من أجل مستقبل مشترك
ميونيخ في 7 فبراير 2004
يوشكا فيشر
قبل عام تحاورنا هنا في ميونيخ وبكل صراحة حول مسألة الحرب المحتملة ضد العراق.
وكانت رؤيتنا مختلفة حول
- عما إذا كان تحليل التهديد يكفي لتبرير إيقاف عمل مفتشي الأمم المتحدة،
- ما هي النتائج التي قد تعود بها الحرب على مكافحة الإرهاب الدولي،
- ما هي التداعيات التي قد تكون لحرب في العراق على الاستقرار الإقليمي،
- عما إذا ما سيصبح في الإمكان التحكم في العواقب الطويلة المدى للحرب،
- وعما إذا كان أساس مشروعية هذه الحرب الذي هو موضع خلاف، سيحُد بشكل خطر من القدرة على الصمود في فترة ما بعد الحرب.
وترى الحكومة الألمانية أن مجرى الأحداث قد أكد على صحة موقفها آنذاك. فقد كان قرارنا السياسي ألا نشارك في التحالف، لأننا كنا ومازلنا غير مقتنعين بأسباب الحرب.
ورغما عن ذلك كان هناك أيضا شيئان واضحان تماما أمامنا بعد أن اتخذ التحالف قرار الحرب. أولا يجب على التحالف أن ينهي الحرب بنجاح في أسرع وقت ممكن، وثانيا ينبغي الفوز بالسلام.
فالفشل سيؤدى إلى نتائج سلبية تحيق بنا جميعا، بأوروبا مثل أمريكا، بمؤيدي الحرب ورافضيها بنفس القدر. هذا المنطلق حدد موقف ألمانيا خلال حرب العراق وبعدها.
ولكم تفجعنا الضربات الإرهابية البشعة، كما في اربيل أخيرا، التي ينجم عنها عدد كبير من الضحايا بين المدنيين بل وبين جنود حلفائنا وأصدقائنا أيضا. ونخص أسرهم بكامل تعاطفنا.
عندما نقول إن علينا أن نفوز بالسلام سويا وإلا فإننا سنخسر سويا، بصرف النظر عما كان موقفنا من الحرب، يتحتم علينا أن ننظر الآن إلى الأمام:
إننا متفقون على أن ما يبذله التحالف من مجهودات، يجب أن يُكلل بالنجاح. فلا يصح أن تصبح لقوى العنف والإرهاب اليد العليا في العراق.
ولذلك فإننا مقتنعون بأنه من الأهمية بمكان أن يستعيد البلد سيادته على أساس عريض من المشروعية، وأن تُنقل السيادة إلى حكومة عراقية تكتسب مصداقيتها، بقدر الإمكان، من الانتخابات. ويجب أن تتكفل الأمم المتحدة بالدور المحوري في نقل السيادة ودعم إعادة البناء الديمقراطي، إذ أنها هي فقط التي في وسعها أن تضمن المشروعية المطلوبة للعملية.
ومنذ البداية ونحن في صف توجيه إعادة البناء في العراق على هدى من التجارب في أفغانستان. ينعكس هذا في التزاماتنا الإنسانية في العراق ومشروعنا الخاص بتدريب قوات الشرطة.
اسمحوا لي أن أتطرق هنا بصراحة إلى نقاش قد بدأ منذ بعض من الوقت. إنني أعتقد أن القرار الخاص بمشاركة حلف الأطلسي المباشرة في العراق يجب فحصه والتمحيص فيه بعناية. ولن تخرج الحكومة الألمانية على الإجماع، بالرغم من أننا لن نرسل قوات ألمانية إلى العراق. لكن يجب في جميع الأحوال أن نراجع خطر الفشل والنتائج المحتملة والجادة جدا، التي قد تشكل تحت ظروف معينة، عواقب وخيمة للحلف.
والأمانة تفرض علي ألا أخفي عنكم الشك العميق الذي يساورني.
لقد أصبحنا ندرك أكثر فأكثر أن الأزمة في العراق لن تُحل دون عملية إصلاح دائم وطويل المدى في المنطقة بأكملها.
وبصرف النظر عن الخلاف حول الحرب في العراق فإننا نشارك ومنذ وقت طويل في القناعة بأنه بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 ليست فقط الولايات المتحدة الأمريكية هي التي لا يمكن أن تقبل بالوضع السائد في الشرقين الأوسط والأدنى، وإنما يسري هذا أيضا على أوروبا، بل وعلى الشرق الأوسط نفسه.
