"هردبشت" فيلم في قمة الصراحة بلا مجاملة ولا مواربة

لبنان - حسين قاووق، كوميدي. image: Ali Lamaa - Man with a full head of hair and beard photgraphed against the skyline of Beirut
حسين قاووق، الذي يلعب دور الشخصية الشعبية "علي العلوية"، هو واحد من الثنائي الكوميدي. image: Ali Lamaa

تجرأ فيلم أصدره كوميديان لبنانيان على السخرية الكوميدية من كل شيء تقريباً في لبنان. فماذا كانت النتيجة؟ الإجابة هي: تهديدات بالقتل. الصحفية الألمانية لينا بوب شاهدت فيلم هَرْدَبَشْتْ.

الكاتبة ، الكاتب: Lena Bopp

هل هناك ما يستوجب السخرية في الضاحية؟ قد لا تعتقد ذلك بالنظر إلى كل ما نعرفه عن المنطقة التي تقع جنوب بيروت والتي يحكمها حزب الله. ولكن ما الذي نعرفه حقاً؟ بشكل عام الأشخاص الذين لا يعيشون في مجتمع يخضع للمراقبة عن كثب -مع نقاط تفتيش وكاميرات في كل زاوية من زوايا الشارع- لا يعرفون سوى القليل عن هذا الأمر، أما الذين يعرفون فلا يميلون إلى البوح بالحقائق. ولكن الأشخاص الذين يجاهرون بآرائهم -مثل حسين قاووق ومحمد الدايخ-سرعان ما أصبحوا معروفين خارج نطاق الضاحية.

والشابان هما كوميديان (ستاند آب كوميدي) وكاتبا سيناريو ومنتجا أفلام وممثلان لبنانيان، اشتُهِرا بشخصية علي العلوية، التي ابتكرها الثنائي ويجسّدها حسين قاووق، وعلي العلوية هو أزعر خيالي، مضحك وماكر وانتهازي، رجل يستمتع بوقته ولكنه مستعدٌّ لتهريب الأسلحة إن لزم الأمر. وأحياناً يكون هذا ضرورياً، لأنّ الحياة في الضاحية ليست بالحياة السهلة. ومشاهدهما الكوميدية، التي تظهر على تيك توك وعلى شاشة التلفاز بشكل أساسي، تقدّم نكاتاً عن الحياة في الضاحية الجنوبية، لا يمكن لأحد آخر الإفلات من تبعاتها، ولا سيما أولئك الذين من خارج المنطقة.

ضرب الصواريخ بالنعال

في واحدة من المشاهد يتحدث علي العلوية حول حرب لبنان في صيف عام 2006. ويشرح أنّ صاروخاً قد سقط في الفناء الخلفي لمنزله، بيد أنه لم ينفجر. يتجمّع بعض الرجال حوله ويضربه رجل مسّن بنعاله، صارخاً: "تسقط إسرائيل!". على الأرجح، لم يغمض جفن للرئيس الإسرائيلي في تلك الليلة، كما يقول علي العلوية في مشهده. لا بد أنه قال لنفسه: "بالضاحية عم يضربوا الصاروخ بالشحاطة، شو بدنا نعمُل؟!".

أكسب هذا النوع من النكات حسين قاووق ومحمد الدايخ شعبية لا تخلو من مخاطر، وقد ازدادت شعبيتهما حين وصل فيلمهما الأول إلى دور السينما. أُعلِن عن فيلم هردبشت في جميع أنحاء المدينة على لوحات إعلانية ضخمة، وجذب الانتباه في المقام الأول لأنّه قدم لمحة عن عالم كان مخفياً عن الأنظار عادة.

لم يُصوَّر الفيلم في الضاحية. يقول محمد الدايخ -المسؤول عن السيناريو والإخراج- إنَّ الأمر كان من الممكن أن يكون "معقَّداً للغاية". توارى طاقم العمل في منطقة الأوزاعي القريبة، الموقع الساحلي الجميل الذي شهد منذ سنوات حملة تجميل فطُلِيت منازله المنخفضة بألوان مختلفة وغُطِّيت بجداريات تعود لفناني غرافيتي من جميع أنحاء العالم، وهذا ما جعل المنطقة تبدو مثل قرية ساحلية ملونة على مقربة من المطار المجاور.

طاقم الفيلم الصاخب مهدَّدٌ بالبنادق

يركّز الفيلم مباشرة على الأوزاعي، ليكشف عن عالم مُصغّر تحكمه قوانينه الخاصة، والتي سرعان ما توضع جانباً عند الضرورة. والولاء هو رفاهية أخرى. ومحمد الدايخ مُقتنع أنه لم يكن من الممكن على الإطلاق لأي مخرج من أي منطقة أخرى في لبنان -حتى وإن كان مسيحياً- أن يصوَّر في الأوزاعي. وبالتأكيد فقد واجه طاقم الفيلم صعوبات: أطلق رجل يعيش في مكان قريب النار من بندقيته في الهواء لطرد فريق العمل الصاخب ولم يكن من الممكن استرضاؤه إلا بمنحه الكهرباء من مولداتهم، والتي باعها على الفور إلى الخادمة الإثيوبية في المبنى الذي يقطنه.

دفع الفريق أموالاً للمتفرجين الفضوليين الذين وصلوا بأعداد كبيرة بحيث أنّ التصوير سرعان ما أصبح مستحيلاً تقريباً. ومن أجل كسب احترامهم وإثبات أنه واحد من السكان المحليين، غالباً ما صُوِّر محمد الدايخ عاري الصدر. يقول: "الفيلم خيالي، ويُروى في إطار وثائقي". وتلتقط الكاميرا الكثير من هذا الإطار: خروف مذبوح، أطفال يلعبون مع دجاجة، ودراجات الميفا النارية القديمة التي تتعرّج على مسارات ضيقة وغير معبّدة.

