موسيقى القوَّالي...عالم من الموسيقى الدينية والدنيوية

يعد المنشد الصوفي الفنَّان فايز علي فايز الذي ينحدر من مدينة شرقبور الباكستانية رائد موسيقى القوَّالي الصوفية الكلاسيكية وكذلك خليفة للموسيقار الكبير نصرت فاتح علي خان، إذ يمارس فنَّ موسيقى القوَّالي الروحية المتوارثة عن الأجداد منذ سبعمائة عام. شتيفان فرانتسن أجرى معه الحوار التالي.

الفنَّان فايز علي فايز، تنتشر الموسيقى الصوفية انتشارًا واسعًا في جميع أنحاء العالم الإسلامي، من السنغال وحتى إندونيسيا. فماذا ستقول للمهتمِّين الأوروبيين حول خصائص الموسيقى الصوفية الباكستانية، أي موسيقى القوَّالي؟

فايز علي فايز: موسيقى القوَّالي الصوفية نشأت قبل سبعمائة عام، وذلك عندما جاء بعض العلماء والأولياء المسلمين إلى شبه القارة الهندية. ويتم أداء هذه الموسيقى في غناء جماعي، ونرافقه بعزف على آلتي أرغن وآلات إيقاعية، ونقوم بالإضافة إلى ذلك بالتصفيق حسب الإيقاع ونحن نغنِّي. والنصوص التي نغنِّيها تمجِّد الأولياء الصوفيين والأنبياء. وكذلك ترتبط دائمًا طبيعة هذه الموسيقى وإلى حدّ كبير برأي المستمعين وشعورهم، فموسيقى القوَّالي لها ميِّزات دينية وكذلك دنيوية. وهذه الموسيقى بدأت في دور العبادة، ولكن يتم عزفها في يومنا هذا أيضًا في صالات الحفلات الموسيقية. ولكن بغضّ النظر عمَّا إذا كانت الكلمات دنيوية أو دينية، فرسالة موسيقى القوَّالي هي دائمًا الحبّ.

يحاول الصوفيون من خلال الموسيقى الوصول إلى حالة النشوة، إلى وحدة مع الذات العليا. فكيف يتم هذا؟

فايز: نحن نستخدم في أثناء الغناء تصفيقًا إيقاعيًا مستمرًا وآلات إيقاعية، ونبتكر بذلك حلقة دائرية ونكرِّر من دون انقطاع كلمات مقدَّسة وبعض الأبيات من الشعر الصوفي. ويتم توجيه هذه الكلمات المقدَّسة بصورة مباشرة إلى المستمعين، الذين تتم دعوتهم إلى مرافقتنا نحن الموسيقيين في الدخول إلى حالة نشوة.

كثيرًا ما يتم في الأبيات الشعرية التعبير عن الشوق إلى معشوقة أو معشوق وعن الشعور باليأس بسبب البعد عن هذا الشخص. فكيف نشأ هذا التوتّر الفريد من نوعه بين الحبّ الدنيوي والحبّ الإلهي؟

فايز: يتوجَّه الصوفيون أحيانًا بصورة مباشرة إلى الله، بيد أنَّهم يستخدمون أيضًا في بعض الأحيان تعبيرات مجازية. وفي آخر المطاف يكون المقصود دائمًا هو الله، إمَّا بالاسم أو بين السطور. وهذا يتوقف أيضًا على المستمعين الذين يجلسون أمامنا. وبإمكانهم اعتباره خطابًا موجهًا إلى إنسان محبوب، ولكن نصوص الشعر الصوفي الأصلية موجَّهة دائمًا إلى الله.

تعدّ المناطق التي يتم فيها غناء موسيقى القوَّالي في يومنا هذا من أخطر المناطق في العالم، وتعتبر الحركات الأصولية المتطرِّفة هناك قوية جدًا. فهل يمكن أن تساهم موسيقى القوَّالي في نقل صورة سلمية عن الإسلام؟

فايز: القوَّالي هي أفضل وسيلة على الإطلاق من أجل الدعوة إلى التعايش السلمي بين الناس، إذا تم منحها في وسط كلِّ هذه الصراعات فرصة ومجالاً للتعبير عن ذاتها. وهذه الموسيقى يمكن أن تجعل الناس لطفاء. وموسيقى القوَّالي تدخل مباشرة قلوب الناس، عندما نعزف أو نلقي الشعر. وهذه الموسيقى لا تنشر أي شكل من أشكال الإهانات أو التهديدات.

