مصر من الفوران إلى البركان...هرم مصر الرابع ومستقبل بلاد الفراعنة

يحكم حسني مبارك مصر منذ 28 عاما، ونشأ معه جزء كبير من الشعب كرئيس دولة يتواجد في كل مكان. والآن وبعد أن أصبح عمره 81 عاما تتساءل مصر كلها كيف سيكون مستقبل هذه البلاد؟ أميرة الأهل في استقصاء لفترة حكم حسني مبارك.

كل من يريد الذهاب إلى غرب الدلتا عليه أن يتحدى صبره لبضعة كيلومترات خارج القاهرة، ذلك لأنه لا يوجد سِوى طريق واحد يؤدي إلى هناك، وهي القناطر الخيرية التي بُنيت فوق النيل في وقت كان لا يمر عليها في اليوم الواحد سِوى بضع عربات. أما اليوم فيعبر هذا الممر الضيق آلاف السيارات وعربات النقل والدراجات البخارية وتنتشر عليه الفوضى، حتى إن شرطي المرور الذي دأب على التلويح بيديه لا يمكنه أن يسيطر على الموقف.

إنه الطريق الذي يمر على مدينة قويسنا وشبين الكوم ويؤدي إلى كفر المصيلحة، القرية التي بدأ فيها تاريخ حسني مبارك. هنا، في هذه القرية الدائمة الخُضرة ذات الأرض الخصبة التي تبعد 60 كيلومترا من العاصمة شمالا، نشأ مبارك. وفي كفر المصيلحة، التي أصبحت اليوم مدينة صغيرة، وُلد حسني مبارك في بيت مطلي بلون أصفر وأصبح اليوم آيلا للسقوط. والبوابة الكبيرة المصنوعة من الخشب القوي لا تزال تذكّر المرء بأن الذين كانوا يقيمون هنا لم يكونوا مثل الفلاحين الذين يعيشون من قوت يومهم، ذلك لأن والد مبارك كان موظفا بوزارة العدل، ومن ثم كانت الأسرة من الطبقة تحت المتوسطة.

الفتى المولع بالرياضة

ويقول عنه محمد عمر البالغ من العمر 79 عاما، الذي لا يزال يتذكر مبارك الشاب: "إنه من أسرة كريمة". وهو وحسني كانا جارين في كفر المصيلحة، حيث قضى مبارك أيام شبابه. كان محمد عمر يجلس على كرسي خشبي قديم أمام منزله في شارع تَرِب، وبيته يجاور مباشرة فيلا صغيرة كانت عائلة مبارك تسكنها آنذاك. وأتى الزمن على جدران هذه الفيلا وظهرت آثار الرياح والطقس على المبنى. وعلى الرغم من أن سكان القرية فخورون بابنهم الشهير إلا أنه لا توجد لوحة أو متحف يذكرهم به. ويروي محمد عمر وهو حزين إلى حدٍ ما قائلا: "منذ أن كان نائبا لرئيس الجمهورية لم يزر القرية". ويقول أيضا أن مسجد القرية ومدرستها سمّيا على اسم أحد أبناء القرية المشهورين، وليس على اسم الرئيس حسني مبارك الذي أُطلق اسمه فقط على احدى الجسور والنادي الرياضي.

ويتذكر كل مَن يُسأل عنه أنه كان رجلا رياضيا. ويروي محمد عمر: "أنه كان يمارس في المدرسة وفي النادي الرياضي لعبة الهوكي، وكان تلميذا متفوقا". والرياضة والتفوق لعبا دورا مهما في حياته فيما بعد.
ويقول مكرم أحمد، الصحفي ومدير تحرير مجلة 'المصوّر' الأسبوعية وأحد المقربين من الرئيس، "أنه كان يحلم أن يُصبح طيارا". هذا الصحفي الأنيق ذو الشعر الناصع البياض والنظارة العاج له اتصال دائم منذ عقود بالدوائر الحكومية. ويروي مكرم أن مبارك كان لديه كل ما يؤهله لأن يصبح طيارا، من تعليم جيد وذكاء وطموح وحُسن سلوك ولياقة بدنية فائقة.

