الرومانسية والحصار في عراق التسعينيات

عام 2018 صدرت ترجمة إنكليزية لأولى روايات شهد الراوي. رواية لاقت رواجاً وفيها تصوير مباشر لافت لحياة العراق في التسعينيات، بعناصر واقعية سحرية. مارسيا لينكس كويلي قرأت الكتاب لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: مارسيا لينكس كويلي

رواية شهد الرواي "ساعة بغداد" من أكثر الكتب مبيعاً في اللغة العربية حتى قبل أن تبلغ القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية [النسخة العربية لجائزة بوكر]، وهي واحدة من أكبر الجوائز الأدبية في المنطقة. نُشِرت هذه الرواية الأولى للرواي في عام 2016 وحققت بسرعة رواجاً كبيراً في العراق والإمارات العربية المتحدة، حيث تعيش الراوي الآن.

صدرت الترجمةُ الإنكليزية للمترجم لوك ليفغرين في أيار / مايو من عام 2018، وقد أُعلِن في الوقت ذاته تقريباً عن الفائز بالجائزة العالمية للرواية العربية لعام 2018. بحلول ذلك الوقت، أثارت رواية الراوي الأولى نقاشاً حاداً بين النقّاد والمعجبين حول ما إن كانت تنتمي لقائمة قصيرة لجائزة أدبية. إذ وجدها العديد من النقاد خفيفة وكثيرة التعرجات، بينما كان العديد من المعجبين متحمسين حول القصص الواقعية-السحرية للكتاب.

تبدأ الرواية خلال حرب الخليج الأولى وتتتبع حياة راوية -لا يُذكر اسمها- وصديقتها نادية. ولدت كلتاهما، كما المؤلفة، حوالي عام 1986. التقيتا حين كانتا بحدود الخامسة من العمر، في ملجأ.

الغلاف الإنكليزي لرواية "ساعة بغداد" للكاتبة العراقية شهد الراوي.  (published by OneWorld Publications)
رواية "ساعة بغداد"...سحر يخطف الأنفاس: على الرغم من الافتقار إلى الارتباط العاطفي أو البصيرة السياسية، فإن لرواية "ساعة بغداد" سحر يخطف الأنفاس، فهي تذكرنا بأفضل الكتب مبيعاً لأحلام مستغانمي. كما أن هناك شيئاً يشترك بحزن في سردية الكتاب الجامعة الُملبّية للرغبات: تعود المؤلفة في الزمن لتحكي لذاتها الأصْغَر سِناً حول المآسي التي توشك أن تحلّ بالعراق.

في القسم الأول "طفولة الأشياء الواضحة"، لهجة بريئة ممتعة. تحاول الراوية ونادية فهم بعضهما البعض، والقنابل والعالم الأكبر من حولهما. فيها لحظات مراقبة دقيقة، كما حين تقول نادية عن دراية: "برج المأمون يكبر كل يوم". بيد أنه أيضاً ينزلق إلى لكنة مملوءة بالحنين وكأنه صوت صادر عن بطاقة معايدة، حين تنظر الراوية إلى الماضي من الحاضر وتقول: "بين يديك يا أبي أنا صغيرة حتى عندما أكون في الثلاثين من عمري".

تكبر الحكاية حول رومانسيات نادية والراوية. بيد أنها أيضاً حول القدر، والمصير والأمريكان. ورغم أنه من غير الواضح أبداً في الكتاب ما الذي تريده الولايات المتحدة من العراق، إلا أن قادة البلاد متواجدون دائماً: "تناوب على طفولتنا بالصواريخ والأسلحة المحرمة جورج بوش، وابنه جورج دبليو بوش، في حين أن بيل كلينتون والعجوز مادلين أولبرايت تكفّلا بتجويعنا".

ظهور أول مشعوذ

يظهر في القسم الثاني، "رسائل من الغيب"، مشعوذٌ. تصفه الراوية: "رجل نحيف طويل القامة، بلحية مشذبة جيداً"، يصل كزائر من المستقبل، يعرف كل تفصيل حول ما سيأتي. فيقول من دون أي تلطيف لكلماته: "ليس لأي منكن مستقبل في هذا المكان"، ويضيف لاحقاً: "ستعيشون غرباء بدموع لا نهاية لها".

{رواية شهد الراوي "ساعة بغداد" تذكرنا بأفضل الكتب مبيعاً لأحلام مستغانمي.}

لا يزال الوقت في تسعينيات القرن الماضي حين يقول المشعوذ: "سارعن إلى الهرب لأن الإعصار يقترب بسرعة جنونية". وفي البداية، لا يوافق سكان المحلة على صدق نبوءاته. فيقرر بعضهم أن المشعوذ لا بد أن يكون جاسوساً أجنبياً. وفي واحدة من لحظات الكتاب الساخرة القليلة، تؤكد مدرّسة التاريخ بشدة، "إنه يشبه لنكولن".