كثيرًا ما يتم وصفك بلقب خليفة مغنِّي القوَّالي الكبير، نصرت فاتح علي خان الذي توفي في عام 1997. فهل تعتبر هذا اللقب تكريمًا لك، أم أنَّك تبتعد عنه من خلال أسلوبك الخاص في أداء القوَّالي، من خلال اتِّباعك مدرسة مختلفة؟

فايز: عندما أطلقت فرقة القوَّالي الخاصة بي، كان التأثير الكبير لنصرت فاتح علي خان واضحًا جدًا. وبالإضافة إلى ذلك لقد تعلَّمت أيضًا من أستاذ كان معاصرًا لأبيه.

كيف أصبحت تتعاون مع المسيقار تيتي روبين?

فايز: شركتي لإنتاج الإسطوانات "Accords Croisés" قدَّمتني إلى روبين. والتقينا في فرنسا، واستمعت إلى موسيقاه ولاحظت بعد قليل أنَّ فيها الكثير من اللمسات الشرقية. واعتقدت أنَّنا نستطيع جيدًا التعاون في إنجاز شيء ما. وجرَّبنا قواسمنا المشتركة في جلسة استغرقت نصف ساعة، ألقيت فيها بعض أبيات الشعر وكان هو يعزف. وبعد ذلك نقلنا هذا العمل مع فرقة القوَّالي الخاصة بي فوق خشبة المسرح، وقد أعجب الجمهور كثيرًا. وشجَّعنا هذا العمل على تحويله إلى مشروع كبير.

هل غيَّرت أسلوب العزف التقليدي في عملك المشترك مع روبين؟

فايز: تيتي روبين ألَّف الموسيقى وتبيَّن أنَّني لن أضطر إلى تغيير الكثير في أسلوبي التقليدي، من أجل الاشتراك في هذه المقطوعات الموسيقية. وفي هذه المعزوفات توجد بعض الفقرات التي حاولت فيها دمج تجديدات وتعديلات. وهذه الفقرات شبه كلاسيكية لكنها تظلّ دائمًا في أسلوب القوَّالي.

لقد شاركت قبل خمسة أعوام في برنامج عابر للثقافات (مشروع قوالي-فلامنكو)، وبالإضافة إلى ذلك شاركت في الغناء مع عازفي ترانيم أمريكيين. فهل تنسجم موسيقى القوَّالي جيدًا مع الثقافات الأخرى؟

فايز: الموسيقيون الروحيون أوجدوا موسيقى القوَّالي قبل سبعمائة عام، ووضعوا هذا الأسلوب بحيث يكون قادرًا على استيعاب الأنواع الأخرى واستساغتها. ونحن نستطيع دمج الموسيقى شبه الكلاسيكية من شمال الهند، والتهمري، وأناشيد الشعر الصوفي التي يطلق عليها اسم الكافي أو حتى شعر الغزل في موسيقى القوَّالي. ولهذا السبب إنَّ هذا الفن خُلق أكثر من غيره من الأساليب الأخرى في شبه القارة الهندية ليلعب دورًا كبيرًا ضمن سياق الموسيقى العالمية. وفي ذلك تصبح اللغة ثانوية، مثلما أظهرت لي تجربتي في التعاون مع موسيقيين عالميين. فأنا لا أتكَّلم لغة عازفي الفلامنكو، ولا أتكلم أيضًا لغة تيري روبين. غير أنَّنا نتفاهم جيدًا من خلال الموسيقى.

أجرى الحوار: شتيفان فرانتسن
ترجمة: رائد الباش
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2010

قنطرة

مهرجان فاس الدولي للموسيقى الروحية:
سَفَرُ الروح ... من اللغز إلى الكشف
يقام في مدينة فاس المغربية منذ عام 1994 مهرجان دولي للموسيقى الروحية. ومنذ عامنا هذا لم يعد يُسمع في هذا المهرجان إيقاع الأناشيد الإسلامية واليهودية والمسيحية وحسب، بل أيضا الأناشيد والموسيقى البوذية والهندوسية. ديتليف لانغر قام بزيارة ميدانية لهذا المهرجان.

في وفاة الشيخ حمزة شكّور:
سيد الإنشاد الصوفي
في الرابع من فبراير/شباط من العام الجاري توفي في دمشق عن خمسة وستين عاماً الشيخ حمزة شكَور، أحد أشهر المنشدين الصوفيين في الموسيقى العربية. سليمان توفيق يحتفي بالمطرب المتوفى ويتوقف أمام أهم محطات حياته.

التصوف الإسلامي:
الإسلام المبسط؟
درويش مصري في عرض في القلعة في القاهرة يحظى التصوف الإسلامي بشعبية كبيرة في الغرب، وفي ألمانيا أيضا. ويبدو أن أحد أسباب ذلك هو الظن بأن الصوفية تختلف عن الإسلام المحافظ. لكن هذا الظن لا يتمتع بالصحة الكاملة كما تراه كاتبة المقال انغا غيباور