تنظيم القاعدة يعتمد في أوروبا على "الذئاب المنفردة"
- سيد شتاينبيرغ، يعتبر كتابك أول حصر شامل من نوعه للإرهاب الإسلاموي في ألمانيا. لكن هناك مئات من هذه الكتب في الولايات المتحدة وعشرات أيضاً في دول أخرى حول الإرهاب في هذه الدول. ما سبب ذلك؟
غيدو شتاينبيرغ: جزء من السبب هو أن المشهد الجهادي في ألمانيا بدأ في التطور منذ سنة 2006. بالطبع، كانت هناك "خلية هامبورغ"، التي ضمت العقل المدبر والطيارين الذين نفذوا هجمات الحادي عشر من سبتمبر، إلا أنهم كانوا جميعاً أجانب جاؤوا إلى ألمانيا للدراسة وقد تطبعوا بطبائع مجتمعاتهم الأصلية، كالإمارات العربية المتحدة ومصر ولبنان. لكن ظهور مشهد جهادي ألماني حقيقي حدث لأول مرة سنة 2005، عندما انضم أكراد وأتراك وألمان اعتنقوا الإسلام إلى صفوفه.
- يقول مراقبون خارجيون إن ألمانيا هي إحدى القوى الغربية الرئيسية التي لم تتعرض حتى الآن لهجمات إرهابية إسلاموية...
غيدو شتاينبيرغ: لقد حدث في ألمانيا هجوم قام به شخص كان يعمل على ما يبدو لوحده، كذئب فردي. ففي سنة 2011 قام هذا الشخص بقتل عنصرين من الجيش الأمريكي في مطار فرانكفورت. وقد كانت هناك في ألمانيا مخططات أكبر بكثير من ذلك، لكنها أحبطت.
لقد لعب الجهاديون الألمان دوراً مهماً في الشبكات الدولية والهجمات، ومن بينها هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وقد كانت لهم أهمية كبيرة في الاستراتيجيات الجديدة التي تبناها تنظيم القاعدة بدءاً من عام 2010، وعلى الأخص ما يسمى بالمخطط الأوروبي، الذي تضمن إرسال مجندين أوروبيين لبناء هياكل جديدة وتنفيذ اعتداءات في ألمانيا ودول أخرى. قد يكون ذلك أحد آخر جهود تنظيم القاعدة المركزي كي ينجو كمنظمة إرهابية فاعلة. لكن بالمجمل، أعتقد أن المشهد الجهادي الألماني استهين به إلى وقت قريب مؤخرا.
- ورغم ذلك لم تكن هناك هجمات مشابهة للحادي عشر من سبتمبر أو تفجيرات لندن ومدريد. هل يعود ذلك إلى قدرات أجهزة المخابرات الألمانية؟
غيدو شتاينبيرغ: على العكس! فرغم أن أجهزة المخابرات الألمانية ليست بالسوء الذي يظنه البعض، إلا أنها لا تضاهي أجهزة المخابرات الفرنسية أو البريطانية أو الأمريكية. حين وقعت هجمات الحادي عشر من سبتمبر اقتصرت الأهداف على الولايات المتحدة وحلفائها فقط. أما ألمانيا، فقد جُنّبت الهجمات لفترة قصيرة بعد سنة 2003 لأنها لم تشارك في حرب العراق، التي كانت العامل الأهم للتطرف والسبب البارز لتفجيرات لندن سنة 2005 ومدريد سنة 2004.
لقد ظن الألمان أنهم لن يتعرضوا لمثل هذه الهجمات، إلا أن التواجد العسكري الألماني في أفغانستان أصبح أكثر وضوحاً للجهاديين سنة 2006 بسبب تصعيد حركة طالبان لتمردها. وعندما اتسع نطاق هذا التمرد، زادت أهمية التواجد العسكري الألماني، الأمر الذي دفع مزيداً من الألمان للانضمام إلى المنظمات الجهادية في باكستان وأفغانستان. كما أدركت تلك المنظمات أن هناك تواجداً عسكرياً كبيراً للألمان في أفغانستان، وعندها بدأت القاعدة والمنظمات المنتمية إليها باستهداف ألمانيا.
- تشير في كتابك إلى أن المعلومات التي جمعتها الولايات المتحدة عبر وكالة الأمن القومي هي التي نبهت أجهزة المخابرات الألمانية إلى أخطر مخطط لمهاجمة ألمانيا، الذي دبرت له سنة 2007 ما تعرف بـ"خلية زاوَرلاند". هل تم جمع هذه المعلومات من خلال "عملية بريزم"، وهو البرنامج التجسسي الإلكتروني الذي كشف عنه روبرت سنودن مؤخراً وسبب جدلاً واسعاً في أوروبا؟
غيدو شتاينبيرغ: لا أعلم ذلك، لأنني لم أسمع عن برنامج "بريزم" قبل أن يكشف سنودن عنه. لكن قال لي ضباط مخابرات إن المعلومات التي أدت إلى إحباط مخططات "خلية زاورلاند" تسلمها جهاز مخابراتنا الخارجي من وكالة الأمن القومي الأمريكية.
هذه المعلومة اكتسبت أهمية خاصة في ألمانيا حالياً، لأنها تعتبر مثالاً هاماً للغاية حول مدى إنقاذ النشاط المخابراتي الأمريكي، ربما من خلال برنامج "بريزم"، لحياة مواطنين ألمان. أعتقد أن الجمهور الألماني يميل إلى تجاهل مدى أهمية التعاون الأمريكي في السنوات الاثنتي عشرة الماضية. وهناك أكثر من حالة ساعد فيها هذا التعاون مع الولايات المتحدة أجهزة الأمن الألمانية على إحباط هجمات.