هذه سنوات الحصار، حين بدأ المقيمون في الحي يخسرون أناقتهم ببطء. ورغم أن القصف سيء، إلا أن الحصار يبدو أسوأ. فالحصار: "سلب منا روح الأمل، وعندما يختفي الأمل، تصير الحياة مجرد عادة ننتقل فيها من يوم تعس إلى آخر أكثر تعاسة".

وهنا، كما في أنحاء الرواية، يبدو النضال السياسي بلا أي معنى. فحين تنظّم المدرسة احتجاجات رسمية ضد الحصار، تهرب الراوية ونادية للقاء حبيبيهما. بيد أن الراوية بينما تسخر من الاحتجاجات، فإنها لا تهتم بأي بديل.

كما يظهر المشعوذ مرة أخرى لتذكير الراوية وجيرانها سكان المحلة أنه ينبغي عليهم التفكير في أنفسهم، كأشخاص، والقفز من السفينة. "أقول ذلك من أجلكم ومن أجل أبنائكم...إن هذا الحصار طويل ولن ينتهي قريباً. وعندما تأتي نهايته، ستبدأ الحرب وبعدها سيتلاشى كل شيء في النسيان".

ذكريات المستقبل

في القسم الثالث، تذهب الراوية ونادية إلى الجامعة. ويكون هذا عادةً، في العديد من الروايات، وقتاً للوعي الفكري والسياسي، إلا أنه في رواية "ساعة بغداد"، ترفض الراوية أنماط التفكير هذه. "أنا لا أفهم في السياسة، ولا أريد أن أفهم عنها شيئاً". هي غاضبة من بوش الأب وبوش الابن لهجماتهما على العراق. ومع ذلك لا تقترح أي تفسير لاهتمامهما ببلدها - هم يشبهون إعصاراً بطيء الحركة أكثر مما يشبهون ممثلين إنسانيين لقوة أجنبية.

أما في واحد من أغرب أقسام الكتاب، فتظهر مشعوذة. تؤكد هذه المشعوذة بشكل غريب أن العراق والعراقيين لطالما كان محكوم عليهم بالفشل. ففي نهاية المطاف، الجو حار جداً، كما تقول، و"الشمس تجفف الأفكار كما تجفف القمصان على حبل الغسيل".

في هذه الأثناء، تلوح الحرب في الأفق وبفضل الفائض من المشعوذين، تعرف الشخصيات تماماً كيف ستتكشف الأمور. كما يتنبأ حبيب الراوية بدقة: "الحرب ليست معركة بين طرفين فيها منتصر ومهزوم. الحرب تقلب الحياة على رأسها وتبعثر الأشياء ...". حتى قبل غزو عام 2003، يثبّت العم شوكت قطعة كرتونية على واجهة بناء، تقول: "المحلة للبيع أو للإيجار".

تبدأ الحرب، كما علمت جميع الشخصيات أنه سيحدث و"جاء المارينز على مستقبلنا وحطموا نوافذه". وبعد فترة وجيزة، "سمعنا صوت انفجار أول عبوة ناسفة على مصفحة أمريكية، لقد بدأت معركة العبوات الناسفة".

{في رواية "ساعة بغداد" ثمة شيء حزين في سردية الكتاب الجامعة الُملبّية للرغبات}.

ترتبط وقائع الحرب بالتجرُّد، كما لو أن الراوية تكتب عن تاريخ بعيد. وهنا أيضاً نتعرف على أصل ساعة بغداد. وعندما تبدأ الحرب، تشرع الراوية ونادية وصديقتهما بيداء بجمع حكايات المحلة. الآن: "لم تعد هناك في محلتنا محلة، محلتنا انتقلت إلى السجل الأزرق الكبير....".

بيد أنه ليس الماضي فقط في هذا السجل. إذ يبدو أن كل شيء قد كُتِب بالفعل. فالقسم الأخير هو "المستقبل"، حين تُعيد الراوية اكتشاف نادية على وسائل التواصل الاجتماعي. كما تصف مستقبلها، بما في ذلك زواجها وانتقالها إلى دبي.

وعلى الرغم من الافتقار إلى الارتباط العاطفي أو البصيرة السياسية، فإن لرواية "ساعة بغداد" سحراً يخطف الأنفاس، فهي تذكرنا بأفضل الكتب مبيعاً لأحلام مستغانمي. كما أن هناك شيئاً يشترك بحزن في سردية الكتاب الجامعة الُملبّية للرغبات: تعود المؤلفة في الزمن لتحكي لذاتها الأصغر سناً حول المآسي التي توشك أن تحلّ بالعراق.

 

 

مارسيا لينكس كويلي 

ترجمة: يسرى مرعي

حقوق النشر: موقع قنطرة 2019

ar.Qantara.de