تأسيس أكاديمية لتدريس الأديان في جامعة هامبورغ

يبذل باحثون من أتباع الديانات الكبرى منذ سنوات عديدة جهودا مشتركة في مجال البحث والتعليم الديني بجامعة هامبورغ، هذه الجهود تكللت مؤخرا بتأسيس أكاديمية لتدريس الأديان، بهدف خلق أرضية مشتركة للحوار البنّاء. أوته همبلمان تعرفنا بهذا المشروع.

لعل ما حدث مؤخرا في سويسرا بشأن منع بناء المنارات، وقبله أزمة الرسوم الكاريكاتيرية والهجوم الذي تعرض له رسام الكاراكاتير الدنمركي نماذج توضح مدى أهمية العلاقة الموضوعية بين الأديان المختلفة. ولجامعة هامبورغ خبرة في هذا المجال، فهناك يقوم باحثون من ينتمون إلى الديانات الرئيسية الثلاث بجهود مشتركة في مجال البحث والتعليم الديني، اعتماداً على منظورات مختلفة كعلم الاجتماع والعلوم الإسلامية وعلم التربية الدينية وعلم اللاهوت.

يسلك مهدي رصافي بخطى وئيدة طريقه إلى الحرم الجامعي في هامبورغ لحضور حلقات النقاش والبحث الجامعي. ولم تفت سنوات عمره الثمانين ولا الجليد المتراكم على جانبي الطريق من عضد هذا الإمام الهندي المسلم الذي يعتبر علما بارزا في مجال الحوار بين الأديان في هامبورغ. وهناك كانت مفاجأة في انتظار الحضور داخل قاعة البحث، ألا وهو نبأ قرب افتتاح أكاديمية الأديان في جامعة هامبورغ. ويرجح فولفرام فايسه، مدير مركز الحوار بين الأديان في الجامعة، أن يكون موعد الافتتاح في منتصف شهر يونيو/حزيران القادم. وبهذا يكون الحلم الذي راود زملاءه من الباحثين والأكاديميين في الجامعة، قد تحقق أخيرا بعد مرحلة التخطيط التي استمرت سنوات عديدة.

التركيز على حوار الأديان ضرورة

وقاد هؤلاء الباحثون من قبل العمل في المشروع الأول الذي أنشأه الاتحاد الأوروبي لبحث تدريس دروس الديانة في المدارس الأوروبية، ويحمل النموذج المعمول به حاليا في مدينة هامبورغ بصماتهم بوضوح. ويعتمد هذا النموذج على تدريس مادة الديانة بشكل مشترك لتلاميذ مسلمين ويهود ومسيحيين وبوذيين. إلا أن هذه التجربة واجهتها بعض المشاكل المتعلقة بنقص الكوادر والميزانية المالية اللازمة لمواصلة الأبحاث. لكن سيتم مستقبلا التركيز على الحوار بين الأديان بشكل أكبر، بحسب مدير المركز فولفرام فايسه، وهو يوضح بأن نتائج الاستفتاءات المنتظمة التي تجريها الجامعة، من شأنها توضيح مدى الاستعداد لتفهم وتقبل الآخر، وكذلك رصد المؤشرات التي قد تدلل على غياب التسامح وسعة الصدر والاتجاه إلى إقصاء الآخر.

خطوات أولى في طريق طويل

ترى حليمة كراوسن، التي تعتبر إحدى عالمات الدين الإسلامي القليلات في ألمانيا من منطلق توليها مهامها كإمام، أن الصراعات الأخيرة تؤكد أن الحوار بين الأديان لا يزال في بداياته، وتدعم وجهة نظرها بالقول:"قضايا الحوار ليست مطروحة على الرأي العام بشكل كاف، والحديث يدور عن الآخر وليس معه. إن هناك قصورا في التربية والتعليم وهذا يشمل (...) وسائل الإعلام كذلك. إن كل هذا لا يزال في بداياته فقط."

لكن هناك أسئلة تعني كل الأديان دون استثناء، من قبيل: ما هي بنية الأديان ودورها في المجتمعات المعاصرة؟ وأين يتم استغلال الدين لأغراض أخرى بما فيها الأغراض السياسية؟ وهذا بالذات ما يمثل خطرا على الإسلام برأي الأستاذ الزائر المتخصص في العلوم الإسلامية عبد القادر طيوب الذي قدم من جنوب إفريقيا. وهو يدعو إلى العودة إلى الجذور الروحية للدين، حيث يعتبر أن التعامل مع استغلال الدين والبحث عن جوهره يتم بشكل متزايد على أرضية سياسية، وهو لا يريد أن ينفي الجانب الروحاني إذ إن هناك تيارات متعددة في هذا الصدد، لكن "غالبية المسلمين يفكرون أولا في دور الإسلام اليوم؛ أي عما إذا كان الإسلام يلعب دورا."

