الجبهة الأمامية

في سنة 2003 أنجز المخرج السينمائي الأفغاني صدّيق بارماك شريط "أسامة"، وهو أول فيلم روائي أفغاني عرفه العالم بعد انتهاء حكم الطالبان. وقد حصد شريط "أسامة" العديد من الجوائز العالمية. كما سجل بداية عودة الثقافة الأفغانية إلى الساحة العالمية. والآن قد انتهى بارماك من تصوير فيلم روائي جديد بعنوان "حرب الأفيون". في كابول التقاه مارتين غيرنر.

عم يتحدث فيلمك الجديد؟

صديق بارماك: جنديان أميركيان ينجوان من الموت على إثر سقوط طائرة مروحية في أفغانستان. يلتقي الجنديان بعائلة أفغانية قد فقدت حقولها. وكانت تزرع الخشخاش رغما عنها.

أية صعوبات تعترض من يريد تصوير فيلم عن هذا الموضوع في أفغانستان؟

بارماك: أردنا أن نقوم بزراعة حقل من الخشخاش لغرض تصوير الفيلم. لكن كان علينا بطبيعة الحال أن نحصل على ترخيص من الحكومة الأفغانية وقوات الإيساف والجيش الأميركي. وأثناء التصوير بدأ الزرع يجف في الحقول، ثم انتهينا بأن أضرمنا فيها النار.

وفي ما عدا ذلك فإن الفيلم لا يتخذ موقفا في مسألة مكافحة المخدرات في أفغانستان، حتى وإن كانت هناك حرب أفيون متأججة في أفغانستان وتنجر عنها، كما عن كل حرب، ضحايا كثيرة. وأنا على أية حال لا يشغلني في هذا الفيلم موضوع الحرب في أفغانستان فقط. بل أحاول أن أظهر أية مأساة هي الحرب بصفة عامة، وكيف يكون حال كل ضحية في هذه الحرب، سواء أكان أفغانيا أم أميركيا.

لكن الحكومة الأفغانية واقعة تحت ضغوطات عالمية بسبب زراعة الأفيون. ألا يمثل اتخاذ هذه المسألة موضوعا للفيلم موقفا في حد ذاته؟

بارماك: إنه من السهل أن نوجه أصابع الاتهام إلى أحد بعينه. لكن إذا كان الغرب يستنكر وينبذ زراعة الأفيون في أفغانستان فسيكون عليه أن يتوقف عن اشتراء المخدرات. إذ أين توجد سوق هذه الخدرات بالنهاية؟ كما أريد بالمناسبة نفسها إثارة موضوع يدفع إلى التفكير حول جيل الشباب في الغرب ومشاكله الاجتماعية.

وفي ما عدا مشاكل المجتمع الغربي؟

بارماك: لعله من القسوة بمكان أن أعبر عن هذا، لكنني على قناعة بأننا نتحرك باتجاه النهاية. إنه فيلم متشائم، ربما من أجل رجّ وعينا المتقاعس. تقريبا مثلما يفعل طبيب يهيء مريضه في ما هو يعلن له عن حقيقة مرة.

إذًا أنت لا ترى في الأفق أي مستقبل لبلادك؟

بارماك: لست متأكدا من أنه سيكون لأفغانستان مستقبل أفضل أم لا. فالمجموعة الدولية حاضرة حضورا مكثفا هنا، وفي الوقت نفسه هناك اقتتال بين مختلف أجهزة المخابرات. والأميركيون لا يمثلون في هذا الفيلم سوى رمز لمجمل المجموعة الدولية المتواجدة في أفغانستان.

هناك على أية حال جهود عالمية هائلة لإعادة بناء البلاد.

