الرؤية العيانية ام الحسابات الفلكية؟
قبل بداية رمضان شهر الصوم بفترة طويلة يبدأ فقهاء المسلمين في جميع أنحاء العالم بمناقشة أدق الوسائل والأساليب التي قد تساعد على رؤية هلال الشهر القادم. وحتى يمكننا فهم قضية بداية الأشهر الهجرية – بما في ذلك شهر رمضان – فمن الضروري الإلمام بالعلاقة المتشابكة بين طرق التأويل في الشريعة الاسلامية والنفوذ الذي تمارسه بعض المنظمات والحكومات والفقهاء على وجه العموم.
الهلال في الشريعة الإسلامية
الشرط الوحيد المذكور في القرآن الكريم لبداية شهر رمضان هو رؤية الهلال الجديد. وحتى الآن كان معظم الفقهاء المسلمين متفقين فيما بينهم على أن رؤية الهلال العينية ضرورية، خاصة وأن كلمة "رؤية" مذكورة باللفظ في حديث يستشهد به كثيرا عن النبي محمد ويشير إلى أن تكون هذه الرؤية بالعين المجردة.
وهكذا فإن المسلمين مطالبون في جميع أنحاء العالم بتحري رؤية الهلال الجديد في التاسع والعشرين من كل شهر وإبلاغ الهيئات المختصة بذلك. وإذا لم يتمكنوا من رؤية الهلال الجديد في التاسع والعشرين فلا بد من إكمال الشهر الجاري ثلاثين يوما لتكون بداية الشهر الجديد في اليوم التالي.
وفي السنوات الأخيرة بدأت أهمية الطرق والحسابات الفلكية لتحديد بداية الشهر الجديد، وقام كثير من الفقهاء والمنظمات والحكومات بقبول هذه الطرق.
الحسابات الفلكية
إن الحسابات الفلكية الحديثة يمكنها تحديد بداية الهلال الجديد تحديدا دقيقا ولسنوات عديدة مقبلة عندما يكون القمر في زاوية صفر من الشمس وتتعذر رؤيته.
كما أن الرؤية الحقيقية للهلال الجديد (الذي يمكن رؤيته بمساعدة التلسكوب بعد 13 ساعة ونصف إذا كان القمر في زاوية بين 7,2 إلى 8,5 درجة من الشمس) يصعب تحديدها بدقة خاصة لأن تلك الرؤية تتعلق باختلاف التوقيت اليومي وطبيعة الظروف الجوية وشفافية الهواء.
وحتى الآن لم تؤد الدقة المتناهية لتلك التنبؤات إلى اعتراف جميع الفقهاء بالحساب الفلكي وترك الرؤية العينية. وإليكم الأراء الثلاثة السائدة في هذا الجدل:
- يرفض الرأي الأول الأخذ بالحساب الفلكي رفضا باتا ويعمل بقاعدة الرؤية العينية
- يقبل الرأي الثاني الأخذ بالحساب الفلكي ليكون بمثابة قاعدة للرؤية العينية
- والرأي الثالث يقول بأن الحساب الفلكي والتقويم التجريبي يكفيان للتأكد من إمكانية رؤية الهلال.
وحتى نتمكن من فهم اختلاف الأراء والمناهج فلا بد لنا من مراعاة المبدأين الفقهيين التاليين:
- مبدأ الرؤية العامة: ومعناه إذا ثبتت رؤية الهلال في أي بلد في العالم وجب على جميع المسلمين الإتباع وتكون بداية الصوم في اليوم التالي.
- مبدأ الرؤية المكانية: ومعناه أنه بناء على الإختلاف الفضائي والجغرافي فإن على كل جماعة أو منطقة مترابطة جغرافيا أن تأخذ برؤيتها الخاصة لبداية ونهاية شهر رمضان.
واقع حياة الناس قضى أن تكون هناك طرق أو توليفة مختلفة ناتجة عن الأراء والمعايير سابقة الذكر. ففي الغالب يكون موقف أصحاب الكلمة في العالم الإسلامي – الموقف الرسمي للحكومات والمنظمات المختلفة والفقهاء – هو الرأي الحاسم بالنسبة لمعظم المسلمين.
الدور القيادي للعربية السعودية
ولأن المملكة العربية السعودية تتمتع بمكانة عالية بناء على دورها كمهد للإسلام وحامية للمدينتين المقدستين في الإسلام فإن كثيرا من المسلمين في أنحاء العالم يتبعونها ويحذون حذوها. إلا أن مشاهير علماء الفلك المسلمين يرون أن المملكة العربية السعودية تخطئ منذ سنين في تحديد بداية شهر رمضان. حتى أن بعض الفقهاء السعوديين أمثال الشيخ العثيمين أيّدوا لهذا السبب الأخذ بمبدأ الرؤية المكانية خارج المملكة العربية السعودية.