ويتابع مكرم أحمد قائلا: "لقد فتح التدرج الوظيفي كطيار أمام حسني مبارك الباب على حياة جديدة وعلى شريحة من المجتمع كانت غير معروفة لديه من ذي قبل، حيث "مكّنه من مصاهرة الطبقة الراقية". وبسرعة تدرّج مبارك وظيفيا وساعده على ذلك حسن سلوكه وعزمه، وهذا ما جنى ثماره بسرعة.

في عالم الطيران...

وبعد تدرّجه العسكري من طيّار إلى مدرس بكلية الطيران قام الرئيس السابق جمال عبد الناصر عام 1969 بتعيين حسني مبارك رئيسا لأركان حرب القوات الجوية، ثم قائدا للقوات الجوية. وفي حرب أكتوبر 1973 كان حسني مبارك ضابطا برتبة فريق، ثم عيّنه أنور السادات في أبريل / نيسان 1975 نائبا لرئيس الجمهورية. ولما قُتل السادات أثناء عرضٍ عسكري على يد إسلاميين كان حسني مبارك يقف بجانبه، وبقي دون أي إصابات. وفي الرابع عشر من أكتوبر / تشرين الأول 1981 تولى حسني مبارك منصب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء. منذ ذلك الحين ويحكم مبارك مصر بحكم الطوارئ الذي دأب حتى الآن على تجديده وتمديد مهلته. وفي يناير / كانون الثاني 1982 تخلى عن منصب رئيس الوزراء.

أفول النهضة المصرية

إن هذا البلد اليوم يتسم بنمو سكاني سريع يهدد بضياع الموارد، كما أنه يتسم أيضا بضعف الاقتصاد والبطالة وباتساع الهوة بين الفقر والغنى. و"التدهور الاقتصادي ملحوظ جدا"، بحسب إبراهيم قنديل، الصحفي ورئيس تحرير جريدة المعارضة 'صوت الأمة'، وهو أيضا ناصري والمتحدث الرسمي لحركة "كفاية" المعارضة.
وعندما يتعلق الأمر برفضه لمبارك يقول قنديل بكل صراحة: "كانت مصر عام 1973 في مستوى كوريا الجنوبية من الناحية الاقتصادية. أما اليوم فتحتل كوريا الجنوبية المركز العاشر ومصر المركز الثاني والعشرين بعد المائة".

ويرى أن مصر في عهد مبارك نزلت إلى مستوى دولة مثل بوركينا فاسو، والسبب في هذا التدهور هو نظام الحزب الواحد. كما أن "المافيوقراطية"، على حد قول قنديل، هي التي أطاحت بمصر إلى الهاوية، ويقول: "إننا لا نُحكم فقط من قِبل حزب واحد، ولكن من أسرة واحدة منذ 28 عاما"، فالأب مبارك والأم سوزان والابن الأصغر جمال بيدهم مصائر البلاد. أما الابن الأكبر علاء مبارك فعلى الرغم من أنه ليس نشيطا سياسيا إلا أنه ذو نفوذ قوي كرجل أعمال في الجمهورية الواقعة على النيل.
ويصف عبد الحليم قنديل فترة حكم مبارك بـ"أسوأ عهود مصر"، فكل معارضة سياسية تم قمعها، ولم يكن قط في تاريخ مصر هذا الكمّ من المعتقلين السياسيين أو المفقودين. إن مبارك معزول ولا يقف بجانبه سوى الطبقة العليا المستفيدة من الحكم وجهاز الأمن الذي كوّنه بنفسه. ويقول قنديل: "لدينا ما يقارب المليونين من قوات الأمن وفى المقابل لا يتعدى تعداد الجيش 460 ألف جندي، وعليه أصبحت مصر تحارب المصريين".

