"إسلام ألماني" على غرار "الإسلام البوسني"
كيف يمكن دمج الإسلام في أوروبا؟ من الممكن أن يقدِّم الإسلام البوسني جوابًا على هذا السؤال. إجتمع مؤخّرًا في أكاديمية أبرشية روتنبورغ شتوتغارت خبراء ومختصون في الدين والعلوم والسياسية للتباحث حول دور الإسلام البوسني. جوران أربوتينا أعدّت هذا التقرير حول المؤتمر.
على الرغم من أنَّ المهاجرين القادمين من بلدان إسلامية يعيشون في أوروبا ويهاجرون إلى هناك منذ عشرات السنين، إلاَّ أنَّ الجماهير الأوروبية لم تنتبه لوجودهم الا في السنين الأخيرة. ليس فقط بسبب اعتداءات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001.
النتيجة: صارت الحرب على الإرهاب تتصدّر الأجندة السياسية. وكذلك صارت تُسمع الآن وبوضوح أكثر من ذي قبل عبارات مثل "الخطر الإسلامي" أو صور مشوّهة عن المسلمين ودينهم.
لكن من ناحية أخرى زادت المعرفة بأنَّ الإسلام أصبح جزءاً من الواقع الأوروبي وأنَّه لا بدّ من دمجه في مجتمع الأكثرية المسيحي. هكذا بدأ البحث عمّا يسمى بـ"الإسلام الأوروبي".
إسلام يتناسب مع المعايير الأوروبية
أستُدل على مثل هذا الشكل من الإسلام في البوسنة والهرسك. إذ يُتَّبع الدين الإسلامي هناك منذ مئات السنين، أي منذ عهد الفتوحات العثمانية، بشكل معتدل.
كذلك خيضت في هذا البلد الأوروبي تجارب طويلة مع الحياة في مجتمع متعدِّد الأديان، حسب تعبير الأستاذ الجامعي توماس برمر من المعهد المسكوني في جامعة مونستر. يعتقد توماس برمر أنَّ الخواص المميِّزة للإسلام البوسني تكمن في وجود تجربة طويلة من التعايش مع المسيحيين:
"عاش المسلمون البوسنيون طيلة قرون من الزمن في الدولة العثمانية سوية مع الكاثوليك والأورثوذكس واليهود كما أنَّهم كوّنوا في العهد اليوغوسلافي بعد العام 1918 مبدأً خاصًا، منفتحًا من أجل الحوار مع الطوائف الدينية الأخرى. كذلك يوجد لديهم وعي قوي جدًا بأنَّه لا بدّ لهم من تطوير إسلام يتناسب مع المعايير والقيم الأوروبية".
"سلطاني يجلس في بروكسل"
ينعكس هذا التقليد أيضًا على وقتنا الحاضر. إذ صرّح مؤخرًا أكبر ممثّل للمسلمين البوسنيين، مفتي سراييفو الأكبر رأس الأمة مصطفى أفندي تشيريتش Mustafa Efendi Ceric، قائلاً: "سلطاني لا يجلس في الشرق، سلطاني يجلس في بروكسل!"
يحمل المسلمون البوسنيون رسالة مفادها "نحن أوروبيون"، أيضًا حسب قول منير هودزيتش Munir Hodzic، إمام الطائفة البوسنية في فرانكفورت أم ماين: "نحن لا نتوجّه نحو الشرق، مثلما يعتقد الكثيرون، بل أملنا في الغرب. مستقبلنا موجود في عمليات الاندماج الأوروبية. نحن جزء من أوروبا، هنا ولدنا ولا يمكن لأحد أن ينقلنا إلى مكان آخر. نحن موجودون هنا!"
يعتبر هذا أيضًا دليلاً مهمًا في الجدال فيما إذا كان للإسلام على الإطلاق مكان في أوروبا، مثلما تعتقد لاله أكغون مفوّضة شؤون الاندماج عن الائتلاف الديموقراطي الإشتراكي في البرلمان الاتِّحادي الألماني: كلّ الذين يقولون إنَّ أوروبا والإسلام لا يتناسبان مع بعضهما، تُفنَّد ادعاءاتهم لأنَّ المسلمين يعيشون في وسط أوروبا من دون أيَّة مشاكل مع جيرانهم ومع بعضهم، على حدّ قول لاله أكغون.
بعد العديد من الاعتداءات الإرهابة التي اقتُرفت باسم الإسلام، أيضًا في وسط أوروبا، تم وضع المسلمين في أماكن كثيرة وبشكل شامل مع المتطرّفين على حدّ سواء. تقدِّم تجربة الإسلام البوسنية بديلاً جذّابًا كذلك من أجل التصدي لهذه الأجواء.
