السعي إلى تفادي كارثة إنسانية

تسعى منظمات إنسانية ألمانية وتلك التي تضم نشطاء لبنانين إلى تقديم مساعدات شتى في أنحاء مختلفة من لبنان. مارتينا صبرا تحدثت مع بعض الناشطين.

يُلاحظ التعب والتوتّر في هذه الأيّام على أندرياس ماورَر، المستشار لشؤون الشرق الأدنى، عندما يأتي إلى مكتبه. فمنذ عدّة أعوام تقوم الهيئة التبشيرية الإنجيلية للجنوب التي يعمل لديها في شتوتغارت بدعم مدرسة اسمها "مدرسة شنيلّر" في سهل البقاع عن طريق كنيسة شقيقة.

لا يستريح أندرياس ماورَر إلاّ بعد اتّصاله الصباحي الروتيني بمدير المدرسة الواقعة في خربة قنافار وسماعه الخبر الطيّب الذي يفيد بأن كلّ شيء في المدرسة بقي سليمًا في الليلة السابقة، على الرغم من غارات القنابل الشديدة التي تعرّضت لها المناطق المجاورة للمدرسة.

"لحسن الحظّ تصادف حاليًا العطلة المدرسية، وإلاّ لكنّا في وضع صعب جدًا؛ نحن نأمل أن يكون كلّ الأطفال بحالة حسنة، ونشاركهم مأساتهم، ذلك لأنهم من المفترض يستحقّون في الواقع قضاء عطلة مريحة، وهذا غير ممكن حاليًا لأيّ إنسان يعيش في لبنان."

مأوى للاجئين في المدرسة

يبلغ عدد التلاميذ الذين يعيشون في مدرسة شنيلّر الداخلية في خربة قنافار حوالي مائة وثمانين تلميذًا وتلميذة. عندما بدأت الاعتداءات الاسرائيلية في وسط شهر تمّوز/يوليو واندفعت أفواج اللاجئين تتوافد من الجنوب والغرب، قامت المدرسة بشكل تلقائي بفتح أبوابها للاجئين. وفيما بين بلغ عدد الذين وجدوا لأنفسهم مأوًى في المدرسة إلى أكثر من ثلاثمائة شخص. تعاني المدرسة من قلّة في عدد الأسرّة والمواد التموينية والأدوية. كذلك يمكن أن يصبح الماء قليلاً وغير كافٍ لأن المضخّات لا تعمل - على حد قول ماورَر:

"استقبلت المدرسة حتى الآن أعدادًا كبيرة من اللاّجئين تزيد عن الأعداد التي كنّا ننوي إيواءها في الأصل. لقد اتّفقنا في البدء على استقبال 150 إلى 170 شخص، لكن يوجد لدينا حاليًا تقريبًا ضعف هذا العدد. إن الوضع متوتّر جدًا. وطبعًا الناس مصابون قبل كلّ شيء باليأس، فكل هؤلاء الناس خائفون. إذ ترك الكثيرون منهم أقرباءهم أو رجالهم ليحرسوا ممتلكاتهم وليشتغلوا بمزارعهم، هذا إن كان ذلك ممكنًا بشكل ما، فالعمل بالزراعة يشكّل هناك مصدر الدخل الوحيد بالنسبة للكثيرين."

دعت الهيئة التبشيرية الإنجيلية للجنوب في الأسبوع الماضي إلى جمع التبرّعات نظرًا إلى الأوضاع المتأزّمة في لبنان. وبالإضافة إلى ذلك دعت الهيئة التبشيرية الإنجيلية للجنوب الحكومة الألمانية الاتحادية لكي تبذل ما في وسعها لإنهاء العنف في الشرق الأدنى.

"نحن نطالب بوضع نهاية لكلّ أشكال العنف، ونطالب بوقف فوري لإطلاق النار، من أجل تفادي وقوع كارثة إنسانية في لبنان. ولكننا نعتقد أيضًا أن الأسلوب الذي اتّبعته إسرائيل للردّ على التحرّشات الصادرة عن حماس وحزب الله - التي يجب في الحقيقة إدانتها - لا يتّفق مع القانون الدولي. كما أننا ممنونون جدًا لوزيرة التنمية السيدة ماري فيشوريك-تسول لأنها أدلت رأيها على هذا النحو، بالرغم من أنها تعرّضت لانتقادات حادّة."

نشاط لبناني من المهجر

بينما يلجأ أندرياس ماورَر إلى مؤسسة صغيرة لكنها متخصّصة، يقوم المشرف الاجتماعي اللبناني-الألماني سعيد أرناؤوط في مدينة توبنغن بتنظيم حملات للمساعدة من حجرة الجلوس في منزله. أسّس سعيد أرناؤوط قبل نحو عشرة أعوام بالتعاون مع بعض الأصدقاء الألمان في جبال الشوف الواقعة إلى الجنوب من بيروت، ملتقى "دار السلام" الألماني اللبناني الفريد من نوعه في لبنان والذي يمتاز باستقلاله دينيًا وسياسيًا.

