الجمعيَّات الخيرية الإسلامية ... "لمساعدة أفقر الفقراء"
السيد بنثال، تم في الولايات المتَّحدة الأمريكية بعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001، تجميد أموال تعود لكثير من الجمعيَّات الخيرية الإسلامية، وذلك بحجة أنَّ هذه الجمعيَّات كانت على علاقة مع جماعات إرهابية في الشرق الأوسط، وبصورة خاصة مع حركة حماس. فكيف تقيِّم جدوى هذه التدابير ضمن سياق الأبحاث التي قمت بإجرائها؟
جوناثان بنثال: هناك مشكلات كبيرة بسبب حظر الولايات المتَّحدة الأمريكية للكثير من الجمعيَّات الخيرية الإسلامية واعتبارها إجرامية، وخاصة في المناطق الفلسطينية. وحكومتا إسرائيل والولايات المتَّحدة الأمريكية تزعمان أنَّ هذه الجمعيَّات تعتبر في الواقع ستارًا لحركة حماس. ولكن مع ذلك لقد شاركت وبتكليف من الحكومة السويسرية في إجراء دراسة حول ما يعرف باسم لجان الزكاة - والتي يوجد منها في منطقة الضفة الغربية وحدها تسعون لجنة مختلفة - وحول ماضيها القريب.
وقبل فترة غير بعيدة قام "المعهد العالي للدراسات الدولية والتنمية" في جنيف بنشر هذه الدراسة، التي أظهرت بالتجربة أنَّ لجان الزكاة تعتبر مجرَّد جمعيَّات خيرية مستقلة. ولكن من وجهة النظر الأمريكية يعتبر تقديم التبرّعات لهذه الجمعيَّات الخيرية مثل تقديم التبرّعات للتنظيمات الإرهابية، التي من الممكن أن يدخل المرء بسببها إلى السجن. وهذا الموقف يقوم على معلومات خاطئة.
هل كانت ردود فعل الغرب مبالغًا فيها بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر إزاء الجمعيَّات الخيرية الإسلامية ؟
بنثال: أعتقد أنَّ الغرب بالغ في ردود فعله ضدّ الجمعيَّات الخيرية الإسلامية؛ حيث بدأ في الولايات المتَّحدة الأمريكية نوع من عصر "المكارثية الجديدة" McCarthyism، الذي يذكر بحملة التخويف من خطر الثقافة الشيوعية والذي أدى في نهاية الأمر إلى ملاحقة كل الأصوات النقدية. والجميع يعرفون عن فضيحة غوانتانامو وعن الأحكام الاستثنائية في عهد جورج بوش، بيد أنَّني أعتقد أنَّ الهجوم على المؤسَّسات والجمعيَّات الخيرية الإسلامية غير معروف إلى هذا الحدّ؛ على الرغم من أنَّ هذه المؤسَّسات تشكِّل في الولايات المتَّحدة الأمريكية مشكلة خطيرة.
هل يمكن تحديد حجم الضرر الذي تكبَّدته هذه المؤسَّسات؟
بنثال: من الصعب تحديد ذلك. اسمحي لي أن أصف ذلك على هذا النحو: لقد لاحظنا أنَّ الجمعيَّات الخيرية ومنظَّمات الإغاثة الإسلامية التي تتوجَّه إلى المسلمين في دول الخارج تحقِّق نجاحًا كبيرًا في بريطانيا؛ حيث ازداد نموّها وأصبحت من العناصر الفعَّالة هناك. ولكن هذا التطوّر غير موجود في الولايات المتَّحدة الأمريكية، على الرغم من أنَّ عدد السكَّان هناك أكثر من عددهم في بريطانيا بأربعة وحتى بخمسة أضعاف وأنَّ نسبة المسلمين هناك عالية جدًا. وكذلك يوجد في الولايات المتَّحدة الأمريكية تقليد عريق لتقديم التبرّعات الخيرية، ولكن لا توجد جمعيَّات خيرية ومنظَّمات إغاثة إسلامية ذات حجم يستحق الذكر. وعلى الرغم من أنَّه ما يزال يُسمح لهيئات "الإغاثة الإسلامية" بالعمل في الولايات المتَّحدة الأمريكية، إلاَّ أنَّ هذه الهيئات تابعة للفرع البريطاني. وما من شكّ في أنَّ سبب ذلك يعود إلى المبالغة في ردود فعل الغرب.