دولة بوليسية

ومبارك محتاج إلى جهاز الأمن هذا كي يحمي سلطته ويقمع غضب الشعب، وثمانون بالمائة من المصريين يعيشون بأقل من دولارين في اليوم، وأكبر حلم لهم أن يتركوا البلد، بأي طريقة. ويتساءل عبد الحليم قنديل: "هل تعرفين بلدا آخر في العالم يريد كل مواطنوه أن يتركوه؟" في السابق كان كثير من المصريين يذهبون للعمل في العراق أو ليبيا أو أوروبا. ولكنهم اضطروا إلى الفرار من العراق، وأوروبا لا تكاد تسمح لأحد بالدخول إليها، ويقول: "لذلك ازداد غضبهم ونشطوا سياسيا وكثرت المظاهرات". ومن المؤكد أن الأزمة الاقتصادية هي تهديد لحكومة مبارك، ذلك لأن إيرادات السياحة وقناة السويس والعمالة في الخارج كلها فى تضاؤل.

ولكن كيف ستسير الأمور؟ إنه لم تظهر بعد أمارات التعب الوظيفي على الفرعون، كما يسمّيه الكثيرون، حتى بعد عامه الـ28 في الحكم. وكثير من المعارضين يشكون في إمكانية تنحّي مبارك عن الحكم برغم طعونه في السن. ويتساءلون، على سبيل المثال، لماذا لم يعيّن حتى اليوم نائبا لرئيس الجمهورية الذي يتولى منصب الرئيس في حالة الطوارئ؟ تقول إحدى الشائعات أن منجّمة سودانية تنبّأت له قبل أن يتولى نائب رئيس الجمهورية أنه سيصبح يوما ما رئيس الجمهورية. بيد أن هذه السيدة تتكهن أنه سيموت بمجرد تعيين نائب له. لهذا لم يجرؤ "الفرعون" حتى الآن على تعيين نائب رئيس، بحسب ما يروّجه معتقدو الخرافات من المصريين.

خليفة مبارك؟

أما الحصفاء من المصريين فيرون، حسبما يقول مكرم أحمد، "أن مبارك لا يريد أن يختار بنفسه رئيس مصر القادم وينبغي على المصريين أن يختاروه بأنفسهم". بهذا القرار، الذي لا يُعد في أصله قرارا، جعل الأوضاع في مصر غير مستقرة إلى حد كبير. ذلك لأنه ليس من الواضح تماما ماذا سيحدث في مصر بعد غيابه من الحكم، هل ستسود الفوضى، أم ستكون هناك انتخابات حرة، أم جمهورية إسلامية على غرار إيران، أم سينتقل المنصب إلى الابن الأصغر وتبقى الأمور على ما هي؟

يتنبأ مكرم أحمد "أن الجيش ستكون له الكلمة الأخيرة في هذا الموضوع لأن الأحزاب من الضعف بمكان"، وأن رئيس المخابرات عمر سليمان يمكن أن يكون أهلا للترشيح خلفا لمبارك لأنه رجل حكيم ويتمتع بثقته. في هذه النقطة يتفق كل من مكرم أحمد، المقرب إلى السلطة، وعبد الحليم قنديل، الناقد للحكومة. لكن عبد الحليم يرى أنه: "إذا مات مبارك فسوف ينزل الجيش إلى الشارع لإعادة الهدوء". وعلى النقيض من مكرم أحمد يتنبأ قنديل بموقف مغاير تماما، ألا وهو "أن مبارك عندما يموت فستخرج مصر كلها إلى الشارع للاحتفال". فبالنسبة لهذا الكاتب، الذي أصبح مثار اهتمام بعد تأليفه كتابين ينتقد فيهما مبارك، تعتبر مصر كبرميل من البنزين "لا يحتاج سوى عود ثقاب واحد حتى ينفجر البلد كله".

