نظام الأسد بعد تفجيرات مبنى الأمن القومي- هل هي بداية النهاية؟
كانت هناك في الأيَّام الأخيرة عدة دلائل أشارت إلى اقتراب موعد هذا الهجوم الشاسع وبالإضافة إلى ذلك انتشرت منذ عدة أيَّام شائعات تقول إنَّ الثوَّرا سيتقَّدمون نحو دمشق. ماذا تعرف عما سبق هذه الهجمات وعن تنامي قوة الجيش السوري الحرّ؟
هايكو فيمن: كان من المفهوم من خلال تقدّم الجيش النظامي في داخل المدن أنَّ وجود الجيش السوري الحرّ بشكله المسلح في دمشق أو في مناطق أخرى من البلاد قد ازداد قوة وأنَّ هذه العمليَّات ستزداد نتيجة لذلك، مثل الهجمات المنطَّمة التي تستهدف الحواجز والقواعد العسكرية. لكن لم يكن من الواضح بالضرورة أنَّ هذه العمليَّات سوف تأخذ شكل التفجيرات أو العمليَّات الانتحارية. ولكن في الواقع هذا ليس جديدًا وذلك بسبب وجود محاولة قبل أيَّام قليلة من مجزرة الحولة في بداية شهر حزيران/ يونيو الماض لقتل أعضاء خلية إدارة الأزمة (القيادة الداخلية) وخاصة قتل المختصين منهم في الشؤون الأمنية.
وحسب التقارير الصحفية كانت هذه عملية تسميم لكنها لم تنجح تمامًا. وكان من المستهدفين أيضًا في تلك العملية آصف شوكت زوج شقيقة الرئيس بشار الأسد والذي تم قتله في الهجوم الذي وقع يوم أمس الأربعاء الثامن عشر من الشهر الجاري. ومن حيث المبدأ يمكن القول بطبيعة الحال إنَّ قدرات الثوَّار في تزايد مستمر مثلما هي الحال أيضًا مع تسليحهم وقدرتهم على القيام في الوقت نفسه بعمليَّات مختلفة في مناطق مختلفة.
ولكن كذلك تزداد وحشية النظام في ردِّه على مثل هذه العمليَّات وتزداد أيضًا قوة ونوعية الأسلحة التي يتم استخدامها هنا. والآن أصبحنا نتحدَّث حول وجود طائرات هليكوبتر وصواريخ يتم استخدامها من أجل قصف أحياء كاملة يوجد فيها ثوَّار أو يعتقد أنَّ فيها ثوَّار - وقبل بضعة أسابيع أو أشهر كانت ما تزال هناك مداهمات وعمليَّات تفتيش تمارس فيها بكلِّ تأكيد أعمال عنف ولكن لقد اختلفت الآن وبكلِّ تأكيد نوعية كلِّ شيء. والخوف الآن من أن يرفع النظام في ردِّه على هذا الهجوم وتيرة أعمال العنف أكثر بكثير مما شهدته سوريا حتى الآن.
يشير الإعداد الفكري لهذا الاغتيال إلى وجود شبكة من الثقة العالية في الأوساط القيادية. هل لديك انطباع بأنَّ هذه الثقة الضرورية للقيام بمثل هذا العمل قد ازدادت أكثر في الأسابيع الأخيرة؟ وهل هناك دلائل تشير إلى استمرار انشقاق المنشقين عن الجيش وانضمامهم إلى صفوف المعارضة؟
فيمن: أعتقد أنَّ الكثيرين من الأشخاص الذين ما يزالون يخدمون النظام صاروا في الحقيقة يفكِّرون فيما يجب عليهم القيام به - سواء كان ذلك لأسباب أخلاقية أو سواء كان ذلك لأنَّهم من مناطق تنتشر فيها أعمال العنف ومن الممكن أنَّ يكون لهم فيها معارف أو أقارب متضرِّرين. ولا شكّ في أنَّ هؤلاء الأشخاص أيضًا صار من السهل الآن تسخيرهم للمحاولات التي يتم القيام بها من دون ريب بأشكال كثيرة لكسبهم إلى جانب المعارضة. ويجب علينا أن نلاحظ دائمًا أنَّ هذا الصراع صراع يدور داخل المجتمع السوري ولا يدور بين احتلال ومواطنين يسيطر عليهم هذا الاحتلال ونتنشر بينهما انقسامات عميقة، بل من الممكن أنَّ تنتشر هذه الانقسامات في بعض الحالات حتى بين أبناء العائلات الواحدة. وهنا سيفكِّر الناس بطبيعة الحال بما يجب عليهم فعله وذلك للأسباب التي ذكرتها أو حتى كذلك لأسباب انتهازية.
وعلى سبيل المثال أذكر هنا السفير السوري في العراق الذي وصل من خلال حزب البعث إلى مواقع قيادية. وهو أيضًا من مناطق حدود الدولة السورية ولا يعدّ بالتالي من المحسوبين على البرجوازية القديمة، وعلى هذا النحو حصل على مكانة متميِّزة في السلطة. وعندما يشاهد الناس أنَّ رجلاً كهذا ينشق عن النظام فعندئذ وبطبيعة الحال سيفكِّر الكثيرون لحسابات طبيعية جدًا متى ستحين اللحظة التي يتعيَّن عليهم فيها التفكير بإعداد أنفسهم ومصالحهم للعهد القادم. وهذا لا ينطبق بطبيعة الحال على الأشخاص الذين ربما يقومون بعمليَّات انتحارية. وهنا لا بد لنا في الحقيقة من الإقرار بأنَّ هؤلاء الأشخاص لديهم أيضًا دوافع عقائدية أو دينية لاستخدام هذه الوسيلة، ولديهم هذا الاستعدام وبالتالي يسهل تسخيرهم لمحاولات المعارضة وكسبهم لمثل هذه الأعمال.
