دراما عائلية...قصة إنسانية

يقدم الفيلم الفرنسي "كسكسي بالسمك" للمخرج التونسي عبد اللطيف كشيش مقاربات واقعية لحال المهاجرين في فرنسا من خلال المعالجات الدرامية والفنية لانكسارات وانتكاسات ومشاعر النشوة التي تعيشها الشخصية المهاجرة في إطار جهودها للاندماج في مجتمعها الجديد. أمين فرزانيفار قي قراءة لهذا الفيلم.

​​يعمل سليمان في حوض بناء السفن في سيته Sète في الجنوب الفرنسي، ويتلقى فجأةً رسالة تسريحه من العمل. لقد أصبح طاعنًا في السن ولم تعد تتوفر له فرصة للعمل. نقطة وانتهى الأمر بكل بساطة . لكن بدل أن يستسلم، يقرر الرجل البالغ من العمر 61 عامًا مع ريم ابنة زوجته أن يبدأ من جديد، فيعزمان على تحويل خانٍ قديمٍ إلى مطعم يقدِّمان فيه للفرنسيين وجبةً نادرة هي "الكسكسي بالسمك".

يبدأ سليمان سباقًا ماراثونيًا في الدوائر الرسمية تشاركه فيه عائلته الكبيرة المكوَّنة من زملائه في العمل ومحبوبته لطيفة المرتابة من الأمر. أما مهمة إعداد "الكسكسي" فتقع على عاتق زوجة سليمان السابقة.

بهذا نشاهد كوكبة من المشاعر المصوّرة والمُضخّمة على طريقة أهل الجنوب، حيث تتقاسم العائلة مشاعر تتراوح بين الحماسة والفرحة العارمة والغيرة والتشاؤم أثناء تحويلها ذلك المكان المعدم إلى مطعمٍ على المستوى الرفيع. لفت هذا الفيلم الأنظار في مهرجانات الأفلام وحاز على عددٍ من الجوائز. إلا أن فيلم "كسكسي بالسمك" أكثر من مجرد "دراما تتصف بالتعدد الثقافي".

بوليوود فرنسي

يمكن للمشاهد دون جهدٍ كبير أن يقرأ فيلم "كسكسي بالسمك" بوصفه دراما اجتماعية تعالج قصة مغربي يعيش فجأةً على هامش المجتمع. قصة رجلٍ تتكسر أحلامه بتأسيس مصلحةٍ يعتاش منها على صخرة البيروقراطية الفرنسية. يقارب مخرج هذا الفيلم التونسي عبد اللطيف كشيش هذه الكليشيهات دون أن يُغلِّبها، لأنه يأخذ الشخصيات على محمل الجد بدلاً من أن يجعلهم دمى تحمل رسالة معينة من ناحية، ولأن جميع الشخصيات سعيدةٌ في شقائها من ناحية أخرى، فهي تغني وترقص وتطبخ وتصفق وتناقش وتتنازع.

​​" كسكسي بالسمك" فيلمٌ مفعمٌ بالأحاسيس رغم تخلّيه عن الديكورات الفخمة وعن إضاءات الأستوديو والفرق الموسيقية. كما أن عبد اللطيف كشيش يبيِّن أن الحياة أكثر تعقيدًا من كل الدراما السينمائية. يقدِّم الفيلم الذي يستمر لثلاث ساعات ما يكفي من القصص الجانبية ليكون دراما بوليوودية. وكما في الحياة الحقيقية تنتهي بعض النزاعات مع الوقت، كما هي حال الغضب الهستيري الذي أصاب ابنة سليمان المُثقلة بالأعباء.

يصنع عبد اللطيف كشيش من هذا الفيض مَشاهد تتصف بالمباشرة وكثافة التمثيل التي لا نتوقعها سوى في المسرح. رغم ذلك يبقى صانع الأفلام الذي بدأ حياته المهنية مخرجًا مسرحيًا، يبقى ملتزمًا بالسينما وبالقص السينمائي مستخدمًا اللقطات القريبة والكاميرا المحمولة باليد والمونتاج الحاد، فيُدخل المُشاهد من حيث شكلها إلى صميم هذه العائلة.

تجارب تستحق الجوائز

عندما تسعى ريم لاستدراج والدتها الممتنعة لحضور افتتاح المطعم يستغرق هذا المشهد في الفيلم عشر دقائق قصيرة لا تكفي لاستعراض كل ما يعتمل فيه من تدرجات في المشاعر. حاز عبد اللطيف كشيش بالتوازي مع فاتح أكين على جائزة الإعلام الأوروبية "ميدالية كارل" تقديرًا لجهديهما من أجل تحقيق الاندماج في أوروبا.
​​
المقارنة بالمخرج التركي الألماني المميز مقبولة بالفعل، فتمامًا على غرار هذا الهامبورغي ابن 33 عامًا يستلهم عبد اللطيف كشيش المولود في عام 1960 أفلامه مباشرةً من أفاق التجربة الشخصية، كالأصول المهاجرة، وعائلته التي أتت من تونس، وسواحل جنوب فرنسا التي نزحت إليها عائلته في عام 1966.