وتستند المملكة العربية السعودية في ذلك على تقويم أم القرى، وهو وإن كان تقويما قمريا إلا أنه ليس إسلاميا ولا يتماشى مع مبدأ الرؤية العينية في استطلاع الهلال وانما يقوم على الإقتران والحسابات المسبقة. وهذا التقويم أعدّ فقط للخدمات المدنية وليس لتحديد الأعياد الدينية وبداية شهر الصوم، وهذا ما لا ينكره الجانب السعودي.
وعلى الرغم من أن السلطات السعودية قامت منذ عدة أعوام بتأسيس لجان خاصة لاستطلاع الهلال مكونة من فقهاء وعلماء فلك وأناس ليسوا من ذوي الخبرة، حيث يقوم هؤلاء في جميع أنحاء المملكة في التاسع والعشرين من شعبان باستطلاع هلال رمضان (وهم يعملون بمبدأ الرؤية المكانية)، إلا أن السلطات السعودية غالبا ما تتجاهل قرارات هذه اللجان، آخذة بدلا من ذلك بشهادة عوام الناس لتجعل بداية رمضان مناسبة لتقويم أم القرى حتى وإن تعارضت شهادتهم مع الحسابات الفلكية.
وفي هذا يكتب السيد خالد شوكت الفلكي الوثيق الصلة بـ"المشروع الإسلامي لرصد الأهلة" ويعمل أيضا مستشارا للفلك في "المجتمع الإسلامي بأمريكا الشمالية" قائلا إن السعوديين يبدأون أحيانا الصيام قبل رؤية الهلال الحقيقية بيومين.
إن أوثق وأدق الحسابات الفلكية لرصد الهلال هي التي يصدرها "المشروع الإسلامي لرصد الأهلة" و"جمعيه الفلك الاردنية" و "لجنة رصد الهلال على مستوى العالم". وأبحاث الخبراء في هذا المجال أمثال محمد عودة من الأردن والدكتور منظور أحمد من بريطانيا العظمى وخالد شوكت من الولايات المتحدة أو المهندس غيرهارد أحمد كاوفمان من ألمانيا – وهم جميعا أعضاء في "المشروع الإسلامي لرصد الأهلة" – تساعد الفقهاء والمنظمات التي تستخدم الحسابات الفلكية أو تعتمد عليها اعتمادا كليا.
رمضان في ألمانيا
وكما عليه الحال في كثير من البلدان الإسلامية توجد في ألمانيا جمعيات ومنظمات إسلامية محلية تتخذ من المملكة العربية السعودية قدوة لها، ومن ثَم فانها أقرت بدء رمضان هذا العام في الثالث والعشرين من سبتمبر / أيلول. وكانت المملكة العربية السعودية – بناء على رؤية غير منطقية من الناحية الفلكية - قد أعلنت بدء شهر رمضان عشية هذا اليوم.
وكانت "لجنة العلماء المسلمين الألمان لرصد الأهلة" المسماة "ديوان" والتي أسسها "المجلس الأعلى للمسلمين" قد أعلن أن بداية رمضان توافق الأحد الرابع والعشرين من سبتمبر / ايلول، وهذا ما يتفق تماما مع ما أعلنه المركز الأوروبي للإفتاء الذي يرأسه الفقيه يوسف القرضاوي.
الجاليات الإسلامية الكبيرة في ألمانيا حذت حذو "الديوان" وكذلك فعلت المنظمات الأعضاء فيه ومن بينها "المراكز الإسلامية" في مدينة آخن وميونخ. فقد اعتمد "الديوان" – حسبما ذكر المهندس أحمد كاوفمان - في قراره على التوفيق بين الحساب الفلكي ومبدأ الرؤية العامة. وبناء على هذا المبدأ كانت رؤية الهلال الجديد ممكنة في بعض مناطق العالم مساء السبت الموافق الثالث والعشرين من سبتمبر / أيلول.
ولكن المهندس/ أحمد كاوفمان يفضل مبدأ الرؤية المحلية على الرؤية العامة، وهذا ما كان يؤخر بداية رمضان يوما أي إلى الخامس والعشرين من سبتمبر / أيلول.
على الرغم من وجود الحسابات الفلكية إلا أن الخلاف مستمر حول الوسائل الدقيقة. وهذا يسبب مشكلة كبيرة للمسلمين المقيمين في بلاد غير إسلامية مثل الولايات المتحدة وأوروبا. فهؤلاء كانوا يتبعون – للحفاظ على وحدة المسلمين – المملكة العربية السعودية، أو يتبعون أوطانهم بناء على الارتباط العاطفي (وهو ما كان يتطابق في الغالب مع الحساب السعودي). والبعض الآخر يتبعون المنظمات الموجودة في البلدان التي يعيشون فيها والتي تحاول إلى حد ما توحيد المسلمين على المستوى القومي.
كرستيان لونن
ترجمة عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع قنطرة 2006
قنطرة
شهر رمضان خلف جدران عالية
مائة سجين مسلم يقضون عقوبتهم في سجن مدينة هايلبرون الألمانية، البعض منهم يأدون فريضة الصيام ويحصلون على مساعدة إدارة السجن ومتطوعين من الخارج. تقرير شتيفين فيلغر
www
(المشروع الإسلامي لرصد الأهلة باللغة الإنكليزية