فإن الخطر الأكبر الذي يتهدد أمننا الإقليمي والعالمي في بداية هذا القرن، ألا وهو الإرهاب الجهادي المدمر بأيديولوجيته التوتاليتارية، بؤرته الشرق الأدنى والشرق الأوسط. فهو لا يشكل تهديدا لمجتمعات الغرب فقط، وإنما بالدرجة الأولى للعالمين العربي والإسلامي أيضا.
ولن ننجح في التغلب على التهديد النابع من هذه التوتاليتارية الجديدة بالأساليب العسكرية فقط. فإجابتنا عليها ينبغي أن تكون شاملة أيضا، مثلها مثل هذا التهديد. و الغرب غير قادر على أن يصيغ هذا الرد بمفرده.
وسنلحق بأنفسنا الهزيمة الأولى لو اتخذنا موقفا أبوي التوجه. بدلا عن ذلك، علينا أن نصيغ عرضا جادا للعمل المشترك، يرتكز على تعاون أصيل، نطرحه على الدول والمجتمعات في المنطقة.
إن الإرهاب الجهادي ليس قويا في حد ذاته بحيث يستطيع تنفيذ أهدافه السياسية مباشرة، ألا وهي خلخلة الاستقرار في الشرقين الأدنى والأوسط. إن هذا النوع من الإرهاب يحاول أن يورط الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية في حرب حضارات – الغرب ضد الإسلام – وأن يستفزه ليدفعه إلى المبالغة في ردود فعله أو حتى نحو اتخاذ قرارات خاطئة، لكي يتوصل إلى إثارة القلاقل في مجمل الشرقين الأدنى والأوسط، بهدف أن يؤدي الإرهاب والحرب غير المتكافئة إلى نتيجتين: من ناحية تستنفد القوات المحاربة والرأي العام في الغرب قواها، ومن ناحية أخرى تنزلق المنطقة إلى فوضى تفضي إلى فقدان الاستقرار.
ولهذا السبب علينا أن نراجع كل خطوة في الحرب ضد هذا الإرهاب بعناية، ونطور استراتيجية مشتركة تتيح لنا محاربة الإرهاب الجهادي بنجاح.
إن الحادي عشر من سبتمبر والإرهاب القاتل للقاعدة هما السبب في أن حلف الأطلسي اليوم يؤَمن إعادة إعمار أفغانستان واستقرارها على أساس من تفويض الأمم المتحدة لإيساف ISAF. وتتواجد ألمانيا حاليا بألفي جندي في أفغانستان، 1800 منهم في كابول، و200 في فريقنا القائم على التعمير في قندوز. كما نلعب دورا قياديا في إعادة بناء هياكل مدنية للشرطة. بجانب ذلك فإن ألمانيا إحدى أكبر الدول المانحة لمساعدات إعادة الإعمار في أفغانستان: سيصل المبلغ الإجمالي للمساعدات التي قدمناها حتى منتصف العام إلى 280 مليون يورو، أي أننا نكون قد تجاوزنا ما كنا قد وعدنا به.
رغما عن ذلك فإن علينا أن نجد منطلقا أكثر شمولية وعمق لمنطقة الشرقين الأوسط والأدنى، لو أردنا أن ننجح في حربنا على الإرهاب الجهادي. إذ تكمن وراء هذا الإرهاب الجديد أزمة تحديث عميقة في بقاع شاسعة من العالم العربي – الإسلامي.
ستبوء مجهوداتنا المشتركة في سبيل السلام والأمن بالفشل، لو ظننا أن فقط القضايا الأمنية هي المهمة – إنها كذلك بالتأكيد! لكن تعريف الأمن في هذه الحرب ضد الإرهاب أوسع من ذلك بكثير: قضايا التحديث الاجتماعي والثقافي، مثلها مثل مسائل الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق المرأة والحكم الرشيد، تكاد أن تكون ذات أهمية أكبر من ذلك.
يشكل هذا الاعتقاد أساس استراتيجية الأمن الأوروبية التي أقرها الاتحاد الأوروبي في ديسمبر 2003.