أصوات المعارضة

لقد ازداد صوت المعارضة ضد نظام مبارك عُلوا وقوة في العامين الأخيرين، وأصبح النظام لا يقاوم فقط جماعة الإخوان المسلمون المعاندة التي تتمتع بـ88 مقعدا في مجلس الشعب، ولكن أيضا يقاوم الصحفيين أمثال عبد الحليم قنديل الذين يعبّئون الرأي العام ضد مبارك وحاشيته في جرائدهم المعارضة. فمبارك وحاشيته لا بد أن يواجهوا تحديات أكثر وأكثر من قِبل المتظاهرين، وعلى وجه الخصوص الشباب الذين لديهم المقدرة على الاستفادة بمهارة من وسائل الإعلام الجديدة. هؤلاء يتقدمهم العديد من المدونين - الذين يشنون حملاتهم على صفحات الويب الخاصة بالحكومة - ومواقع الفيس ‌بوك واليوتيوب التي أصبحت منتدى للمعارضة. فعلى سبيل المثال ينادي أحد مواقع الفيس بوك بإضراب عام، وينشر موقعا لليوتيوب فيديو يقارن فيه مبارك بالحمار ويظهره مرة كَمَلِك ومرة كفرعون أو كهتلر.

ويقول عبد الحليم قنديل: "إننا بصدد انفجار اجتماعي، أي تمرد شعبي"، والأزمة الاقتصادية سوف تقوّي هذا الاتجاه. ويتنبأ الصحفي أن العامين القادمين سوف يكونا أخطر عامين في تاريخ مصر و"أن عام 2010 سوف يكون نهاية كل شيء". ولا يستبعد الصحفي أن يحدث تطور مثل الذي حدث في تركيا، أي أن يكون هناك نظام ديمقراطي يدعمه الجيش. ويرى أنه على الرغم من أن الحكومة اتخذت كل الإجراءات – بما في ذلك تغيير الدستور – لتمهيد الطريق أمام جمال مبارك للوصول إلى حكم مصر ، إلا أن الكثير لا يعتقدون في مسرحية تولّي مبارك الابن السلطة، ويعلق عبد الحليم قنديل قائلا: "إن لديه فرصة واحدة، وهي أن يعيّنه والده قبل أن يموت". ومن الواضح أن الجيش ضد مبارك الابن، ولا يرغب أحد في حكومة بقيادة جمال مبارك سوى إسرائيل والولايات المتحدة.

ويقول قنديل: "إذا مات مبارك الأب قبل أن يعيّن جمال رئيسا فليس لجمال مستقبل في مصر. وسوف تكون سوزان وجمال مبارك أول من يستقل طائرة في اتجاه الغرب"، ثم يضيف نكتة تقول أن صديقا أهدى لمبارك سلحفاة، وقال له الصديق: "هذه الحيوانات يمكن أن تعيش مائتي عام"، فرد عليه مبارك قائلا: "سوف نرى". مع العلم أن والدة مبارك بلغت من العمر 104 عام ولقيت حتفها في حادثة مرور.

أميرة الأهل
ترجمة: عبد اللطيف شعيب

حقوق الطبع: قنطرة 2009

قنطرة

الفساد في مصر:
سقوط الفرعون
بادرت حركة "كفاية" المعارضة في مصر مؤخراً إلى تصعيد المواجهة بينها وبين نظام الرئيس حسني مبارك، وذلك بإصدار تقرير ضخم تجرأ على ذكر أسماء وتفاصيل بشأن الفساد المستشري بين قادة الدولة. ولم يحدث قط خلال تاريخ مصر الطويل أن بلغت الجرأة حد نشر الغسيل القذر للبلاد على هذا النحو. بقلم باري روبين.

علاقات جماعة الإخوان المسلمين المصرية وإيران:
النظام المصري بين مد إيران وزحف "الإخوان"؟
في ضوء التصعيد الخطير الذي حصل مؤخّرًا بين الحكومة المصرية وحزب الله يقدم الباحث السياسي في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، مهدي خلجي، رؤيته للعلاقات المعقَّدة بين الحكومة المصرية وجماعة الإخوان المسلمين السنِّية والنظام الشيعي في إيران.

حوار مع سعد الدين إبراهيم:
لقد اهتز عرش الاستبداد
يتحدث سعد الدين إبراهيم أحد المرشحين للرئاسة المصرية وأستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة الأمريكية في القاهرة ورئيس مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية عن مدى مصداقية أوربا والولايات المتحدة في دعم الديموقراطية في العالم العربي، كما يرى تطورا ملحوظا في مجال الإصلاح في العالم العربي.

المذكرات الإلكترونية اليومية لأميرة الأهل