندي"؛ ومن المفترض أن تكون جامعة روتردام الإسلامية جزءا من هذا النظام. ولكن بقاؤها بشكل دائم في هذا النظام يتوقَّف كثيرًا على الاعتراف الرسمي بها.
دورات في علوم الشريعة الإسلامية والتاريخ وفن الخط
ومن أجل تحقيق ذلك، يعزف المسؤولون عن هذه الجامعة الإسلامية بإتقان على أوتار مؤسسة راغبة في الاندماج: فهم يحيون فعاليَّات حول الحوار بين الأديان، ويقيمون دعوات لمشاركتهم الإفطار في شهر رمضان، وينظِّمون مؤتمرات حول التسامح في الإسلام، بالإضافة إلى محافظتهم على علاقات وثيقة مع ممثِّلي الكنائس والسياسيين. وفي كلِّ هذه الفعاليَّات يلعب رئيس الجامعة، الأستاذ أحمد أكغوندوز Ahmed Akgündüz، الدور الرئيسي. ويتم هنا تطبيق تعليمات الدكتور أكغوندوز الذي يبلغ عمره خمسة وخمسين عامًا، وقد سبق له العمل في جامعات تركية وكذلك أمريكية خاصة في مجال الشريعة الإسلامية، فآراؤه لها وزن.
ومن المفترض أن تكون جامعة روتردام الإسلامية جامعة من المسلمين وللمسلمين. ويبلغ حاليًا عدد الطلبة المسجَّلين فيها نحو مائتي طالب. وتشمل التخصصات الدراسية المعروضة فيها موضوعات مثل دراسة الفقه الإسلامي والفنون الإسلامية والوعظ الإسلامي، بالإضافة إلى دراسة اللغة العربية والقانون وتاريخ الإسلام وكذلك دراسة الأديان المقارنة.
ويتم التعليم فيها باللغتين العربية والهولندية. وبالإضافة إلى المكتبة التي تضم مجموعة واسعة من كتب الفقه الإسلامي التقليدية ومراجع الشريعة الإسلامية، يوجد في هذه الجامعة مرسم صغير يتم فيه تدريس فن الخط وفن الإبرو التركي، أي الرسم على الماء أو الترخيم على الورق.
وبالإضافة إلى ذلك يحضر الدورات التي تقدِّمها الجامعة وكذلك دورات اللغة العربية أشخاص من غير المسلمين، مثلما يقول محمد الذي درس في المغرب ويُدرِّس الآن في جامعة روتردام الإسلامية. ويتمتَّع محمد بمؤهِّلات للعمل في الجامعة، وقبل كلِّ شيء كونه يجيد اللغة العربية التي تعتبر لغته الأم. ولكنه لم ينه أي دراسة لها علاقة بعمله هذا؛ كما أنَّه يعمل في هذه الجامعة بشكل تطوّعي مثل معظم المدرِّسين الذي يعملون فيها، ولا يحصل على أي شيء لقاء عمله.
شبكة من الداعمين للجامعة
وفي جامعة روتردام الإسلامية تلعب المبادئ والمُثل دورًا مهمًا. فهذه الجامعة تعتمد على المتبرِّعين، لأنَّها لا تحصل على أي تمويل حكومي من دون الاعتراف بها بشكل تام. ومصادر دعمها تأتي من أشخاص عاديين ومؤسَّسات ورجال أعمال متديِّنين من تركيا، ومعظمهم تربطهم برئيسها، أحمد أكغوندوز، شبكة علاقات شخصية. ويقول أكغوندوز على الرغم من أنَّ الأسماء لا تُذكر، بيد أنَّنا نكشف للسلطات عن هيكل التمويل. ولكن ربمَّا ستمضي بعض الفصول الدراسية قبل أن تساهم هذه السلطات في تمويل جامعة روتردام الإسلامية - وأيضًا في هولندا تسير المؤسسة التعليمية ببطء.
ويقول الباحث نيكو لاندمان Nico Landma من كلية الفقه في جامعة أوترخت الهولندية، إنَّ نقص التمويل يعدّ أيضًا من أكبر العقبات التي تحول دون رفع مستوى التعليم في جامعة روتردام الإسلامية؛ وخاصة عندما يؤثِّر ذلك على نوعية الدراسة وبالتالي على قدرة الجامعة على التنافس مع غيرها من المؤسَّسات التعليمية.
التنافس مع جامعات حكومية
مَنْ يريد دراسة الفقه الإسلامي في هولندا أو الوعظ، لا يعتمد في ذلك على الدراسة في جامعة روتردام الإسلامية. فهذه التخصصات الدراسية موجودة أيضًا في جامعات أوترخت وأمستردام ولاهاي ولايدن، وبشهادة تخرّج معترف بها رسميًا ومع إمكانية الحصول على منحة دراسية، يحصل عليها كلّ طالب يدرس في هولندا في جامعة حكومية. وفي هذه الجامعات هناك مدرِّسون جامعيون يتمتَّعون بمؤهلات أكاديمية، لا يوجد مثلها سوى لدى عدد قليل من المدرِّسين العاملين في الجامعة الإسلامية.
والجامعة الإسلامية تواجه بقساوة ثلاثة عوامل في التنافس مع الجامعات الحكومية التي تتيح التخرّج بشهادات معترف بها رسميًا، والحصول على تمويل للدراسة، بالإضافة إلى جودة التعليم ونوعيته. ولكن مع ذلك إنَّ هذه الجامعة تعتبر نفسها أفضل من غيرها. ومثلما يقول رئيسها، الأستاذ أحمد أكغوندوز: "المسلمون بالذات هم أفضل من يستطيعون تدريس الفقه والفن الإسلامي والوعظ".