تعرّف حوالي أربعة آلاف شخص من ألمانيا وبلجيكا وسويسرا والسويد في دار السلام في السنين الماضية ضمن إطار رحلات تثقيفية اجتماعية-ثقافية على لبنان ومنطقة الشرق الأدنى. يقول سعيد أرناؤط رافعًا بيده رسالة وصلته بالفاكس، إن الكثير من علاقات الصداقة التي نتجت عن هذه الرحلات أثبتت الآن أنها وطيدة: إذ تبرّعت امرأة ممن اشتركوا بالرحلات بألفي يورو؛ وهذا المبلغ مقدّم لكلّ اللاجئين الذين استقبلتهم دار السلام البالغ عددهم مائتي شخص.

"وعلى هذه الحال نبقى طيلة اليوم، كيف يمكننا توجيه جهودنا من أجل فعل شيء ما؟ وجّهنا يوم البارحة على الهاتف أمرًا يقضي بالتبرّع بثلاثين غطاء وبياضات للأسرة من ملتقى دار السلام إلى أقرب مشفى، وذلك لأن تلك المشافي الصغيرة التي لا يمكن مقارنتها بالمشافي الألمانية تفتقر لكلّ شيء. إذ أنها غير مجهّزة لاستقبال مثل هذا العدد الكبير من المرضى والمصابين. فنحن نحاول إذن بذل ما في وسعنا من أجل الناس هناك، وما يمكننا لتعبئة الأصدقاء الموجودين هنا لمساعدة الناس هناك."

ضرورة إيجاد حل عادل

كذلك أصابت غارات إسرائيل العشواء سكّان مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان، الذين يبلغ عددهم حوالي مائة ألف نسمة؛ تعمل لأجلهم منذ ما ينيف عن عشرة أعوام جمعية "أطفال لاجئون في لبنان" التي يقع مقرّها في مدينة توبينغن. يتم حاليًا دعم أكثر من ثمانين تلميذ في مرحلة التعليم الإلزامي بواسطة أشخاص من ألمانيا وسويسرا يتولّون رعاية التلاميذ.

قامت هذه الجمعية بتجهيز العديد من العيادات الطبية وببناء روضة للأطفال وبإكمال دراسة وتأهيل العديد من المشرفات الاجتماعيات الفلسطينيات. تسعى الجمعية بالإضافة إلى ذلك من خلال منحة تعليمية مقدّمة لشابّة صغيرة تبرّعت بها المرحومة اليهودية البرلينية روزة فاينر، إلى إظهار أن التفاهم اليهودي-العربي ممكن رغم كلّ شيء. تمّكن في السنين الماضية أطفال كثيرون بفضل هذه الجمعية من الذهاب إلى مدرسة وتطوير آفاق للمستقبل. تقول إنغريد رومبف مشتكية، إن الحرب تؤخّر الآن عمل الجمعية لأعوام.

طالبت جمعية "أطفال لاجئون في لبنان" الحكومة الاتحادية الألمانية أن لا ترعى فقط الدولة اليهودية، بل كذلك جيرانها المباشرين، الفلسطينيين. تعتقد إنغريد رومبف أنه من دون إيجاد حلّ عادل للمسألة الفلسطنية لا يمكن أيضًا إيجاد حلّ في لبنان.

بقلم مارتينا صبرا
ترجمة رائد الباش
حقوق الطبع قنطرة 2006

قنطرة
ملتقًى ألماني-لبناني يحتفل بذكرى تأسيسه العاشرة
ملتقى متعدد الثقافات ينطلق منه الضيوف المتعطشون للمعرفة والاكتشاف دار السلام مشروع ثقافي يتدفق إليه الضيوف من المناطق الناطقة بالألمانية والدول الاسكندنافية وغيرها، ليس للاستجمام فقط وإنما لكسب المعرفة ولزيارة دورات لغوية وللتعرف على ثقافة لبنان المعاصرة. تقرير مارتينا صبرا.

لبنان: مئات من القتلى، الآلاف من اللاجئين وتدمير البنية التحتية
إنه الانتقال الأسرع من حياة السلم الى حياة الحرب. الدقائق التي سبقت الساعة التاسعة والثلث من يوم الأربعاء(12.7). ذاك هي غير الدقائق التي تلتها. قبل ذلك الصباح الفاصل لم يُنذر أحدٌ أحداً بشيء، ولم تظهر أي من العلامات المعتادة التي تشير الى أن الحرب مقبلة. بقلم حسن داوود

الأزمة اللبنانية-الإسرائيلية:
حتى اليوم هناك أكثر من 700 ألف نازح يقيمون في العراء، وهناك حوالى الثلاثمئة قتيل، وأكثر من ألف جريح. أيضاً. بدأت الحرب في ذروة الموسم السياحي، وفي ذروة الجدال الدائر بين المختصمين من حلفاء سوريا وإيران من جهة، وجماعة 14 آذار التي قادت انتفاضة سلمية أخرجت الجيش السوري من لبنان من جهة ثانية. تحليل حازم الصوفي