الإرهاب الإسلامي مثلما يراه الكاتب الألماني انتسنسبيرغر

يرى الشاعر والمثقف الألماني هانس ماغنوس انتسنسبيرغر في كتابه الأخير "رجال الرعب" أن العالم العربي-الإسلامي هو النموذج المثالي للخاسر بما تحمل الكلمة هذه الصفة من قسوة وإسقاط. بقلم حسين الموزاني

يستهل انتسنسبيرغر كتابه الذي نشره في صياغته القصيرة الأولى في مجلة "دير شبيغل" قبل عام بالضبط ثم توسع به ليتناول معطيات أخرى تضيء جوانب غامضة من شخصية الخاسر، استهله بعقد مقارنة بين الموقف القدري الاستسلامي للبعض إزاء الخطر الذي يمثله الخاسر المتطرف وبين التصدي لهذا الخاسر فكريّاً وثقافياً وأمنياً أيضاً.

فهو يرى أن الخطر أكبر بكثير من أن يبسّطه أولئك القديون إلى حد "الابتذال الميتافيزيقي"، بحجة أن الشخص الخاسر نفسه هو نتاج العولمة والتنافس الحرّ والرأسمالية والاستعمار، تماماً كالشخص المستفيد من هذه الظواهر العالمية. ويعتقد أن الاكتفاء بالعوامل المادية والاقتصادية والتحليل التجريبي، لا يؤدي إلى فهم دخيلة الخاسر المعقدة.

فهو من وجهة نظره قابل للانفجار في كلّ لحظة، لأنه لا يرى حلاّ آخر لأزمته سوى الانفجار الذاتي، وهو يحاول دائماً أن "يصعّد من حالة الغيثان التي يعاني من وطأته." فهو الأب الذي يقتل زوجته ثم أطفاله لينتحر في الأخير، أو هو المتطرف الإسلامي الانتحاري الذي يفجّر نفسه مع الآخرين في وسائل النقل العامة.

وغالباً ما يكون السبب الذي يدفع الخاسر إلى العمل الانتقامي السريع سبباً تافهاً، ربما يعود إلى تبرّم زوجته من أمر ما، أو أن الموسيقى في بيت الجيران بدت له عالية؛ وفي حالة المسلم المطرف فإنه يقدم على الجريمة بسبب تفوّق الآخر ونمط حياته المغاير لما يتصوره هو عن الحياة الحقيقية.

أما القوى التي يعتقد أنها تهدد وجودة فيمكن التعرّف عليها بسهولة، فهي مجسّدة بالأجانب والمخابرات والشيوعيين والأمريكان والشركات الكبرى والسياسيين والكفّار، وغالباً ما تكون مجسّدة باليهود.

الإرهاب الإسلاموي في عصر العولمة

وبعد أن يحصى انتسنسبيرغر ثمانية وخمسين تنظيماً إرهابياً، منها الجيش الجمهوري الإيرلندي و"إيتا" الباسكية ومنظمة الألوية الحمراء الألمانية والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وغيرها، يصل إلى استنتاج مفادة أنَّ ليس هناك سوى حركة واحدة مستعدة لاستخدام العنف على صعيد العالم برمته إلا وهي الحركة الإسلامية.

فهي تستغل من وجهة نظره طاقة هذا الدين المنتشر عالمياً لتوظفها في خدمة أهدافها الإرهابية. ويقول:

"على الرغم من أن هذه الأمّة منقسمة على ذاتها بصورة كبيرة ومتضعضعة بفعل الصراعات القومية والاجتماعية، إلا أن الأيديولوجية الإسلامية تعتبر في هذا السياق وسيلة مثالية لتعبئة الخاسرين المتطرفين، أكثر من قدرتها على دمج دوافع التحرّك الديني والسياسي والاجتماعي" في بوتقة واحدة.

أمّا عدوها الأساسيّ فهو الولايات المتحدة الأمريكية والغرب "المتحلل" والرأسمال العالمي والصهيونية، ويضاف الكفّار إلى ذلك، ليبلغ أعداء الحركة الإسلامية حوالي 5,2 مليار إنسان من غير المسلمين. بالإضافة إلى المرتدين عن الإسلام من أمثال "الشيعة والعلويين واليزيديين والأحمديين والدروز والمتصوفين والخوراج وسواهم".

ويحاول الكاتب الألماني تقصّي أسباب هذا الإنهيار المروع للحضارة العربية التي كانت متفوقةً على أوربا عسكرياً واقتصادياً وثقافياً في القرون والوسطى. فيعتقد أن السبب الأساسي يعود إلى العرب أنفسهم وليس إلى قوى الاستعمار والتدخل الخارجي مثل السلاجقة والمغول والأتراك والمماليك والفرنسيين والبريطانيين، واليهود بصورة خاصة، والولايات المتحدة باعتبارها "الشيطان الأكبر".

