الالتباس البديع، الالتباس الفظيع
يكاد المرء، بتقطيبة جبين، يرسم علامة تعجّب لدى قيامه بعقد مقارنة بسيطة بين حالَيْ التفاعل الأدبيّ الهندي – العربي أمس واليوم. ويكفينا، كي نشير بالسبّابة إلى هذا البون الشاسع، استذكار المؤلَّف العظيم "ألف ليلة وليلة"، والذي قال عنه بورخيس بأنه الكتاب الكونيّ الذي يحاول جميع أدباء العالم تكراره واستعادته في مئات القصص والروايات. وتعنيني في هذا السياق، وتعينني، الإشارة إلى الالتباس "البديع" الواقع في أصل هذا الكتاب، لجهة أنه مؤلَّف هندي في لغة عربية.
هكذا يرقد الأدبان، العربي والهندي، في "ألف ليلة وليلة" في سرير واحد، على مثال ما يجلس هارون الرشيد (العربي) جنباً إلى جنب مع السندباد (الهندي). هذا الأخير، أي السندباد، يمثّل لوحده ما يمكن أن يصلح رمزاً بارزاً لهذه الشراكة الأدبية، من حيث أنه يعيش مغامراته، وهو الهندي، في أراضٍ عربية: بغداد، البصرة... عن حقّ، لقد كان الأدب الهندي، حال شقيقه الفارسي، سندباداً استوطن أدبنا ومخيالنا العربيين (من هذه المفارقات السعيدة أيضاً أن "ألف ليلة وليلة" طُبع للمرة الأولى في اللغة العربية في كلكوتا الهندية 1814م، والتي هي بالمناسبة مسقط رأس طاغور).
بالطبع، ثمّة جهود مهمة، قد لا تعنينا في هذا المقام، لعدد من المستشرقين من أجل الفصل ما بين الحكايات ذات الأصول الهندية وتلك التي ذات أصل عربي. لقد انشغل الكثيرون في مسألة تحديد الحسب والنسب لكتاب لا صاحب له، أو لكتاب له أكثر من صاحب، وأكثر من ثقافةٍ أمٍّ. كتاب يكفينا القول إن نسبه غير الصريح هو دليلنا الصريح إلى هذا التلاقح والتمازج الثقافيين، وهذين التأثر والتأثير المتبادلين بين أدبين وسمتهما الحكمة بميسمها.
كليلة ودمنة
في السياق هذا، لا نجد بدّاً من التذكير أيضاً بكتاب "كليلة ودمنة" للفيلسوف الهندي بيدبا، والذي قام بتعريبه عبد الله بن المقفّع. هذا الأخير، الذي ساهم في إدخال الحكمة الهندية إلى الأدب العربي، أدخل إلى "كليلة ودمنة" الكثير من العناصر التي تمكّن قارئه من القول بأنه كتاب معرّب لا مترجم، في معنى إعادة إنتاجه.
وإلى جانب هذين العملين اللذين تدخّل العرب في صناعة أحدهما (ألف ليلة وليلة)، وفي إعادة إنتاج الآخر (كليلة ودمنة)، كان ثمّة الكتب المقدسة الهندية كالـ"فيدا"، وملحمة "رامايانا"، وملحمة "مهابهاراتا" (تعني ملحمة الهند العظيمة) والتي تعتبر أطول عمل في تاريخ الأدب الإنساني، والتي بدأت كقصيدة فخر تتغنّى بانتصارات الملك بهارات وأمجاده، قبل أن تتطور خلال قرون ثمانية، كي تأخذ شكلها النهائي في القرن الرابع الميلادي.
وكثيراً ما نقع على أصداء هذه الملحمة في معظم ما كُتب من مؤلفات هندية لكتّاب كبار مثل: تشندرا أبو الأدب الهندي الحديث، فالميكي، كاليداسا، طاغور... ومن أمثلة هذا التأثر مسرحية "شيترا" التي اقتبس طاغور فكرتها من الملحمة، وتحكي قصة أرجونا المتيّم بشيترا التي كان أبوها الملك قد ربّاها كما لو كانت فتى، فعلّمها القتال والصيد. لكنها، حين مال قلبها إلى أرجونا، تأبّت عليه وبقيت على هذه الحال حتى استسلمت لأنوثتها أخيراً، وعادت امرأة قانعة بدور الزوجة والأمّ.
اهتمام ضعيف بالأدب الهندي الحديث
لكن الملاحظ في خصوص ترجمة الأدب الهندي الحديث إلى العربية أنه يكاد يقتصر على روّاد الكتابة الهندية في الانكليزية، أي الكتّاب الهنود الذين يكتبون في الانكليزية مثل: مولك راج أناند، ناريان، راجا راو صاحب الرواية المعروفة "كانثابورا".... وباستثناء شاعر الهند الأعظم رابندرنات طاغور (الحائز على جائزة نوبل 1914)، الذي ستبقى ترجمته العربية مقصّرة، قياساً إلى مجمل أعماله (مئة وعشرون مجلّداً)، لا نجد اهتماماً حقيقياً في نقل الأدب الهندي الحديث إلى اللغة العربية، خصوصاً إذا ما قارنّا ذلك بحركة الترجمة عن اللغة اليابانية، أو حتى الصينية، حيث تمّ ترجمة حوالى العشر روايات عن اليابانية والصينية هذا العام من دون أن نجد أية ترجمة لمؤلَّف هندي واحد.
وعلى ذكر روّاد الكتابة الهندية في الإنكليزية، لا بدّ من أن نأتي على ذكر سلمان رشدي صاحب الرواية الشهيرة "آيات شيطانية"، والذي تمّ التعامل مع قضيته، عربياً وإسلامياً، على أساس أنه مسلم هندي: ملايين العرب والمسلمين الذين كالوا الشتائم لرشدي، وحلّلوا ذبحه، وساروا في تظاهرات ضدّه، لم يقرأوا كتابه! بالطبع لن نضيّع وقت القارئ لنقول إن إشكالية انحسار التأثر والتأثير بين الأدب العربي وبقية الآداب باتت مشكلة بنيوية في الثقافة العربية: أمّة أميّة تتظاهر ضدّ كتاب! لكننا سنكتفي بوضع هذا المعضلة على الشكل الآتي:
بين التباس هوية مؤلَّف (بفتح اللام) "ألف ليلة وليلة" في الماضي، والتباس هوية مؤلِّف (بكسر اللام) "آيات شيطانية" في الألفية الثالثة، يعيش العرب مأزق هويتهم الثقافية. والثقافية أولاً.
بقلم ماهر شرف الدين
حقوق الطبع قنطرة 2006
قنطرة
الإحساس بالغربة مثل خشبة طافية فوق مياه البحر!
بمبادرة من معهد غوته قضى سبعة كتاب ألمان فترة من الزمن في مدينة هندية. الكاتب الألماني غي هيلمينغر تعرف على مدبنة حيدر أباد عن قرب. لاريسا بندر تحدثت مع الكاتب عن انطباعاته
نظرة على المشاركة العربية في فرنكفورت
لم تحظ الثقافة العربية في يوم من الأيام في المانيا بمثل هذا الإهتمام الإعلامي الذي حظيت به خلال وقبل فترة معرض فرانكفورت للكتاب الذي استضاف في دورته السادسة والخمسين الجامعة العربية. يوسف حجازي حضر المعرض ويقدم لنا تقييمه للفعاليات العربية.
www