وبينما ينطلق فاتح أكين من أمثلةٍ كأفلام العصابات وأفلام الطريق والميلودراما، وكما تكتسب أفلامه قوتها من التواتر بين الواقع الاجتماعي وشروط القص السينمائي، يعتمد عبد اللطيف كشيش أسلوبًا متطرفًا في التجريب.

يُعتبر هذا التجريب شجاعة فنية لأن تقييم السينما والتلفزة يتداخلان في بعضهما بعضا باضطراد في ما يسمى "مجال بيت الفن"، وخاصةً فيما يتعلق بالمواضيع التي تُعنى بالمهاجرين، حيث يُتوقع أن تُنفّذ هذه المواضيع بحسب المعطيات المعروفة، أي بناتٌ هارباتٌ من أهلهن، ومراهقون في الغيتو لا وجهة لهم، أو بائعو شاورما يهرجون تهريجًا سخيفًا.

الغيتو والشعر

منذ باكورة أفلامه "غلطة فولتير" (2000) "Le Faute a Voltaire" الذي يتناول قصة المهاجرين، لم يظهر طالب اللجوء السياسي تعبيرًا عن المعاناة الجماعية بل عن الأفراد المشاكسين الأحرار. بيد أن بعض مطبات الخروج عن المألوف في صناعة السينما تتسرب إلى الفيلم الذي يزيد طوله على الساعتين، حيث يفقد المخرج سيطرته على الممثلين والسيناريو بسبب الإفراط في الارتجال.

​​أما فيلمه الثاني "ألعاب الحظ والحب" "L'Esquive" (2003) الذي حظي بأربع جوائز "سيزار" استحقها بالفعل، يذكر أن "سيزار" هي المسابقة السنوية بين الأفلام الفرنسية على غرار جوائز الأوسكار الأمريكية. وتضمنت جائزتين على الفيلم والسيناريو، حيث تتدرّب مجموعة من الشباب الذين يقطنون الضواحي الفقيرة على مسرحية للكاتب ماريفوه Mariveaux، ويتخلل التدريب علاقات غرامية متغيِّرة وغيرة بين الممثلين تنتقل إلى الواقع المعاش وتؤثر من ثم على التدريب.

بذلك وجد عبد اللطيف كشيش مبدأه الذي يقوم على الربط بين الغيتو والشعر، وبين اليومي والفن. يبحث الفرنسي العربي دائمًا في الأوساط عن مصائر الأفراد، ودفئ علاقات الجيرة، وشاعرية اللحظة.

يذكرنا كل هذا بمذهب الواقعية الجديدة، وهو في الوقت ذاته مؤشرٌ نحو المستقبل. يستعمل الأولاد الفرنسيون في فيلم "ألعاب الحظ والحب" كلمات مثل "إن شاء الله" و "والله" التي أخذوها عن أصدقائهم العرب. وهذا يرسم ملامح تعاملٍ مختلفٍ تمامًا مع واقع الهجرة. أي واقع الكسكسي للجميع.

أمين فرزانيفار
ترجمة: يوسف حجازي
قنطرة 2008

قنطرة

تأجيل بث مسلسل "مطب" الفلسطيني:
"مطب" ضحية "مطب" التابوهات الاجتماعية
مسلسل "مطب" هو أول مسلسل يتم إنتاجه في فلسطين وهو يتناول مشكلات الحياة اليومية ويمس موضوعات محرمة داخل المجتمع. تم إنتاج الحلقات العشر الأولى من المسلسل بتمويل من معهد غوته في رام الله وكان من المفترض أن يبدأ عرضه مع بداية شهر رمضان المبارك. ألفريد هاكينزبرغر يستعرض هذا الفيلم والضجة التي أثيرت حوله.

مسرحية "عذراوات سوداوات":
تمرد الجسد...تطرف الفكر
غاضبات وبلا حياء وراديكاليات: هكذا هن المسلمات الشابات اللائي منحهن فريدون زايموغلو صوتاً في مسرحيته الوثائقية "عذراوات سوداوات". نيميت شيكير تعرفنا بهذه المسرحية التي تحولت مؤخراً إلى تمثيلية إذاعية.

كتاب "الحرب والرقص" لميشائيل روس
الآخر في القراءة الإثنوشعرية
يعود الكاتب الألماني ميشائيل الروس في كتابه "الحرب والرقص" إلى مناقشة قضية الآخر التي شغلت كل كتاباته من "الربع الخالي" وحتى "الطريق إلى تيموميم". لكن الكتاب لا ينخرط في أدب الرحلة كما مارسه في الكتابين السابقين وغيرهما، فهو ينقسم إلى أبحاث اثنولوجية وحوارات أجريت مع الكاتب لمناقشة قضايا العصر الملحة. رشيد بوطيب في قراءة لأهم محاور الكتاب