نقاش حول العنف والجنس والمجتمع المثالي

للعام الثاني على التوالي يرفع معهد غوته الستار عن الحوار الذي نظمه بين أربعة من المثقفين الألمان وأربعة من أساتذة العلوم الإسلامية المصريين.توجه المشاركون إلى منطقة الواحات البحرية الواقعة في صحراء مصر ليناقشوا الهوية الإسلامية والحداثة. تقرير بقلم نيللي يوسف

للعام الثاني على التوالي يرفع معهد غوته الستار عن الحوار الذي نظمه بين أربعة من المثقفين الألمان وأربعة من أساتذة العلوم الإسلامية المصريين. فبعد الحوار الذي عقد في عام 2005 ودار حول الإسلام والغرب بصورة عامة، جاء هذا الحوار الجديد الذي توجه فيه المشاركون مرة أخرى إلى منطقة الواحات البحرية الواقعة في صحراء مصر ليناقشوا الهوية الإسلامية والحداثة بمعزل عن العالم الخارجي. تقرير بقلم نيللي يوسف

ميشائيل لودرز خبير في شؤون الشرق الأوسط تحدث عن حيرته فيما يتعلق بالدين الإسلامي، فهو لا يشك في أنه دين خير وسلام إلا أنه من وجهة نظر الكثيرين من الأوروبيين الذين لا يعرفون العالم العربي والإسلامي يرون أنه يرتكب باسم الإسلام أمور فظيعة.

ووجد أن الجانب المصري في الحوار يقول دائما إن الأوربيين لا يفهمون الإسلام وربما يكون هذا صحيح إلا أن ذلك يعني من وجهة نظره أن التفسيرات التي تأتي من العالم الإسلامي غير مقنعة أيضا، فهناك فجوة بين العالم الإسلامي المثالي والعالم الموجود حاليا على أرض الواقع ويقال عنه إسلامي.

وأكد أن الغرب سبب مشكلات عديدة للشرق وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية إلا أن ذلك لا يمكن أن يكون مبررا لعدم نقد المسلمين لأنفسهم. وعبر عن ضرورة أن يكون هناك حوار بين البسطاء وعامة الشعب من الجانبين وليس بين فئة السياسيين أو المثقفين فقط.

الحوار بفتح القلوب والعقول

فاضل سليمان داعية إسلامي في الدول الغربية وأحد أعضاء الأكاديمية المصرية للبحث العلمي في القرآن والسنة استشهد بالحديث النبوي الذي يقول "المؤمن مرآة أخيه"، مشيرا إلى أن الألمان أخوة للعرب، إن لم يكن في الدين ففي الإنسانية، ولكنه يرى: "أن هناك مشكلة تقابلنا دائما عندما نتحاور مع بعضنا البعض حيث يسير الحوار بصورة ناقصة بمعنى أن الألمان يسردون آيات من القرآن تبرر موقفهم ضدنا دون استكمال هذه الآيات لوضوح معناها الحقيقي."

واستنكر سليمان أن المصريين طرحوا أسئلة على الألمان ولم يحصلوا على أي إجابات، مثل سؤالهم عن مشكلات الفتيات الحوامل تحت سن ال15، ودعا إلى ضرورة أن يتقبل الغرب العرب بمشاكله مثلما يتقبله العرب.

ضرورة خروج العرب من القوقعة

وتناولت نيكولا تيتزي الباحثة في علم الاجتماع بمعهد هامبورغ للبحوث الاجتماعية الفرق بين المجتمعين المصري والألماني وخاصة فيما يتعلق بالمشكلات الاجتماعية مثل حمل الفتيات الصغار. فالمجتمع الألماني مجتمع منفتح يضع إحصائيات بمشكلاته على شبكة الإنترنت على عكس المجتمع المصري المنغلق.

​​وطالبت بضرورة حذو خطى المجتمع الألماني في ذلك، فلابد للهيئات والمؤسسات الحكومية المصرية أن تطرح مشكلات المجتمع بوضوح وأن تضع إحصائيات حتى تساعد في حلها والتعامل معها بشفافية ووضوح لأن هذه هي الديمقراطية التي يجب أن يتحلى بها العالم العربي.

إيفا فيلدمان فوتياشينا باحثة علمية في المجموعة البحثية حول الشباب وأوروبا في مركز البحوث السياسية التطبيقية أكدت أنه لا يمكن حصر المجتمع الألماني في مشكلات الفتيات الحوامل وإدمان الكحوليات بين الشباب كما يرى العرب والمسلمون وخاصة أن هناك مسلمين يعيشون في الدول الغربية ولم يدمنوا المخدرات أو الكحول ونجحوا في حياتهم ودراستهم هناك.

الكبت الجنسي في الشرق والحرية في الغرب

وهنا تدخل ميشائيل لودرز في الحوار مؤكدا أنه ليس نصف فتيات المجتمع الألماني يحملن تحت سن 15، فهذه الظاهرة موجودة لدى المصريات أيضا وحتى إذا كان الإسلام لا يقر ذلك إلا أن الشباب العربي والمسلم يعاني من كبت جنسي شديد وخاصة مع تأخر سن الزواج.

