الاتحاد الأوروبي...اتحاد المتلكئين عن حماية مدنيي سوريا
أكثر من 80 ألف شخص قتلوا وأربعة ملايين هُجّروا من أماكن سكنهم، بالإضافة إلى تدمير مدن وآثار ثقافية لا تقدر بثمن يصل عمرها إلى آلاف السنين. كل هذه هي عواقب الحرب الأهلية في سوريا، وهي في تزايد مستمر.
لقد أثبت الصراع المسلح الدائر في سوريا منذ حوالي سنتين أن الادعاءين اللذين يتشدق بهما الساسة الغربيون منذ انتهاء الحرب الباردة ليسا سوى أوهام وأساطير. هذان الادعاءان هما "مسؤولية الحماية" التي يأخذها المجتمع الدولي على عاتقه في حالات الإبادة الجماعية والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وأن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تمتلك سياسة خارجية وأمنية مشتركة.
مسؤولية الأمم المتحدة
تم استحداث مبدأ "مسؤولية الحماية" بعد الإبادة الجماعية التي وقعت في رواندا وفي سربرينيتسا بصربيا منتصف التسعينيات، وذلك بعد ضغط كبير من كندا. ويعني هذا المبدأ أنه إذا لم تكن الحكومة قادرة على أو راغبة في حماية شعبها من الإبادة الجماعية أو الجرائم ضد الإنسانية أو غيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، فإن المسؤولية وقتها ستقع على عاتق الأمم المتحدة.
ومن خلال تمكينه بقرار من مجلس الأمن الدولي، يمكن للمجتمع الدولي استخدام وسائل سياسية ودبلوماسية، أو عقوبات اقتصادية، وصولاً إلى الوسائل العسكرية في الضرورة القصوى، وذلك من أجل منع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان أو وضع حد لها، لأنها عندئذ لا تعد "شأناً داخلياً" للبلاد، وفقاً لميثاق الأمم المتحدة الذي وُضع سنة 1945، والذي يحظر التدخل في شؤون الدول الداخلية.
ورغم أن مبدأ الحماية هذا، الذي جاء ضمن توصيات قمة للأمم المتحدة في خريف 2005، حظي بدعم سياسي، إلا أنه لم يحظ بموافقة رسمية ومحلية في أي من الدول الأعضاء بالأمم المتحدة، وبالتالي فهو لا يشكل بعد اتفاقاً ملزماً حسب القانون الدولي.
لذلك فإن مسؤولية الحماية لا تعتبر عرفاً جديداً في القانون الدولي، كما يدعي بعض الساسة في برلين زوراً، ولم تصبح بعد "عرفاً دولياً بالممارسة" بعد إقرار مجلس الأمن الدولي إقامة منطقة حظر للطيران فوق ليبيا في مارس 2011، مستدلاً بذلك على "مسؤولية الحماية".
لكن النقاش الدائر حول العرف القانوني الدولي عقيم تماماً بالنظر إلى الوضع الراهن في سوريا، لأن المجتمع الدولي لم يحاول جدياً التوسط من أجل تخفيف حدة الصراع بوسائل سياسية منذ بدايته قبل عامين. وبدلاً من ذلك، استغل الرئيس الأمريكي باراك أوباما والساسة في باريس ولندن وبرلين الوضع في سوريا لتحسين صورتهم، وذلك من خلال المطالبة علناً ومبكراً بتنحي الأسد.
الغرب: استراتيجية غائبة
وعندما رفض الرئيس السوري الانصياع للمطالب الغربية، لم يكن لدى الحكومات الغربية أية استراتيجية لتنفيذ مطالبهم. كما أن العقوبات الاقتصادية التي فرضوها حتى الآن لم تأتِ بنتيجة. أما التدخل العسكري، فهو خيار ينأى عنه حتى أولئك الذين أرادوا تجميل صورتهم لدى الشارع بمطالب مشابهة لأسباب شعبوية بحتة.
فالمخاطر أكبر من تلك أثناء التدخل العسكري الذي قاده حلف شمال الأطلسي في ليبيا قبل عامين أو الحرب الأنجلو أمريكية على العراق في مطلع سنة 2003. فمن جهة، تعتبر القوات المسلحة السورية حالياً أقوى وأحدث تجهيزاً من القوات الليبية والعراقية آنذاك. ومن جهة أخرى، فإن هناك خطراً من تورط إيران وإسرائيل ولبنان ودول أخرى مجاورة لسوريا عسكرياً.
كما أن هناك حالة متزايدة من عدم الاستقرار والقلق تسود العواصم الغربية بسبب عدم معرفة المستفيد الحقيقي من أي تدخل عسكري محتمل في سوريا وإلى من ستؤول الأمور هناك بعد سقوط نظام الأسد. وحتى الآن انتهى جزء كبير من الأسلحة التي كان من المفترض أن تذهب إلى الجيش السوري الحر، وذلك بعلم ودعم سياسي من إدارة أوباما وحكومات غربية أخرى منذ خريف 2011، وبتمويل من عائدات النفط السعودي والقطري، في أيدي كتائب جبهة النصرة الإسلاموية ومليشيات أخرى متحالفة مع تنظيم القاعدة.
وبالرغم من أن الأبواق الإعلامية لهذه المجموعات موجهة حالياً ضد نظام الأسد، إلا أن هدفها ليس تأسيس حكومة ديمقراطية تخلف حكومة الأسد في دمشق، بل لإنهاء أي نوع من السيطرة المركزية لدمشق على بقية أنحاء البلاد، وضمان هيمنتها على أجزاء من سوريا.
حلم السياسة الخارجية والأمنية المشتركة
وبالنظر إلى تلك المتغيرات المجهولة والتحديات الصعبة، أثبت الادعاء بأن الاتحاد الأوروبي يمتلك سياسة خارجية وأمنية مشتركة مجدداً أنه حلم من أحلام اليقظة. وقد ثبت ذلك قبل 20 عاماً، عندما تم التنظير لهذا الادعاء في بروكسل إبان الحرب الأهلية في يوغوسلافيا سابقاً.
ففي سنة 1991، أعلن رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي ووزير خارجية لوكسمبورغ آنذاك، جاك بوس، أنه سيتوجب على الاتحاد الأوروبي التعامل بمفرده مع هذا التحدي في الجارة الجنوبية الشرقية وأن على الولايات المتحدة أن تنأى بنفسها عن هذا الشأن الأوروبي. وبقية القصة معروفة.
بالنسبة للشأن اليوغوسلافي، لم تكن هناك سياسة خارجية وأمنية مشتركة للاتحاد الأوروبي، لأن القوى الثلاث الكبرى في الاتحاد – فرنسا وبريطانيا وألمانيا – وقفت على جوانب مختلفة من الصراع اليوغوسلافي الداخلي.
أما بالنسبة لسوريا، فهناك مجدداً مصالح مختلفة لدى القوى الكبرى في الاتحاد تحد من أية سياسة خارجية وأمنية أوروبية مشتركة. ويتضح ذلك من خلال الاختلافات بين برلين ولندن وباريس مؤخراً حول تمديد الحظر الأوروبي على توريد الأسلحة إلى سوريا، والذي لعبت فيه المنافسة المحتدة بين هذه الدول على أسواق السلاح المغرية في الخليج دوراً ملحوظاً.
أندرياس تسوماخ
ترجمة: ياسر أبو معيلق
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2013
يعمل أندرياس تسوماخ، المولود سنة 1954، مراسلاً للأمم المتحدة في جنيف. درس تسوماخ علوم الاقتصاد والصحافة والاجتماع. أحدث كتاب له صدر تحت عنوان "الحرب القادمة".