الإمبراطورية في "محكمة الكانغرو"

Der Internationale Strafgerichtshof in Den Haag
أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، أنه يسعى للحصول على مذكرات توقيف ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، ووزير دفاعه، يوآف غالانت، بتهم ارتكاب جرائم تشمل "التجويع" و"القتل العمد" و"الإبادة و/أو القتل". كما طلب إصدار أوامر اعتقال بحق ثلاثة من كبار قادة حركة حماس المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

تتخذ المحكمة الجنائية الدولية خطوة تاريخية بلا شك عبر سعيها للحصول على مذكرات توقيف ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الدفاع، علاوة على إصدار أوامر اعتقال بحق 3 من كبار قادة حماس بتهم ارتكاب جرائم، وهي المرة الأولى التي يُستدعى فيها رئيس دولة حليفة للولايات المتحدة إلى المحكمة. تعليق شادي بطرس

الكاتب، الكاتبة : شادي بطرس

"يتعين على أوروبا أن تعترف بأن الولايات المتحدة تتحمل مسؤوليات عالمية، مما يخلق ظروفاً فريدة من نوعها. على سبيل المثال، نحن أكثر عرضة لإساءة استخدام المحكمة الجنائية الدولية، وذلك بسبب الدور الدولي الذي نلعبه والاستياء الذي ينبع من هذا الوجود في كل مكان في أنحاء العالم. وهذا لا يعني، في رأيي، أن الولايات المتحدة يجب أن تنسحب من المحكمة الجنائية الدولية. لكنه يعني أن لدينا مخاوف مشروعة يجب على العالم معالجتها، ومن العدل أن نطلب أن تكون هناك حساسية لتلك المخاوف التي تركز حقًا على حقيقة أن الولايات المتحدة تنشط في كل قارة في العالم".

الاقتباس أعلاه من كلمة لهيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الامريكية السابقة، أثناء حملتها للترشح لانتخابات الرئاسة عن الحزب الديموقراطي العام 2005. يتجلى هنا "العبء الأبيض" التاريخي، بعدما أضحى "عبئاً أميركياً" خالصاً. فالولايات المتحدة توكل لنفسها مسؤوليات عالمية، بوصفها شرطي العالم، ولا يحضر هذا العبء إلا مقترناً بـ"هشاشته البيضاء". 

فتواجد القوات الأميركية في كل مكان في أنحاء العالم، كما تقر كلينتون، يجعلها محطّ غضب، وأكثر هشاشة أمام سوء مجريات العدالة الدولية. هكذا يجب على العالم أن يقدر الحساسية الأميركية، وأن يتحلى بحس العدالة أمام مخاوفها، لا العكس.

ظلت المحكمة الجنائية الدولية وإمكانية مثول جنود أميركيين أمامها، بحكم اتفاقية روما، بنداً مكرراً في مواسم الجدل الانتخابي في الولايات المتحدة. وهنا ترسم كلينتون بدقة، صورة لعقيدة السيادة في الفلسفة السياسية، لكن على مستوى دولي، أو بالأحرى إمبراطوري. فالسيادة، كونها مصدر القانون والموكل لها تنفيذه، يجب أن تكون متعالية على القانون ومُتجاوزة له. وعلى هذا القياس، يجب أن تكون الولايات المتحدة وجيشها فوق العدالة الدولية، فيما تعمل بصرامة على تطبيقها على الآخرين.

Here you can access external content. Click to view.

المحكمة الجنائية الدولية "تأسست من أجل أفريقيا والبلطجية من أمثال بوتين وليس من أجل الغرب وحلفائه"


"محكمة الكانغرو" صيغة تهكمية تشير إلى الإجراءات القانونية غير المنضبطة والاعتباطية، وعلى الأغلب تعود أصولها إلى بريطانيا القرن الثامن عشر، حين حُكم على الآلاف في محاكمات صورية ومتعجلة بالترحيل إلى استراليا، القارة العقابية حينها. 

في حزيران/يونيو 2020، أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترامب قراراً بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، وعلى فتوة بنسودة، المدعية العامة للمحكمة حينها، استباقاً لفتح تحقيق في جرائم حرب ارتكبها جنود أميركيون في أفغانستان. وفي ذلك السياق، وصف مايك بومبيو، وزير الخارجية في إدارة ترامب، المحكمة بأنها "محكمة كانغرو".

والحال أن موقف الولايات المتحدة من المحكمة الجنائية الدولية ظل متقلباً حسب الظروف، وانتقائياً. فمن ناحية، رحبت واشنطن بحماسة بالغة، بقرارات المحكمة في ما يخص الإبادة العرقية في دارفور، ولاحقاً بمذكرة التوقيف الصادرة بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على خلفية الحرب في أوكرانيا. لكنها، في الوقت ذاته، عارضت بشدة وبشكل متواصل، امكانية مثول مواطنيها أمام قضاتها. وفي سبيل ذلك، اتخذت سلسلة طويلة من الإجراءات على مستوى دولي، كان من بينها إجبار حكومات الدول الأخرى على توقيع بنود تمنع تسليم المواطنين الأميركيين للمحكمة، وعوقبت الدول التي رفضت التوقيع بخفض المعونة الأميركية لها وبعقوبات أخرى.

  Chefankläger Karim صرح كريم خان، المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية، بأن قيادياً أخبره أن المحكمة الدولية "تأسست من أجل أفريقيا والبلطجية من أمثال بوتين وليس من أجل الغرب وحلفائه".
كريم خان المدعي العام بالجنائية الدولية (صورة أرشيفية). واشنطن تدرس فرض عقوبات على المحكمة الدولية بسبب طلب إصدار أوامر الاعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين وقادة من حماس. الصورة من: Peter Dejong/REUTERS

كريم خان: وصلتني تهديدات.. "المحكمة من أجل أفريقيا وبوتين"

قبل إعلان المدعي العام الحالي للمحكمة، كريم خان، طلبه استصدار مذكرة توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير دفاعه، تلقى هو وبعض قضاة المحكمة تهديدات، بعضها علني من قبل أعضاء في الكونغرس الأميركي، وبعضها بشكل غير رسمي. في لقاء مع محطة "سي.إن.إن"، صرح خان بأن قيادياً رفيع المستوى أخبره في سياق التهديدات أن المحكمة "تأسست من أجل أفريقيا والبلطجية من أمثال بوتين وليس من أجل الغرب وحلفائه".

في حلقة أخيرة من سلسلة المواجهات بين الإمبراطورية الأمريكية ومؤسسات العدالة الدولية، تتخذ المحكمة خطوة جريئة وتاريخية بلا شك، وإن كانت رمزية بالطبيعة، وذلك باستدعاء الساسة الإسرائيليين بوصفهم مجرمي حرب، وهي المرة الأولى التي يُستدعى فيها رئيس دولة حليفة للولايات المتحدة إلى المحكمة. أما الإمبراطورية، وفي القلب منها واشنطن، فلا ترى في المحكمة إلا على مقاس "محكمة كانغرو" تُوظَّف ضد خصومها وحدهم.

 

شادي بطرس

حقوق النشر: شادي بطرس 2024

Here you can access external content. Click to view.