ويتساءل لماذا إذن تمكنت المجتمعات الهندية والصينية والكورية التي عانت كثيراً من وطأة الاستعمار والحروب من التغلبّ على تحديات الحداثة وتلحق بركب الحضارة العالمية، لتصبح من المجتمعات الحديثة الصاعدة، بينما عجز العرب عن تحقيق أي شكل من أشكال التنمية البشرية، وصاروا يقفون في جميع الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية خلف القارة الأفريقية السوداء؟

قنطرة

الخلط ما بين السلطة والعقلانية
وزير المالية اللبناني السابق جورج قرم يطرح اسئلة استفزازية ملحة ويطالب بالتحديث الجذري للبنى الفكرية البالية. ويركز الكاتب في كتابه الأخير على عدم التكافؤ بين العالم الغربي والاسلامي. مراجعة ألكسندرا زنفت.

العودة الى عصر النهضة
يرى سمير قصير، الذي راح ضحية انفجار سيارته في حزيران/يونيو 2005، أن مشكلة العالم العربي الرئيسة تكمن في عجزه عن التخلي عن حنينه إلى "الأزمنة الذهبية ". هذه المرحلة من التاريخ العربي تحتاج إلى تقييم و تأويل جديدين.

ويعتقد انتسنسبيرغر بأن هذا الوضع أدّى إلى هجرة العقول العربية، بحيث أن ربع خريجي الجامعات العربية صاروا يغادرون أوطناهم بحثاً عن العمل والعيش في ظلّ ظروف أفضل. ويضيف أن نظرة الإسلام والقرآن إلى المرأة العربية قد عطّل طاقتها وجعلها تابعة للرجل تماماً.

ويستنتج انتسنتبيرغر بأن قناعة المسلم الرجل بسيادته وتفوقه على الآخرين من غير المسلمين من ناحية وضعفه البارز عملياً من ناحية أخرى يدفعانه إلى الشعور بالنرجسية التي تبحث بدورها عما يرضيها ويكمّلها. فتنشأ من خلال هذا الشعور إسقاطات غير منطقية ونظريات للمؤامرة وإلقاء التهم على الآخرين. لذلك يكون ردّ فعل المسلم النرجسي متطرفاً في حساسيته على كلّ إهانة واقعية أو موهومة.

ويعتقد الرجل المسلم الخاسر بأن الديانات الأخرى لا تؤمن بشيء قطّ، ولذلك يجب التصدي لها من خلال وسائل الإعلام الإسلامية، وإظهارها بصورة كاريكاتورية، بيد أن العالم العربي-الإسلامي من ناحية ثانية يشعر بالإهانة إذا ما صورة المرء تصويراً كاريكاتوريّاً. ثم إنّ المسلم الخاسر مقنتع بأن له الحق في بناء المساجد في كلّ مكان، دون أن يضع في نظر الاعتبار بأنّ إقامة الكنائس في العالم العربي يعد أمراً مستحيلاً.

صدمة الهجرة

ومن وجهة نظر انتسنسبيرغر فإنّ هجرة المسلم إلى الغرب لا تقلل من إحباطاته النفسية، بل تزيدها حدّة. إذ بإلاضافة إلى انقطاعه عن جذوره الاجتماعية يصطدم المهاجر العربي المتطرف بالحضارة الغربية بشكلّ مباشر، وتتحول هذه الصدمة إلى حالة دائمة تترك أثراً نفسياً عميقاً بالعجز واليأس.

وينطبق هذا بالذات على الرجال المهاجرين من العالم العربي، إذ يبدو لهم الترف الظاهر في الغرب وبالأخص توفرالبضائع وانتعاش الاقتصاد وحرية التعبير عن الرأي والمجالات المفتوحة للممارسات الجنسية مغرياً من ناحية، لكنه مرفوض من ناحية أخرى، لأنه يذكرهم بتخلّف حضارتهم فيتحوّل هذا الترف في نظرهم إلى شيء لا يحتمل، فيلجأ إلى نظرية المؤامرة والانتقام. وبهذا المعنى فإنه لا يعاقب نفسه على تخلفة، بل يعاقب الآخرين على تقدمهم ورفاهيتهم.

ويحسب انتسنسبيرغر الشجاعة التي تحرّك هؤلاء شجاعةَ يأس، ويذكر في هذا السياق رسالة تنظيم القاعدة التي نشرها أثر تفجيرات مدريد في آذار/مارس عام 2004 والتي عبّرت بجلاء عن نفسية المسلم الخاسر: "أنكم تحبّون الحياة، ونحن نحبّ الموت، ولذلك سننتصر".

لكنه لا يوقف هذه اللغة على المسلمين الخاسرين وحدهم، بل يعتبرها لغةً مشتركة لجميع الدِكتاتوريين والطغاة في العالم الذين لا يتورعون عن معاقبة شعوبهم واضطهادهم وزجّهم في الحروب، تماماً مثلما يفعل المسلم الخاسر الذي يعتبر المسلم المعتدل خائناً لا يستحق الحياة، لأنه غير مستعد لتفجير نفسه. ويعبّر انتسنسبيرغر عن قناعته بأن هذه الأعمال الإرهابية ستكون ذات عواقب وخيمة ليس على الغرب ، بل على الإسلام بالذات، أي "الدين العالمي" الذي ترتكب باسمه.

بقلم حسين الموزاني
حقوق الطبع قنطرة 2006