وجامعة روتردام الإسلامية بالذات تختلف عن الجامعات الحكومية لأنَّها المؤسَّسة المسلمة الحقيقية التي تجمع بين المذاهب الإسلامية من جميع أنحاء العالم. وفي الأعوام القادمة سيظهر إن كانت هذه الحجج والبراهين سوف تقنع الراغبين في الدراسة؛ حتى الآن ما يزالون يفضّلون اختيار الجامعات الحكومية.
ومن المحتمل أيضًا أن يعود سبب ذلك إلى اشتهار الجامعة الإسلامية بقربها من حركة جماعة النور Nurcu. فمؤسِّس هذه الجماعة الإسلامية هو العالم التركي الشيخ سعيد النورسي، الذي كان يرى أنَّ العلم هو السبيل الوحيد للحفاظ على الإسلام في عصر الحداثة؛ والعلم بمفهومه هو دراسة مخلوقات الله. وحتى يومنا هذا قام أتباع حركة النور الذين يعد معظمهم من الأتراك بتأسيس مئات من المؤسَّسات التعليمية في جميع أنحاء العالم. وفي جامعة روتردام الإسلامية لا ينكر المعنيون وجود تقارب روحي مع هذه الجماعة؛ بل على العكس من ذلك، حيث تُباع في مكتبة الجامعة مؤلفات سعيد النورسي في ترجمات مختلفة.
"دور إيجابي وبنَّاء" في دولة متعددة الثقافات
وعلى الرغم من أنَّ هذه الجامعة تبدو قريبة من أفكار جماعة النور، إلاَّ أنَّ المدرِّسين والطلاب الموجودين فيها يعكسون تفسيرات مختلفة للإسلام. وفي جامعة روتردام الإسلامية تجتمع قناعات مختلفة، مثلاً عندما يتناقش الطلاب الذين تعود أصول آبائهم وأمَّهاتهم إلى المغرب وتركيا وإندونيسيا أو باكستان مع مدرِّسين من مصر أو سوريا حول موضوعات خاصة بتطبيق تعاليم دينية. ومن هذه الموضوعات على سبيل المثال إلى أي حدّ يجوز للبائعات والبائعين المسلمين الذين يعملون في متاجر هولندية العمل في بيع الخمر ولحم الخنزير - لاسيما وأنَّ ذلك يعتبر جزءا من عملهم؟ أو ما هو الموقف الذي ينبغي للمسلمين الهولنديين اتِّخاذه إزاء المثلية الجنسية؟ وباختصار: لا ينبغي لهم الترحيب بها، لكن يجب عليهم تقبّلها.
وللخوض في مثل هذه الموضوعات تقدِّم جامعة روتردام الإسلامية صرحًا يستطيع تحت سقفه جميع المسلمين الذين يعيشون في هولندا تكوين آرائهم الدينية، مثلما يقول رئيس الجامعة. ويتَّفق معه في رأيه هذا أيضًا الباحث نيكو لاندمان من جامعة أوترخت، إذ يقول الأستاد لاندمان: "تنوّع المدرِّسين والطلبة يجعل جامعة روتردام الإسلامية موطنًا للخطاب الإسلامي الداخلي"، ويشهد كذلك لهذه الجامعة بأنَّها تؤدِّي "دورًا إيجابيًا وبنَّاءً" في هولندا، الدولة متعددة الثقافات.
يان فيليكس إنغلهارد
ترجمة: رائد الباش
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2010
قنطرة
مؤتمر "الإسلام في أوروبا- أي نموذج؟":
إشكاليات وآفاق تنظيم الممارسة الدينية في الغرب
يركز الجدل حول الجاليات المسلمة في أوروبا على السبل السليمة والعقلانية لتنظيم ممارساتها الدينية. هذه الإشكالية طرحها مؤتمر دولي نهاية هذا الأسبوع في الدار البيضاء بمشاركة باحثين أوروبيين وأمريكيين ومغاربة. محمد المزياني حضر فعاليات هذا المؤتمر ويسلط الضوء على أهم مجرياته.
نحو اندماج أئمة المساجد في ألمانيا:
برامج تدريبية لتعريف الأئمة بالحياة السياسية الألمانية
في ضوء حقيقة أن معظم أئمة المساجد في ألمانيا هم من الوافدين من تركيا أطلقت ولاية ألمانية برامج تدريبية وتأهيلية لهؤلاء الأئمة لتعريفهم بالنظام الاجتماعي والسياسي في ألمانيا وكذلك العمل على تحسين لغتهم الألمانية من أجل أن تكون المساجد منابر للاندماج الإيجابي. ميشائيل هولينباخ يعرفنا بهذه التجربة.
المسجد الكبير في مدينة دويسبورغ:
لؤلؤة معمارية إسلامية في منطقة الرور الألمانية ...
سيتم في السادس والعشرين من شهر تشرين الأول/أكتوبر الجاري وفي ضاحية ماركسلوه في مدينة دويسبورغ الألمانية افتتاح أكبر مسجد في ألمانيا، وذلك بعد مضي أكثر من ثلاثة أعوام على بدء أعمال بنائه، الذي يبلغ ارتفاع قبته ثلاثة وعشرين مترًا ومئذنته أربعة وثلاثين مترًا، ما يشكِّل بناءً فخمًا في ضاحية متعدِّدة الثقافات. كارين يِيغَر تعرفنا بالمسجد.