ورد فاضل سليمان على ذلك بأن المصريين بالفعل لديهم مشكلات يرى الغرب أن حلها يكمن في ترك الدين وإطلاق العلاقات بين الشباب من الجنسين دون ضوابط.

وفسر سليمان وجود هذه المشكلات أساسا بترك الناس للدين، مشيرا إلى أن الغرب أدخل الدين في علبة ويخرجه يوم الأحد من كل أسبوع عند ذهابه للكنيسة على عكس المسلمين الذين لا يتعارض دينهم مع حياتهم اليومية.

وأكد أن الألمان يطبقون الإسلام دون أن يدركوا، فالإسلام ليس لحية أو نقاب بل أن يكون الشخص دقيق ومخلص في عمله وهم يقومون بذلك.

ولكن الغرب، حسب قناعة فاضل سليمان، وصل لهذه الحقائق عبر التجربة والخطأ ولكن المسلمين جاءت لهم هذه الحقائق هدية في الإسلام ومع ذلك لم يطبقوها، معبرا عن استفادته العميقة من هذا الحوار الذي يعد بداية لسلسلة أخرى من الحوارات حيث أنه يعتقد أن الجانب المصري نجح في توصيل صوته للألمان الذين يدركون الآن أن المسلمين لديهم ثوابت ومتغيرات وأنهم يرحبون بالنصيحة وليس بالإملاء.

نعم للحوار ولا للإجبار

أما نهلة الحركي عضو مجلس إدارة جمعية "الوعاظ الإسلاميون" فأكدت أن الأديان السماوية كلها مبنية على قيم واحدة وأن الله خلق الناس مختلفين، "إلا أننا نرفض أن يفرض الآخر علينا نفسه ويحاول أن يصبنا في قالب من قوالبه".

وترى الحركي أن الألمان يتحدثون عن الحرية التي يفتقدها المسلمون ويقولون "أننا لابد أن نعطي أبناءنا الحرية المطلقة للتجربة مثلهم، ولكن الإسلام رسم لنا الطريق من خلال الحرية المسؤولة وهم يقلدوننا الآن، فهناك قوانين يطالبون بسنها في ألمانيا الآن مبنية على أسس إسلامية مثل قانون الفصل بين البنين والبنات في المدارس."

أحمد سعد إمام وخطيب مسجد وخريج جامعة الأزهر أكد أن العرب لابد أن يتعلموا من الألمان، ولكن هناك حلول لا تناسب المسلمين مثل الحرية الجنسية التي سينتج عنها أطفال لا يعرفون آبائهم يتعرضون للمشكلات النفسية والنبذ من المجتمع، مشيرا إلى ضرورة أن يؤسس الحوار على قاعدة هامة وهي قبول الآخر بمرجعياته وتجاربه.

وعبر عن رأيه في إن المجتمع الإسلامي المثالي ليس حلما بعيد المنال كما يرى الغرب بل هو قابل للتحقيق مثلما حدث في العصور الذهبية للإسلام قبل أن يتوقف المسلمون عن نقد أنفسهم وتحسين أحوالهم.

جدل حول مفهوم التسامح

إلا أن المناقشة ازدادت سخونة عندما تحدث الداعية الإسلامي صبري عبد الرؤؤف معبرا عن استعداد المسلمين للحوار ولكن ليس مع أناس تجهل الدين الإسلامي، ثم وجه كلامه للمشاركين الألمان قائلا:

" لماذا توجهون سهامكم للمجتمعات الإسلامية وتتهمونها بالتخلف والإرهاب وهناك حروب تشن على المجتمعات الإسلامية، فهل تجرؤ دولة غربية على شن حرب على دولة غربية مثلها! بالطبع لا! أما نحن فنواجه إساءة لرسول الإسلام مثلما فعل بابا الفاتيكان مؤخرا بالرغم من أننا نرفض الإساءة لأي رسول من الرسل ونعيش في تسامح، ولذلك نقول اتركونا وشأننا ووجهوا سهامكم لغيرنا".

إيفا فيلدمان فوتياشينا ردت بانفعال وقالت: "كيف تتحدثون عن التسامح و تقولون اتركونا نعيش في هدوء فهذا ليس مفهوم التسامح، فالتسامح لابد أن يكون وسيط مساعد عندما ندخل في صراع".

ردود الأفعال حول خطاب البابا

وتدخل أحمد سعد معبرا قائلا بأن المصريين اتفقوا مع الألمان على أن ما حدث من البابا بنيديكت السادس عشر كان اختيارا منه بعدم نشر ثقافة السلام، إلا أن الألمان يرون أيضا أنها تصب في نطاق الحرية الشخصية ويرون أن ردود أفعال العرب والمسلمين على الخطاب لم تكن حضارية:

"لكننا نقول أن الشرق يتعرض لحرب من الغرب يبلغ قمته الآن برعاية بوش والذي أدى لتأصيل كراهية ومقت شديد للغرب، ولذلك فالإساءة لرسول الإسلام لا يمكن التعامل معها بالتسامح لأن الغرب لم يكن نفسه متسامحا في سلوكه ضد المسلمين."