ويصوِّرُ الفيلم شقيقين، تاجرَيْ مخدرات، يلعب دور أحدهما حسين قاووق، الذي لا تخطئه العين بفضل لحيته الكثيفة الأفريقية، ويلعب دور الآخر واحد من إخوة محمد الدايخ، والذي يؤدي دوره الأول على الشاشة بشكل جيد، عبر فرصة أتاحتها الميزانية المحدودة للفيلم. في إحدى الليالي، يرميان بالخطأ زوج جارتهما الجذابة من السطح. وقد أدت محاولاتهما للتستّر على خطأهم الفادح إلى تحريك الأحداث التي سرعان ما خرجت عن نطاق سيطرتهما لتترك المشاهد يكافح محاولاً تتبُّع مسار الأحداث.

بيد أنه من الممكن تجاوز هذا، لأنّ جرأة الفيلم تتجلّى بشكل أكبر في تفاصيله: في المرأة التي تقتل الشيخ، مع سلطته الدينية؛ وفي شعارات ثورة 2019 التي تتردد في شوارع الأوزاعي؛ في تصوير الحياة اليومية وسط فظاعة المنطقة التي يحكمها حزب الله وحلفاؤه؛ وفي الشرطي المسيحي الذي يقتل زميله ويخفي جريمته لتبدو وكأنها من فعل مجرمين شيعة.

عدة مستويات من التعصُّب

من وجهات نظر العوالم المُصغَّرة الفردية التي تشكِّل المجتمع اللبناني، يقدِّم هذا الفيلم الكثير من الفضائح الجاهزة للنقد. ومع ذلك فإنَّ اعتراض هيئة الرقابة لم يكن إلا على المشاهد التي تُظهِرُ شرطياً يدخّن. لم يحذفوا المشاهد واستمر عرض الفيلم في السينما.

وقد تراوحت ردود الفعل بين الرفض والتقدير. يقول محمد الدايخ إنّ البعض من الطبقات الوسطى الشيعية، لم يعجبهم طريقة تقديم الفقر في أحيائهم. "شعر آخرون، ولا سيما المتعصبين دينياً، بأنهم عرضة للهجوم بمجرد أن قلت كلمة (شيعة)". فيما أشاد آخرون بالثنائي لامتلاكهما الشجاعة للتعبير عن أشياء لا يجرؤون هم أنفسهم على قولها.

Here you can access external content. Click to view.

وغالباً ما قام الكوميديان بذلك في تشكيلهما لشخصيتهما علي العلوية. ففي واحد من المشاهد، يتحدث العلوية بصراحة حول حقيقة أنّ الشيعة شاركوا أيضاً في احتجاجات خريف عام 2019، حين نزلت قطاعات واسعة من الشعب اللبناني إلى الشوارع احتجاجاً على الفساد والطائفية، وهو اعتراف يعرضه للخطر لدرجة أنه يقضي كل وقته متلفتاً حوله بقلق للتأكد من عدم قيام أحد بتصويره. 

في إحدى المناسبات ذهب الثنائي إلى أبعد من ذلك: ففي مشهد بُثَّ على التلفاز في أيلول/سبتمبر 2021 عبَّرَ عن انتقاد واضح لحزب الله وأثار موجة من الغضب مصحوبة بتهديدات بالقتل. وقد استوحى الثنائي اسم المسرحية التي يعملان عليها حالياً من واحد من هذه التهديدات: اسحبهم من شعرهم!

ولكن هل من الممكن خلق شخصية مثل علي العلوية يمكن لجميع اللبنانيين أن يشعروا بأنها تعبّر عنهم، شخصية تكدح على جانب لا يمثّل الحافة المذهبية الممزَّقة، للمجتمع؟ لا يحتاج محمد الدايخ إلى وقت للتفكير في الإجابة. "سيكون الأمر مستحيلاً. في لبنان أول سؤال يسألك إياه أي شخص هو من أي أنت".

وهو نفسه ليس سعيداً بمدى سهولة اعتبار علي العلوية شيعياً، وعدم النظر إليه على أنه مجرد شاب صغير آخر في الشارع، يكافح في سبيل البقاء. وكما يقول، يتعلق كل شيء بالطائفة، حتى المسرح، ولا يمكن لكل ممثل لعب كل دور. كما أنّ معظم الناس يذهبون إلى السينما بمنظور معين. يقول محمد الدايخ: يوجد "عدة مستويات من التعصّب. تعصّب داخل الطائفة الشيعية، وتعصب تجاه الفقراء، وكذلك هذا الازدراء من جانب المسيحيين".

يعتقد الدايخ أنهم سيشاهدون الفيلم فقط لأنه من المفترض أن يدور حول عيش الرعاع في ظروف يحاولون هم أنفسهم النجاة منها. يقول حسن قاووق، شريك الدايخ: "لكن الفقر موجود في جميع أنحاء البلاد". بيد أنّ إنهاء مشاعر العار تجاه هؤلاء الأشخاص سيتطلب كسر محرمات أخرى.

 

 

لينا بوب

ترجمة: يسرى مرعي

حقوق النشر: فرانكفورتَر ألغيماينِه تسايتونْغ / موقع قنطرة 2023

Qantara.de/ar