حملات لإنقاذ ضحايا هذا الموروث الاجتماعي

على الرغم من الإدانة العالمية والنقد الحاد لختان الإناث، إلاَّ أنَّ عمليات الختان تجرى حتى في بلدان مثل ألمانيا، حيث يقدّر عدد النساء المتضررات من ذلك بثلاثين ألف امرأة. ريناته برنهارد رصدت هذه الظاهرة على خلفية حادثة مرّوعة وقعت في هامبورغ.

​​كانت طبيبة الأطفال التي تزاول عملها في مدينة هامبورغ يقظة وقد حاولت الحديث مع والدي مريضتها التي يبلغ عمرها عامين. هذه الطفلة تحمل الجنسية الألمانية، بيد أنَّ أصول والديها تعود إلى غامبيا - البلد الذي تصل فيه نسبة النساء المتضررات من الختان وتشويه أعضائهن التناسلية إلى نحو تسعين في المائة ولا يتم فيه منع هذه الممارسة، بل يتم تبنيها حتى من قبل الحكومة.

علمت الطبيبة من الأم أنَّها قد خضعت في طفولتها لهذه الطقوس التقليدية وأنَّها كانت تعتبر الختان واجبًا إسلاميًا يجب عليها تطبيقه أيضًا على ابنتها. أما أنَّ الإسلام لا يدعو على الإطلاق إلى ختان النساء وتشويه أعضائهن التناسلية فهذا ما لم تكن تعرفه الأم.

فريق عمل للوقاية من الختان

أثار ذلك قلق طبيبة الأطفال التي راحت تستشير وتبحث عمن يساعدها وفي آخر المطاف وجدت الرعاية لدى "فريق عمل خاص بالوقاية الفعالة من الختان" يقع مقره في مدينة هامبورغ. شارك هذا الفريق الطبيبة همها وبحث معها مسألة واجب كتمان أسرار المرضى.

"أكّدت لنا نقابة الأطباء المحلية أنَّه من الممكن جدًا للأطباء خرق التعليمات التي تَفرض عليهم كتمان أسرار المرضى، وذلك في حال وجود خطر يهدّد ملكية يحميها القانون، المقصود بهذه الملكية هو سلامة الطفلة"، حسب قول إينيس لاوفر، العاملة في فريق الوقاية من الختان.

وعندما قامت أسرة الطفلة بزيارة الطبيبة، بغية فحص الطفلة لغرض السفر إلى غامبيا، سارعت الطبيبة إلى إبلاغ دائرة رعاية الشبيبة في منطقة شمال هامبورغ.

قامت إينيس لاوفر من جانبها بإبلاغ المعنيين هناك عن عمليات ختان الفتيات وتشويه أعضائهن التناسلية في غامبيا، كما أبلغتهم أنَّه من الأفضل - طبقًا لحكم صدر عن المحكمة الألمانية الاتحادية في عام 2004 - حرمان والدي الطفلة من حقّهما في تحديد مكان إقامتهما ومنعهما من السفر إلى وطنهما، من أجل حماية هذه الطفلة المعرّضة للخطر.

غير أنَّ "القاضي الذي نظر في هذه القضية رأى أنَّ الخطر المحدق بهذه الطفلة غير مؤكد"، حسب قول بيتر هانزن، الناطق الرسمي لبلدية شمال هامبورغ. كان والدا الطفلة سينكران أثناء الحديث معهما أنَّهما كانا يريدان تشويه ابنتهما.

لقد تم إذن منح والدي الطفلة حقهما في تحديد مكان إقامتهما. وهكذا سافرا مع الطفلة إلى خارج ألمانيا؛ حيث لا يزال مصير هذه الطفلة مجهولاً حتى يومنا هذا.

تقول إينيس لاوفر متحمسة: "ياترى من كان سيتحرى الصدق ويعترف بأنَّه يخطّط لاقتراف جريمة؟ وفي كلّ جريمة أخرى لن يكون ذلك كافيًا من أجل إغلاق ملف قضية ما".

المطالبة بتحسن حماية الضحايا

أسست إينيس لاوفر في شهر شباط/فبراير 2007 "فريق عمل خاص بالوقاية الفعالة من الختان"، بعدما ضاقت ذرعًا بكون عمليات ختان الفتيات وتشويه أعضائهن التناسلية صارت أمرًا معروفًا وتكتب عنه التقارير منذ ثلاثين عامًا ويمارس أيضًا في ألمانيا، لكن من دون أن يتم حتى الآن القبض على الجناة.

​​يطالب هذا الفريق بإجراء تغيير في وجه النظر، إذ لا بد من أن تحتل حماية الضحايا مكان الصدارة، وليس السؤال عن كيفية الوصول إلى الجناة وربما إمكانية إقناعهم بالعدول عن هذا العمل. "تثبت الأبحاث والدراسات التي أجريت في بلدان أوروبية أخرى أنَّ ما بين خمسة وثلاثين في المائة وثمانين في المائة من الفتيات المعرضات لخطر الختان يقعن في الواقع ضحايا للختان"، حسب قول إينيس لاوفر.

