حكومة مصر الانتقالية...انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان
فرضت الحكومة الانتقالية المصرية في ظل الرئيس عدلي منصور قوانين الطوارئ. وهذه القوانين تمنح الشرطة والجيش نفوذاً واسعاً يمكّنها، بحجة الحفاظ على أمن البلاد، من اعتقال أي مدني وفرض رقابة على وسائل الإعلام.
إن هذا ليس جديداً على مصر، فالبلاد خضعت ثلاثين عاماً وحتى الإطاحة بمبارك سنة 2011 لقوانين الطوارئ. وبالنسبة لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية، فإن ذلك يعتبر خطوة إلى الوراء بالنظر إلى تاريخ المؤسسة الأمنية المصرية الطويل في إساءة استخدام السلطة. وتكتب المنظمة في أحدث تقرير لها عن الوضع في مصر: "أجهزة الأمن تنظر إلى القرار كرخصة لاستخدام المزيد من العنف المفرط وغير القانوني"، خاصة بعد محاولة اغتيال وزير الداخلية محمد إبراهيم في الخامس من سبتمبر/ أيلول 2013.
عودة الأجهزة الأمنية البغيضة
الوزير محمد إبراهيم لا يعتبر فقط أحد المسؤولين عن التعامل اللامسؤول لأجهزة الأمن أثناء فض اعتصامات أنصار الإخوان المسلمين في الرابع عشر من أغسطس/ آب بالقاهرة، بل وقام أيضاً بإعادة تفعيل جهاز مباحث أمن الدولة البغيضة، الذي يعتبر أحد الأجهزة التي تم حلّها اسمياً فقط بعد سقوط نظام مبارك. وهناك شكوك في استمرار هذا الجهاز بالعمل بعد مبارك.
إن إعادة تفعيل هذا الجهاز رسمياً تشكل خطوة على طريق العودة إلى حقبة مبارك بحجة إنقاذ الوطن، لاسيما أن العنف الوحشي لأجهزة الأمن كان أحد الأسباب الرئيسية لقيام حركة الاحتجاج الشعبي سنة 2011.
وبالنسبة لنشطاء حقوق الإنسان المصريين، فإن مشكلة أجهزة الأمن الأساسية، سواء أكانت في ظل الرئيس الإسلامي محمد مرسي أم في ظل الحكومة الانتقالية، تكمن في "انعدام أي دافع لمحاسبة المسؤولين". ولهذا فقد أصدرت تسع منظمات حقوقية بارزة في مصر، منها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، بياناً مشتركاً أدانت فيه التعامل الدموي لقوات الأمن.
تفاقم الأزمة السياسية
وأشار البيان إلى أن "استمرار قوات الأمن المصرية في سياسة الاستخدام المفرط والمميت للقوة في مواجهة الاحتجاجات السياسية لن يؤدي سوى إلى تفاقم الأزمات التي دعت المجتمع المصري للانتفاض ضد سياسات مبارك والمجلس العسكري وجماعة الإخوان المسلمين".
لكن الفاعلين لا يعتقدون بأنهم سيقدمون للمحاكمة، إذ حتى هذه اللحظة لم تتم سوى في حالات استثنائية إدانة ضباط ذوي رتب منخفضة بتهم تتعلق بضحايا احتجاجات سنة 2011، ولم يُحكم عليهم سوى بالسجن لفترات قصيرة. أما المسؤولون الحقيقيون وراء الكواليس فلم يُدانوا ولم يُحاكَموا.
المحامي جمال عيد، مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان التي تأسست سنة 2004، يعتبر الداعي لإطلاق هذا البيان المشترك. ويُنظر لعيد على أنه محايد بسبب انتقاده لانتهاكات كل من المؤسسة العسكرية والإخوان المسلمين. وبالنسبة له، فإن كلا الطرفين يتحركان في حلقة مفرغة، ذلك أن كلاً منهما يستخدم الآخر كبش فداء لتبرير العنف الصادر عنه.
ويقول جمال عيد: "حتى الآن، ساق الإسلاميون والجيش تبريرات لاستخدام العنف كل منهما ضد الآخر. يجب عليهم أن يتوقفوا عن المناداة باستخدام العنف، سواء في القاهرة أو في سيناء".
ويطالب المحامي والحقوقي المصري السلطات بالمزيد من الشفافية والتعاون من أجل الكشف الكامل عن الملابسات التي أدت إلى مقتل أكثر من ألف شخص وجرح عدد لا يحصى منذ عزل مرسي. كما أعربت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان عن قلقها من أن تفرض الحكومة الانتقالية، من خلال مشروع قانون جديد، "قيوداً تعسفية على المعارضة بحجة محاربة الإرهاب".
من جانبها، توضح هبة مورايف، مديرة مكتب "هيومن رايتس ووتش" في القاهرة، أنه لا يمكن الحديث عن ممارسة واسعة للعنف في صفوف الإخوان المسلمين، مشيرة إلى وجود "أقلية صغيرة" من الإسلاميين ممن مارسوا العنف أثناء المظاهرات التي جرت في يوليو/ تموز 2013. وترى مورايف أن رد فعل الدولة "مبالغ به للغاية"، مضيفة أن على الدولة اعتقال مستخدمي العنف دون تعريض حياتهم للخطر.
محاكمات صورية وأحكام قاسية
تم اعتقال أكثر من ألفي شخص من أنصار مرسي والاعتداء على جزء منهم. كما تقبع قيادة حزب الحرية والعدالة بأكملها في السجن بانتظار محاكمتها مع الرئيس السابق. ويُخشى أن تتحول هذه المحاكم إلى محاكم صورية ذات دوافع سياسية، لاسيما وأن مجموعة تتكون من 64 إسلامياً كانت قد حوكمت منتصف شهر سبتمبر/ أيلول 2013 وتلقت أحكاماً طويلة بالسجن.
هذا وتتم على هامش إعادة كتابة دستور البلاد مناقشة بند إضافي للفقرة السادسة يتضمن حظراً للأحزاب السياسية ذات المرجعية الدينية، مما سيعني حرمان الإخوان المسلمين دستورياً من تكوين إطار سياسي لهم.
أما حرية الرأي والصحافة، فهي تعاني أيضاً من قيود كبيرة. إذ تم ترهيب الصحفيين ووسائل الإعلام القريبة من الإخوان. كما تم إغلاق محطات التلفزيون التابعة للإخوان والسلفيين، ناهيك عن دعوى قضائية تهدد جماعة الإخوان المسلمين بالحظر.
وبالإضافة إلى ذلك، هناك إعاقة متعمدة للتقارير التي توثق انتهاكات حقوق الإنسان في ظل الحكومة الانتقالية. وفي هذا الصدد، تسعى الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان لتوثيق حالات اعتقال صحفيين ناقدين بحجج بالية. كما قُتل أربعة صحفيين أثناء فض اعتصام أنصار مرسي في الرابع عشر من أغسطس/ آب 2013 دون التحقيق في من يقف وراء قتلهم.
في ظل الرئيس مرسي، وصفت وسائل الإعلام الإسلامية خصومها السياسيين بالكفار. لكن ذلك تغير الآن، إذ يتم وصم كل جهد للمعارضة بشكل عام على أنه "خيانة للوطن". هذه الوصمة موجهة إلى كل من يتجرأ على توجيه نقد للحكومة الانتقالية أو للمؤسسة العسكرية.
كلاوديا منده
ترجمة: ياسر أبو معيلق
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2013