هيئة "الإغاثة الإسلامية" تعمل أيضًا في ألمانيا، ويوجد لديها مكاتب في مدينتي برلين وكولونيا. وهي لا تعمل لصالح المسلمين وحدهم، بل أيضًا لغير المسلمين، والكارثة التي وقعت مؤخرًا في هايتي ليست إلاَّ مجرَّد مثال على ذلك. ولكن على الرغم من ذلك ترتفع في ألمانيا مرارًا وتكرارًا بعض الأصوات التي تدَّعي أنَّ هذه الهيئة لها صلة وثيقة بجماعة الإخوان المسلمين. ويقال إنَّ رئيس هيئة الإغاثة الإسلامية في بريطانيا، هاني البنا أصله من نفس عائلة حسن البنا، مؤسِّس جماعة الإخوان المسلمين.
بنثال: هاني البنا يحمل الاسم نفسه، ولكنه حسب علمي لا توجد بينهما صلة قرابة. وجماعة الإخوان المسلمين تعتبر على الأرجح منظَّمة غامضة، ولكن "هيئة الإغاثة الإسلامية" تتمتَّع بسجل نظيف للغاية، على الأقلّ في بريطانيا. وهذا ما توصَّلت إليه أيضًا "اللجنة الوطنية الخاصة بالجمعيَّات الخيرية": هيئة الإغاثة الإسلامية تتعامل بانفتاح وشفافية في جميع معاملاتها. وفي الولايات المتَّحدة الأمريكية يتم تقييم الشفافية لدى الجمعيَّات الخيرية وهيئات الإغاثة حسب نظام نقاط، وحتى هناك حصلت "هيئة الإغاثة الإسلامية" على أعلى عدد من النقاط.
وشعار هذه الجمعيَّات الخيرية هو مساعدة أفقر الفقراء. وهي لا تحاول دعوة أي شخص إلى الإسلام، كما أنَّها لا تقوم أيضًا ببناء المساجد. وهناك مؤسَّسات أخرى مثل الوكالة الكاثوليكية للتنمية الخارجية CAFOD، الفرع البريطاني لجمعية كاريتاس، هي التي تقدِّم المال على الأقل من أجل أعمال ترميم المساجد المتضرِّرة. وذلك لأنَّ هذه المؤسَّسات ترى أنَّ المساجد تحظى بمكانة ثقافية رفيعة عند المواطنين المسلمين. في حين أنَّ "هيئة الإغاثة الإسلامية" تقول دائمًا: يجب علينا أن نبتعد تمامًا عن الدين. ولكن مع ذلك إذا كان هناك مؤامرة من صنع جماعة الإخوان المسلمين، فإنَّها يجب أن تكون دقيقة للغاية وبشكل لا يُصدَّق.
ولكن توجد من دون شكّ بعض المؤسَّسات الإسلامية الكبيرة التي ترعاها المملكة العربية السعودية، وتمارس تحت ستار الأعامل الخيرية نشاطات دعاية شمولية وأعمال دعوة. فما الذي يجب على المسلمين فعله من أجل الإسهام في خلق المزيد من الثقة في الجمعيَّات الخيرية الإسلامية؟
بنثال: في الواقع هذه مشكلة حقيقية. ففي المملكة العربية السعودية تسود تقليديًا وبشكل واسع ثقافة التكتّم والسرية، وهذه الثقافة تغطِّي كلَّ شيء. فكيف يمكن للمرء الدفاع عن نفسه ضدّ تهمة تمويل الإرهاب، إذا كان يعمل في سرية تامة، ولا ينشر أي حسابات لأعماله ولا يخبر أي شخص بما يفعله؟ وأعتقد أنَّ السعوديين أيضًا سوف يفهمون في وقت ما أنَّه يجب عليهم العمل بشكل أكثر شفافية. ولكن في الحقيقة تم الأعلان في عام 2002 عن تأسيس مفوّضية سعودية عليا للمساعدات الخارجية، وحتى يومنا هذا لم يحدث أي شيء.