المعاصرة ليست نقيضا للتدين

وفيما يتعلق أيضا بالعلاقة بين الدين بالدولة، وبين الدين والمعاصرة، يلاحظ الخبير الأمريكي في العلوم الدينية الاجتماعية جوزيه كازانوفا، بأن في أوروبا حيث يسري الفصل بين الدين والدولة، وينظر إلى العلمانية كأساس للمعاصرة، يعتبر الإسلام في نظر الكثيرين رجعيا. لكن ـ والكلام مازال للخبير الأمريكي ـ يغيب عن البال حينئذ أن بعض المجتمعات كالمجتمع الأمريكي مثلا تتجه نحو المعاصرة بشكل متزايد، إلا أن هذا لا يعني بالضرورة أن تصبح تلك المجتمعات أقل تدينا. ويضيف:"الإسلام يتجه بدوره إلى المعاصرة، لكن فيما يتعلق بالإرهاب فإن المسلمين لم يبتدعوه، وربما يرجع وجود إرهابيين مسلمين إلى أن الإسلام أصبح عصريا بهذا الشكل. وبناء على هذا فإن الإرهابيين تعلموا من المعاصرة وليس من الإسلام التقليدي."

التنوع قاسم مشترك بين الأديان

من جانبها تعطي أستاذة التاريخ الإسلامي ناهيدا بوزكورت مثالا على إمكانية المواءمة بين الإسلام والمعاصرة، مشيرة إلى أن المتطرفين من المسلمين يحاولون تقليد النبي محمد في كل ما كان يفعله، لكنها تجد أن ذلك "غير ممكن لمن يعيش في وقتنا الراهن لأن المجتمع تغير". وتختم بالقول بأن النبي محمد يمكن أن يكون قدوة، لكن ذلك لا يعني تقليده في كل شيء. إن نموذج هذه العالمة المسلمة المتخصصة في تاريخ الإسلام التي تجري أبحاثا حول المساواة بين الجنسين في جامعة أنقرة، يثبت التنوع الذي يتميز به الإسلام كغيره من الأديان الكبرى الأخرى، فإلى جانب المتشددين هناك عالمات مسلمات، وربما كانت ميزة التنوع هي من القواسم المشتركة التي تجمع بين جميع الأديان.

الكاتبة: أوته همبلمان
ترجمة: نهلة طاهر
حقوق النشر: دويتشه فيله 2010

قنطرة

حوار مع أستاذ التربية الإسلامية بولنت أوجار:
"تخوف مسلمي ألمانيا من فرض إسلام رسمي"
يرى بولنت أوجار، أستاذ التربية الإسلامية في جامعة أوسنابروك، أنه ينبغي لدولة القانون الألمانية تجنب التدخل في عملية تطور "إسلام ألماني" وفرض رؤيتها عليه، بيد أنه يطالب في الوقت نفسه الجمعيات والمنظمات الإسلامية بأن تعيد النظر في بنيتها وهيكلتها الأساسية. إلباي جوفرجن حاور البروفيسور أوجار.

صورة الإسلام في ألمانيا:
"تطبيع التغطية الإعلامية ضرورة ملحة"
تثبت الكثير من الدراسات وعلى الرغم من تحقيق بعض التقدّم أنَّ صورة الإسلام التي تنقلها وسائل الإعلام الواسعة الانتشار مازالت تركز على الجوانب والمدلولات السلبية. الخلاف والاختلاف حول هذه الجوانب كان محور مؤتمر خاص عقد في برلين. لؤي المدهون يعرض أهم مجريات هذه النقاشات ومحاور هذا المؤتمر.

حوار مع الفيلسوفة وأستاذة العلوم السياسية شيلا بن حبيب:
الوطن والمواطنة.... رؤية كوزموبوليتية
ترى الفيلسوفة وأستاذة العلوم السياسية في جامعة ييل الأمريكية، شيلا بن حبيب، أنَّ هناك قصورا في تطور الديمقراطية الألمانية فيما يتعلق بحقوق المهاجرين. كما تطالب بمنح الأجانب المقيمين في البلاد حقّ المشاركة في الانتخاب البلدية ومساواة الإسلام مؤسساتيا مع الديانات الأخرى. دينيز أوتلو حاور شيلا بن حبيب حول هذه القضايا.