- بالإضافة إلى برامج التجسس الأمريكية، تثير الهجمات التي نُفذت في عهد جورج بوش وباراك أوباما باستخدام طائرات دون طيار جدلاً كبيراً في أوروبا أيضاً. هل أثرت هذه الهجمات على المشهد الجهادي في ألمانيا وأوروبا؟
غيدو شتاينبيرغ: لقد كان للهجمات من خلال طائرات دون طيار تأثير كبير على المشهد الجهادي الألماني. فقد وصل معظم الألمان إلى المناطق القبلية في باكستان سنة 2009، في الوقت الذي صعّد فيه أوباما من هذا النوع من الهجمات. وكنتيجة لذلك، قررت القاعدة إجلاء معظم مقاتليها من المنطقة بحلول سنة 2010 وأمرت بعض الأوروبيين بالعودة إلى أوطانهم وبناء هياكل جديدة وتنفيذ اعتداءات هناك. هذه الخطة عرفت باسم "المخطط الأوروبي". وباستثناء حالة واحدة، ألا وهو الهجوم الذي نفذه محمد مراح في فرنسا، تم إحباط جميع هذه الهجمات ووضع الكثير من الجهاديين الألمان خلف القضبان.
- منذ أن أنهيت كتابك، كان أكبر هجوم تم تنفيذه هو تفجيرات بوسطن بالولايات المتحدة. هل يعني هذا الهجوم أي شيء بالنسبة لأوروبا فيما يتعلق بطبيعة الجماعات الإرهابية وأنماط هجومها؟
غيدو شتاينبيرغ: هناك توجه نحو "الجهاد الفردي" في العالم الغربي منذ 2011. فعندما فشل "مخطط (القاعدة) الأوروبي" سنة 2011، قرر تنظيم القاعدة أن يعتمد على الذئاب المنفردة. وفي مقطع فيديو طويل شمل كل قادة التنظيم آنذاك، طلبت المنظمة من أعضائها تنفيذ اعتداءات دون القدوم إلى معسكرات التدريب في باكستان، وهذا تغير كبير في استراتيجية القاعدة ناجم عن الضعف الذي حل بها بسبب هجمات الطائرات دون طيار. وكما رأينا في ربيع 2011، لبى بعض الأعضاء الغربيين نداء القاعدة ونفذوا هجمات في بوسطن ولندن وباريس.
- أهديتَ الكتاب إلى "جنودنا الذين سقطوا" في أفغانستان. ما الذي تعينه بذلك ولماذا اخترت أن تهدي هذا الكتاب إليهم؟
غيدو شتاينبيرغ: بالمجمل، قتل 54 جندياً غيدو ألمانياً في أفغانستان بين سنتي 2001 و2014. لقد أهديت الكتاب لهم لأنني أعتز بتفانيهم في ضمان أمن بلادهم، وهو أمر أعتقد أنه لم يحظَ بالاعتراف الكافي داخل ألمانيا.
بالإضافة إلى ذلك، أعتبر أن الكثير منهم ضحايا قرارات خاطئة لسياسات مكافحة الإرهاب في الغرب. لقد قمت بتحليل الوضع في منطقة قندز في أحد فصول الكتاب، ووصفت صعود الحركة الإسلامية في أوزباكستان.
أعتقد أنه من المأساوي أن يُقتل الكثير دون أن تحقق حكومتنا الحد الأدنى من أهداف حملتها في أفغانستان، ألا وهو الحد من أن تصبح مجدداً ملاذاً آمناً للمجموعات الجهادية.
- ما هو أصعب أوجه البحث والكتابة عن الإرهاب الإسلاموي في ألمانيا؟
غيدو شتاينبيرغ: اللغة هي أكبر مشكلة عملية. إذا نظرت إلى المشهد الجهادي الألماني سنة 2001 فستحتاج إلى لغتين: الألمانية والعربية. لقد كانت الشبكة آنذاك تتألف في أغلبها من العرب. لكن ذلك تغير عندما انضم الأتراك والأكراد سنة 2005 و2006. هذا يعني أنه يجب عليك أن تكون قادراً على قراءة النصوص التركية. بعد ذلك، انضم المزيد من المجندين إلى إحدى المجموعات الأوزبكية، سواء الحركة الإسلامية في أوزباكستان أو اتحاد الجهاد الإسلامي. لذلك فإن الأمر سيساعد لو كنت قادراً على قراءة تلك اللغة أيضاً، وهو ما لا أستطيعه.
هذا التأريخ للأحداث يعكس تطورات الحركة الجهادية بأكملها، ما يفسر العنوان الفرعي لكتابي وهو: "عالمية الإرهاب الإسلاموي". وعلى الرغم من أن المشهد الألماني صغير بالمقارنة مع الدول المجاورة لنا، مثل بريطانيا، إلا أنه يمكن قراءته كمثال على تطور الحركة بمجملها.
- ما هو مشروعك المقبل؟ هل كتاب "الجهاد الألماني - الجزء الثاني" حتمي الصدور؟
غيدو شتاينبيرغ: لا. مشروعي المقبل هو عمل أكبر عن السلطات الدينية في الشبكات الجهادية. هذا العمل سيكون عبارة عن مشروع للدراسات الإسلامية يحاول تحديد قدرة بعض الأشخاص في هذه الحركة على نسب سلطات دينية لأنفسهم. آمل أن أتمكن من خلال ذلك من الاطلاع عن كثب على تطور السلطة الدينية في الإسلام بشكل عام خلال القرن الحادي والعشرين.
حاوره: باول هوكينوس
ترجمة: ياسر أبو معيلق
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2013