ما الذي يمكن أو ينبغي للسياسيين الغربيين القيام به من أجل ضمان تحسين التعاون مع الجمعيَّات الخيرية الإسلامية؟ وهل يجب عليهم إعادة النظر في سياسات الغرب؟
بنثال: بكلِّ تأكيد، فهذا بالتحديد ما أود اقتراحه. وبغض النظر عن أنَّ هيئات الإغاثة الإسلامية حقَّقت الكثير من الأمور الإيجابية، حيثما توجد حاجة إلى عملها، فإنَّ لها أيضًا مساهمة كبيرة في الاندماج الثقافي - وكذلك هنا في أوروبا. وفي حين كانت منظَّمات الإغاثة المسيحية واليهودية تفرض هيمنتها إلى حدّ ما لفترة طويلة على مجال هذا النشاط، تغيَّر ذلك الآن. وقبل بضعة أعوام كان نظام الإغاثة الإسلامية برمَّته يسير في عالم موازٍ، لم يكن يتم ذكره في البحوث الخاصة بالمعونات ولم يكن يؤخذ على محمل الجد. وأمَّا في يومنا هذا لم تعد الحال كذلك.
ولكن مع ذلك كثيرًا ما توجد اختلافات أخلاقية كبيرة ما بين الجمعيَّات الخيرية المسلمة وغير المسلمة... فهل تعتقد أنَّه يجب وضع هذه الخلافات جانبًا؟
بنثال: أنا لا أعتقد بذلك على الإطلاق؛ إذ توجد اختلافات واضحة كلَّ الوضوح فيما يتعلَّق بحقوق الإنسان، وقبل كلِّ شيء فيما يتعلَّق بحقوق المرأة والأطفال؛ وعلى هذه القضايا يجب تركيز البحث. وأنا شخصيًا أعتقد أنَّ مسألة المساواة بين الجنسين يمكن أن تشكِّل بين الجمعيَّات الخيرية الإسلامية والجمعيَّات الخيرية الأخرى مادة قابلة للانفجار؛ وذلك لأنَّ الجمعيَّات الخيرية الإسلامية كثيرًا ما تكون محافظة إلى حدّ ما تجاه المساواة بين الجنسين. ولكن من ناحية أخرى يمكن لهذه الجمعيَّات العمل بشكل فعَّال جدًا في البلدان والمجتمعات المحافظة. وهناك إشكالية أخرى تكمن في الحرية الدينية، ولكن في هذا الصدد تبدو الخلافات أقلّ شدّة.
أجرت الحوار: مارتينا صبرا
ترجمة: رائد الباش
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2010
قنطرة
عولمة "الاغاثة الاسلامية":
منظمة عالمية ذات جذور اسلامية
تنشط منظمة "الاغاثة الاسلامية" في كل أنحاء العالم منظمة إسلامية خيرية صغيرة في بريطانيا بدأت مسيرتها بعشرين بنسا قبل أعوام. لكنها اليوم واحدة واحدة من أهم منظمات الإغاثة العالمية. إحسان مسعود يكتب عن التغيرات الحاصلة في خارطة المنظمات غير الحكومية في العالم.
قضايا اندماج المسلمين في ألمانيا:
أول مشروع للرعاية الروحية الإسلامية عبر الهاتف
بدأ في مطلع شهر سبتمبر/ أيلول الحالي في برلين، وبمشاركة عدد كبير من أئمة المساجد، تنفيذ أول برنامج للرعاية الروحية الإسلامية عبر الهاتف بهدف تقديم المشورة ويد العون لمسلمي ألمانيا ومساعدتهم في مواجهة مشاكلهم اليومية. ماري فيلدرمان تعرفنا بهذا المشروع.
الجمعيات الإسلامية في ألمانيا:
المطالبة بمزيد من الديمقراطية والشفافية
كيف يتسنى للمسلمين في ألمانيا مستقبلا أن يجعلوا نظامهم أكثر ديمقراطية وشفافية وأن ينضموا تحت راية مسؤول واحد؟ يطالب أيمن أ. مزيك، رئيس تحرير موقع والمتحدث السابق باسم المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، بإعادة تشكيل بنية التنظيمات الإسلامية في ألمانيا حتى تتمكن من التعامل مع الحكومة والمجتمع الألمانيين.