بارماك: كنا نعتقد أنه بعد القضاء على حكم الطالبان سيكون للحكومة والمجموعة الدولية مخطط دقيق لإعادة البناء. وقد ادعى الكثير من الأجانب، سواء من الأميركيين أو الأوروبيين، بأنهم خبراء في الشأن الأفغاني. لكنه اتضح أنه ليست لديهم توجيهات جيدة يمكن أن يقدموها للناس هنا. وهم لا يعرفون أفغانستان، ويفتقرون إلى كل معرفة أساسية حول البلاد. فأفغانستان تختلف عن البوسنة أو تيمور الشرقية. أفغانستان دولة مكونة من مجموعات إثنية متعددة، ولغات عديدة وتقاليد متنوعة.

هل هذا أيضا هو السبب الذي يجعل حركة الطالبان تحظى بمثل هذا الحضوري الجماهيري؟ أم أن الأمر يعود بالأحرى إلى أسباب سياسية في المقام الأول؟

بارماك: هناك طبعا الكثير من عناصر الطالبان ممن يخدمون الشأن الباكستاني. لكن هناك أيضا جزء هام من المواطنين العاديين الذين يصنفهم الناس كطالبان. هناك العاطلون عن العمل مثلا، ومجاهدون من فترة الحرب ضد الاتحاد السوفياتي. الكثير منهم قد جردوا من السلاح، وهم يعيشون الآن دون أي مورد رزق. لنأخذ مثلا جنرالا من الجيش كانت له في وقت ما سلطة شخصية، والآن نراه يبيع البطاطس في الشارع. على المرء أن يبحث عن إمكانية لتدبر عمل في أقرب ما يمكن من الآجال لمثل هؤلاء الناس.

ثم هناك الاقتحامات الدائمة للبيوت والتفتيشات التي يقوم بها العساكر الأميركان. وفي أغلب الأحيان تتم هذه التفتيشات دون أي اعتبار لتقاليد وثقافة تلك العائلات. أمس حدثني رجل من القاطنين على الطريق الرابطة بين قندهار المدينة والمطار عن ابنته. عندما مر الأميركيون قبل خمس سنوات من أمام بيته هرعت إبنته إلى الطريق وهي تلوح بيدها تحيي الأميركيين. أما اليوم فلم تعد تلوح بيدها باتجاههم، بل تقذفهم بالحجارة.

هل لأفغانستان والمجموعة الدولية قدرة ما بالنهاية على حل مشكلة الأفيون؟

بارماك: هناك إحصائيات حالية تفيد بأن مليون ونصف مليون من الأفغان يتناولون مخدرات. العديد منهم قد فقدوا كل أمل، وبخاصة أولئك الذين ينتمون إلى الجيل الذي كافح ضد الاتحاد السوفياتي في ما مضى. كان هؤلاء يعلقون آمالا على مكافأة ما بعد الانتصار على السوفيات. غير أن بناء طريق تربط بين كابول وقندهار لا يمكن على أية حال أن تكون ما كانوا ينتظرونه من مكافأة. لقد دفع كل منهم ثمنا باهظا: مليونان ونصف قد فقدوا حياتهم في هذه الحرب.

والذين ما يزالون على قيد الحياة منهم كان عليهم أن يدفعوا ثمنا مضاعفا بمعاناتهم من شتى المخلفات الجسدية والنفسية. غير أن هؤلاء كانوا قد تصدوا للزحف الشيوعي وأوقفوه. ولم يكن ذلك أمرا هاما بالنسبة لأفغانستان وحدها. فأفغانستان لم تكن سوى الجبهة الأمامية في الصراع ضد الشيوعية عامة. وقد استفاد الجميع من ذلك. فأنا على قناعة بأن ألمانيا قد تمكنت من استعادة وحدتها لأن أفغانستان انتصرت على الاتحاد السوفياتي. وقد استفادت من ذلك الولايات المتحدة أيضا. إذ، لو أنه كتب لروسيا التغلب على أفغانستان وإلحاقها لتمكن السوفيات من الزحف حتى المحيط الهندي. أعتقد أن العالم قد نسي هذه المعطيات التاريخية. ولعل النسيان مجرد أمر إنساني. لكنه مشكلة.

أجرى الحوار مارتين غيرنر
ترجمة علي مصباح