وعلق بعض الحاضرين على النقاش، وقالوا أنهم يرون أنه يخرج في كثير من الأحيان عن الحوار ليتحول إلى محاولة كل طرف مدح ذاته. فالجانب المصري يرى أنهم يعيشون حياة مثالية فاضلة والحقيقة أن هناك دور أيتام مليئة بأبناء الزنا وهناك دعارة مستترة، كما أن الأخلاق لا يمكن تلخيصها في مثل هذه الأمور "فنحن مجتمعات لا تحترم العمل ويشيع فيها الفساد والرشاوى".

كما أن المجتمع الألماني لا يخلو من العيوب أيضا وخاصة أنه جزء من الغرب الذي يرتكب باسم الدين أخطاء كبيرة مثلما حدث في أسبانيا من طرد للمسلمين واليهود وبالدين تم غزو العراق واحتلال فلسطين "فهم ليسوا أفضل ولا نحن أفضل. فالشرق ليس كله إرهاب والغرب ليس كله إباحية على حد تعبير الجمهور."

حماس الجانب المصري وهدوء الجانب الألماني

أما مترجم ومدير الحوار طارق عبد الباري الأستاذ بكلية الألسن - قسم لغة ألمانية فكشف لقنطرة عن انطباعاته عن الجانبين المصري والألماني.

فهو يرى أن المصريين قدموا الهوية الإسلامية بشكل محدد وثابت لأنهم انطلقوا من مفهوم واحد للهوية ومن هوية واحدة للإسلام وكان هذا هو محور الخلاف الجوهري بين الفكر المصري العربي والفكر الألماني حيث ينطلق الألمان من مفهوم تعددية الهوية.

كما اقتصر الطرح المصري لمفهوم الهوية على الجانب الإسلامي برغم وجود أبعاد تاريخية وحضارية لمصر مثل البعد القبطي والفرعوني وغيرهم. أما الطرف الألماني فأكد أنهم اتسموا كما هي عادتهم بالهدوء الذي يسمح بالتروي والتفكير قبل الإجابة وهي طبيعة غربية عكس الطبيعة الشرقية الحماسية.

فإذا سأل الغرب الشرق عن كيفية تبرير السلوك العدواني لبعض المسلمين يرد الشرق بأنهم لا يطبقون الإسلام الصحيح وإذا "سألنا نحن كشرق مجتمعاتنا عن سر تخلفنا يقولون لعدم تطبيق الإسلام الصحيح، فلا يمكن صب كل شيء في قالب الدين بل لابد أن نعترف بحاجتنا للثقافة ولعلاج غياب الديمقراطية والضعف الإعلامي وغياب المجتمع المدني".

"وقد اعترف الألمان في حوار الواحات بوجود ازدواجية في التعامل مع الشرق ولذلك لم تكن هناك فرصة لمهاجمتهم فهم يعترفون على الفور بأخطائهم."

وعن تقييمه للحوار أكد عبد الباري أنه حقق فوائد كثيرة أهمها أن المشاركين حاولوا إيجاد نقاط مشتركة بينهم وهذه تعد بداية لنقطة توضح للطرفين أين أقف أنا من الآخر و في أي شيء يختلف عني.

وأنهى عبد الباري حديثه مؤكدا أن الدين الإسلامي يعطي المسلمين حالة من الروحانية والاطمئنان النفسي لن يشعر بها الغرب الذي لا يقتنع سوى بالعقل ولذلك على المسلمين إقناع الآخرين مستخدمين لغة العقل ولذلك فهم يحتاجون للتعليم والثقافة.

نيللي يوسف
حقوق الطبع قنطرة 2006

قنطرة

نقاش ساخن في واحة مصرية هادئة
مبادرة جديدة وجريئة من نوعها قام بها معهد غوته بالقاهرة بتنظيمه للقاء استغرق ثلاثة أيام ضم ثمانية ألمان ومصريين متخصصين في مجالات اجتماعية مختلفة وذلك في منطقة الواحات البحرية التي تقع في الصحراء على بعد 360 كيلومتر جنوب غرب القاهرة حرصا على توفير أقصى قدر من الهدوء والخصوصية ليتفرغ المشتركون لمناقشة قضايا ساخنة حول نظرة الإسلام للغرب والعكس وليتبادلوا وجهات النظر المختلفة.

العنف بين الحداثة والدين
أصدر معهد العلاقات الخارجية دراسة تناولت موضوع العنف في الماضي والحاضر. تشكّل هذه الدراسة التي أعدها باحث ألماني وباحثان عربيان قاعدة للحوار بين المثقفين من الدول الغربية ومن الدول الإسلامية.

أخطاء البابا وأخطاء المسلمين
خطأ البابا بندكت السادس عشر خطأ متعدد الجوانب: خطأ في المضمون، في السياق، وفي الزمان، وفي المكان. وخطأ المسلمين في الرد على خطأ البابا خطأ مركب أيضا: خطأ في مضمون الرد، وفي الأسلوب، وفي رفع مستوى الرد، وثم عدم قبول الأسف البابوي، حسب رأي خالد حروب

www

معهد غوته في القاهرة