لكن حتى الآن لا توجد في ألمانيا إجراءات حماية حقيقية للضحايا. تقول إينيس لاوفر: "إنَّ الحكومة الألمانية تقصّر هنا في أداء واجب تأمينها الحماية لمحتاجيها. في حين يجب عليها أن تعمل على تطبيق الحق الأساسي في الحياة وسلامة الجسد أيضًا على أطفال المهاجرين المقيمين هنا. وإلاَّ فإنَّ هذا يعتبر تمييزًا".

لذلك يطالب فريق العمل هذا بأن يتم بشكل دوري فحص الفتيات اللواتي ينتمين "لمجموعة معرضة للخطر، لكي ينشأ هنا في آخر الأمر جيل غير مشوّه". إذ تظهر التجارب التي نفذت في فرنسا أنَّه لم تقع حالات تشويه طالما يتم إجراء فحوصات.

الأرقام الحقيقية أعلى بكثير من الأرقام الرسمية

تقدّر منظمة الدفاع عن حقوق الإنسان والمرأة، "أرض النساء" Terre des Femmes التي تلقي الضوء منذ ثلاثين عامًا على هذا الموضوع عدد النساء المعرّضات لخطر الختان في ألمانيا بنحو أربعة آلاف فتاة ومجموع المتضررات بحوالي ثلاثين ألف امرأة. تقول المتحدّثة باسم المنظمة، فرانسيسكا غروبر:"لكن لا شكّ في أنَّ الأرقام الحقيقية أعلى من ذلك بكثير"، إذ إنَّ الإحصاءات لا تشمل المقيمين في ألمانيا بصورة غير شرعية، بالإضافة إلى النساء الأفريقيات اللواتي يحملن الجنسية الألمانية وكذلك الضحايا القادمات من دول غير أفريقية، مثل الفتيات الكرديات القادمات من العراق. إينيس لاوفر من "فريق العمل الخاص بالوقاية الفعالة من الختان" تقدّر عدد المتضررات الحقيقي في ألمانيا بثلاثين ألف امرأة.

أجرت منظمة اليونيسيف ومنظمة "أرض النساء" ونقابة أطباء الأمراض النسائية استطلاعًا لآراء 493 طبيبًا نسائيًا ألمانيًا؛ يثبت هذا الاستطلاع بطريقة أخرى حجم الخطر المحدق بالفتيات: فقد ذكر خمسة وثلاثون طبيبًا أنَّهم عرفوا أنَّ لديهم مريضات كن يردن ختان بناتهن في أرض الوطن. كما ذكر 48 طبيبًا منهم أنَّهم سمعوا بأنَّ عمليات الختان تجرى أيضًا في ألمانيا. وذكر ثلاثة منهم أنَّهم سئلوا عما إذا كان بإمكانهم إجراء عمليات الختان.

كذلك يجري تداول أسعار محددة لعمليات الختان في أوساط أفريقية. فهكذا يذكر الطبيب الدكتور السوداني عبد القينوم من الاتحاد الألماني الأفريقي للأطباء أنَّه قد عُرض عليه مبلغ عشرة آلاف يورو من أجل القيام بختان طفلتين. يقول الدكتور عبد القينوم إنَّ النساء اللواتي يقمن بإجراء عمليات الختان ويتم إحضارهن إلى ألمانيا من أجل ختان العديد من الفتيات في نفس الوقت، يحصلن لقاء ذلك على ألفي يوري.

ريناته برنهارد
ترجمة: رائد الباش
حقوق الطبع: قنطرة 2008

قنطرة

واقع أليم
حقوق المرأة في القارة الإفريقية
الواقع القاسي لا يخفى على أحد: تعاني ملايين النساء في أفريقيا من الفقر والاستغلال والكبت – أكثر من الرجال. وهن آخر من تحصلن على الرعاية الصحية والتغذية والتعليم. خاصة إذا تعلق الأمر بتحقيق تصوراتهن الذاتية حول الحياة الجنسية والأطفال والأسرة. فهل يتغير كل هذا الآن؟ تقرير بقلم مونيكا هوغن من الدويتشه فيلله

الأستاذة في جامعة أحفاد عواطف العقيد:
ملكية الأرض وختان البنات من أبرز مشاكل المرأة في السودان
عواطف العقيد امرأة سودانية تكافح في موطنها من أجل حقوق المرأة والحوار بين الأديان. مونيكا هوغن تعرض السيرة الذاتية والمهنية غير المألوفة لهذه المرأة الإفريقية.

مؤتمر في الأزهر بمشاركة منظمة إنسانية ألمانية:
"مؤتمر العلماء العالمي نحو حظر انتهاك جسد المرأة "
لأول مرة قام مفتي الجمهورية المصرية برعاية مؤتمر دولي عن ختان الإناث. وحضرت المؤتمر شخصيات دينية تتمتع بنفوذ كبير، وخرج المشاركون بالعديد من التوصيات ولكنهم لم يتفقوا إصدار فتوى تحرم الختان. تقرير نيللي يوسف