ذكرت للتو أنَّ النظام السوري من الممكن أن يرد الآن وبعد هذا الاغتيال بعنف أكثر من ذي قبل. وفي الحقيقة بإمكان المعارضة رغم أنَّها غير متجانسة أن تشعر بأنَّها الآن أقوى بكثير من السابق. ولكن يبدو أنَّ هذه الخطوة مثيرة للغاية من دون المبالغة في الوصف. إلى ماذا يشير هذا الاغتيال؟
فيمن: ما من شكّ في أنَّ المعارضة تشعر الآن من خلال ذلك بأنَّها أقوى وهذا أمر واضح كلَّ الوضوح. كما أعتقد أيضًا أنَّه ليس صدفة أن يقع هذا الهجوم وتتم هذه الحملة التي تحمل اسم "زلزال دمشق" تقريبًا في وقت اجتماع مجلس الأمن في نيويورك. وكذلك من الممكن أن نلاحظ من ناحية المعارضة التي تشعر بأنَّها أقوى وأثبت الأمر الذي من الممكن أن يعمل على زيادة عدد المنشقين أكثر. ونلاحظ من ناحية أخرى تآكل متسارع في أجهزة النظام وأجهزة الدولة.
وكذلك من المحتمل أنَّ الناس عندما يلعبون بهذه الأفكار ويسألون أنفسهم كم من الممكن أن يتبقى على ذلك اليوم، الأشخاص الذين ربَّما يعيدون حساباتهم ويمنحون أنفسهم فرصة ويعتقدون أنَّ الأمور سوف تتغيَّر وأنَّه ما يزال بوسعهم تأمين مصالحهم عندما يقوموا في الوقت المناسب فقط بتغيير مواقفهم، أي الذين لم يشوِّهوا سمعتهم تمامًا حتى الآن من خلال تورّطهم في أعمال العنف والتعذيب وما يشبه ذلك، ومن المحتمل أن يحرِّك هذا أفكار مثل هؤلاء الأشخاص ومن الممكن أن يكون له في الواقع تأثير كرة الثلج التي ستؤدّى إلى تطوّرات سريعة وإلى ظواهر تفكك سريع.
ولكن إنَّ ما لا يجوز لنا نسيانه هو أنَّه لا يوجد في سوريا مجتمع متجانس على العكس من المجتمعات الأخرى التي يمكن للمرء أن يتوقَّع فيها عندئذ انزلاق الجميع في وقت ما وتحوّلهم فجأة إلى المعارضة، عندما لا يعد هناك أحد يريد أن يكون هو المسؤول وتصبح السلطة هي المسؤولة وحدها ولا أحد غيرها عن كلِّ شيء - بل يوجد لدينا هنا في سوريا عامل عرقي وطائفي. وفي المجتمع السوري توجد طائفة العلويين الذين يخشون وربما يكونوا محقين في خوفهم من أن تؤدِّي حقيقة أنَّ هذا النظام كان نظلمًا يسيطر عليه العلويون ويعتمد على تضامن أبناء هذه الطائفة الدينية إلى تعرّضهم لعقوبة جماعية ومذابح وما يشبه ذلك. وهذا يعني أنَّه سوف تبقى هناك على الأرجح مجموعة أساسية وحتى في داخل القوَّات المسلحة وستحافظ حتى النهاية المرة على ولائها لهذا النظام ومن الممكن عندها أن تكون هذه النهاية في الحقيقة قاسية للغاية.
كيف تقيِّمون حاليًا قدرة هذه المعارضة المكوَّنة من أطياف مختلفة جدًا وغير متجانسة على تشكيل حكومة في المستقبل؟
فيمن: أعتقد أنَّ تشكيل الحكومة ما يزال أمرًا بعيد المنال. من الأجدر أن يفكِّر المرء الآن فيما إذا كان بإمكانه المساهمة بشيء ما يساعد على إتمام هذه العملية الانتقالية أو عملية تفكّك هذا النظام بطريقة تؤدِّي في أحسن الأحوال إلى هبوط سليم وتحول في أسوأ حال على الأقل دون الانزلاق التام إلى حالة الفوضى. وهنا يتعيَّن على المرء أن يحاول تعزيز قدرات مجموعات المعارضة المختلفة وممارسة الوظائف المدنية في المناطق التي تسيطر عليها - أي ضمان الأمن والاهتمام بالمواطنين وكذلك بتقديم الخدمات الإنسانية وما يشبه ذلك. ويجب على المرء أن يحاول بناء الهياكل الأساسية والضرورية للإدارة المحلية. ومن الضروري هنا الاهتمام عندما يتم إنشاء مثل هذه الهياكل بضمان المعايير الإنسانية.
والآن يجب الإعداد إذًا لأشياء كثيرة من أجل التأكّد من أنَّه سيكون هناك شخص ما قادر حتى حين على تحمّل المسؤولية على المستوى المحلي وقادر أيضًا على التعامل بمسؤولة من أجل الحيلولة بالذَّات دون انزلاق كلِّ شيء إلى حالة الفوضى قبل أن يكون بإمكاننا الحديث عن تشكيل حكومة.
أجرى الحوار: كيرستن كنيبّ
ترجمة: رائد الباش
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012
يعمل الخبير في الشؤون السورية هايكو فيمن باحثًا في المعهد الألماني للدراسات الدولية والأمنية SWP في برلين ويهتم بالمجتمعات ذات التنوّع العرقي والديني في منطقتي الشرق الأوسط والبلقان. وقد عمل صحفيًا في بيروت كما نشرت له العديد من الدراسات والأبحاث حول لبنان وحزب الله والعراق.