إنَّ الظواهر التي تُعرف باسم التطرّف أو الإسلام السياسي غير موجودة في البوسنة، أيضًا حسب رأي توماس برمر: وحتى إن وجدت فعلى الأقل بشكل نادر جدًا. إنَّ الإسلام البوسني مع الانفتاح والقدرة على الحوار.
شريك للسلطات المحلية
كذلك يتميّز الإسلام في البوسنة بتنظيمه الموحّد. إذ يترأس هذه الطائفة المسلمة "رأس الأمة" بصفته المفتي الأكبر المنتخب والمعترف به من الجميع.
إنَّ أحمد عليباسيتش، الأستاذ الجامعي في كلية العلوم الإسلامية في سراييفو ومدير معهد الدراسات الدينية في سراييفو، مقتنع بأنَّ هذه التجربة يمكن أن تكون مهمة جدًا أيضًا بالنسبة لأوروبا:
"أعتقد أنَّ فكرة الطائفة البوسنية المسلمة باعتبارها تنظيمًا يضم كلّ المسلمين في البلاد، تمثّل شريكًا للسلطات المحلية ولكنها مستقلة، تضمن ثقة الآخرين بها وتجعل نفسها من خلال ذلك جديرة بالثقة"، على حدّ قول أحمد عليباسيتش.
"في مثل هذه الأجواء لن يتوجّه المسلمون المحليون حسب رغبات أصحاب السلطة الدينية الذين يتجاوزون الحدود القومية ويصدرون من اليمن أو من أماكن أخرى من العالم تعليمات للمسلمين المحليين - تعليمات لا يستطيع المسلمون فعل شيء بها في البيئة الأوروبية".
إسلام ألماني
تعتبر هذه الأفكار أيضًا بالنسبة للسلطات الألمانية مهمة جدًا، على الرغم من أنَّ نموذج الإسلام البوسني قد نشأ ضمن سياق تاريخي ولهذا السبب لا يمكن نقله إلى ألمانيا دون تغيير.
بيد أنَّ الأساس من أجل دمج الإسلام البوسني يكمن أولاً ودائمًا في اتقان اللغة بشكل كافٍ. حتى الأئمة الذين يعيشون في ألمانيا ويلقون الخطب والمواعظ لا يستطيعون عادة التفاهم مع بعضهم، ذلك لأنَّ معظمهم لا يتقنون اللغة الألمانية.
لقد بدأ قبل أعوام الأئمة البوسنيون الذين ينصحون مرارًا وتكرارًا أبناء طائفتهم بأن "يندمجوا!"، بتدريس الأطفال مادة التربية الدينية باللغة الألمانية. كذلك صار الأئمة يعملون بالتعاون مع السلطات الألمانية في مشروع، على حدّ قول فريد كوجيتش، إمام الطائفة البوسنية في شتوتغارت:
"يتعلّق الأمر في ذلك بتعليم وتدريب الأئمة الذين ولدوا في ألمانيا وتعلموا في المدارس هنا. يجب أن يدرسوا هنا وأن تتضمّن دراستهم فترة إقامة للدراسة في سراييفو. إذن لا يهم إن كان المعني عربيًا
أو أفغانيًا أو بوسنيًا. المهم أن يتم التدريس وكلّ التفاهم باللغة الألمانية. وعندها من الممكن أن ينشأ من كلّ هذه الأقليات العرقية والطوائف إسلام يطلق عليه اسم "الإسلام الألماني".
بقلم جوران أربوتينا
ترجمة رائد الباش
حقوق طبع الترجمة العربية قنطرة 2007
قنطرة
جسر بين الأديان ووسيط بين الحضارات
تتميز العلاقة بين الأقلية المسلمة ومجتمع الأكثرية الألماني عادة بانعدام الثقة وجهل أحدهم الآخر. هذه هي النقطة التي يسعى مسلمو البوسنة إلى العمل عليها، حيث يريدون أن يكونوا جسراً بين الأديان ووسيطاً بين الحضارات. تقرير كتبته جوران أربوتينا.
حوار الأديان كطريق الى المصالحة
لم يعد التعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين واليهود في البوسنة والهرسك بعد حرب التسعينيات سهلا، الأمر الذي يجعل ممثلي الأديان يرون أن الإسهام في المصالحة يقوم مستقبلا على الحوار بين الأديان بدعم مكثف من قبل السياسيين والمنطمات وصناديق الدعم. تقرير من مرجانة ديكيج.
وطنيون أوروبيون باسم الإسلام
مصطفى جريتش، رئيس العلماء في البوسنة، يتحدث في الحوار التالي عن خصوصية المسلمين في بلاده، عن المساهمة السعودية في إعادة إعمار المساجد والنقد الأوربي لذلك.