لم تظهر حتى الآن أية بوادر تُذكر لتشكيل إيجابي للعولمة في بلدان الشرقين الأوسط والأدنى. فحتى الآن لم تتوصل المنطقة إلى إجابات على تحديات القرن الحادي والعشرين الملحة. وتقف فارغة الأيدي إلى حد كبير إزاء توقعات سكانها وأكثرهم من الشباب – أكثر من نصف سكان المنطقة لم يبلغوا سن الثامنة عشر بعد. وتُظهر الأرقام الأخيرة أن تطور الاستثمارات في الشرق الأوسط سلبي.
كما أن تقرير التنمية الإنسانية العربية الأخير الذي وضعه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يجب أن يكون إنذارا لنا. يصيغ التقرير الرؤية الاستراتيجية الشاملة لمجتمع المعرفة في العالم العربي، كرد على القصور في المنطقة. دعائم هذه الرؤية الديمقراطية ودولة القانون، المساواة بين المرأة والرجل ودمج المرأة في الحياة العامة، وبناء مجتمعات مدنية قوية ونظم تعليم واقتصاد حديثة.
هذه مهمة يضطلع بإنجازها جيل بأكمله. ولا يمكن أن تأتي المبادرة الخاصة بها من الخارج، وإنما بالدرجة الأولى من الداخل. فمفتاح الإصلاحات الناجحة يكمن في المنطقة ذاتها.
إن من يظن أن هذا مجرد كلام منمق من صفحات الأدب والفن ولا علاقة له من قريب أو بعيد بسياسة الأمن، يخطئ جل خطأ. فأمننا لن تحسمه بالدرجة الأولى مسألة مشاركة حلف الأطلسي في العراق أم لا (بالرغم من أنني لا أنتقص إطلاقا من أهمية هذه القضية)، وإنما قدرتنا نحن، أمريكا وأوروبا والدول المعنية في المنطقة، على أن نواجه تحديات التحديث واستتباب الاستقرار في الشرقين الأوسط والأدنى مواجهة استراتيجية.
ولكي ننجح، على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية أن يركزا قدراتهما ومواردهما ومشاريعهما في مبادرة جديدة عبر الأطلسي للشرقين الأوسط والأدنى، نواجه بها هذا التحدي الكبير لأمننا المشترك.
فقد تتمكن مبادرة مثل هذه من أن تفتح آفاقا جديدة تماما أمام بلدان الشرقين الأوسط والأدنى: تعاون أقوى وشراكة أوثق في الأمن والسياسة والاقتصاد والقانون والثقافة والمجتمع المدني.
لكن نجاح مثل هذه المبادرة المشتركة عبر الأطلسي بلا شك مرتبط أولا وأخيرا بشرطين يجب أن يوضعا موضع التنفيذ: تحتاج هذه المبادرة أولا إلى نفس طويل، كما يجب أن يكون التخطيط لها تخطيطا طويل المدى. وثانيا لا يجب أن نستبعد عنها النزاع الإقليمي الحاسم، أي نزاع الشرق الأوسط، لكن لا يجب أن نسمح لهذا النزاع في نفس الوقت بأن يسد الطريق أمام المبادرة منذ البداية.
إن التهديد المشترك الموجه إلينا من الإرهاب الجهادي والخلخلة المحتملة في منطقة تُعد استراتيجية بالنسبة لأمننا، ثم مصالحنا المشتركة، وتضاعف إمكانياتنا عن طريق التعاون الوثيق – كل هذا يحبذ أن تستخلص أوروبا وأمريكا النتائج الصحيحة من الخلافات حول حرب العراق وتضعا سويا، بمصاحبة شركائنا في المنطقة، رؤية واستراتيجية للتطور في الشرق الأوسط الموسع. ويسترعي الانتباه أنها يجب أن تكون استراتيجية مشتركة، وليست منطلقا من "صندوق الأدوات".
وما يرد إلى الذهن مبادرة من خطوتين. إن لحلف الأطلسي وللاتحاد الأوروبي تعاون في منطقة حوض المتوسط. فيمكن أن تكون الخطوة الأولى هي الاشتراك في عملية البحر المتوسط لحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي.
أما الخطوة الثانية فيمكن أن تكون على شكل "إعلان من أجل مستقبل مشترك"، موجه إلى منطقة الشرقين الأدنى والأوسط بأكملها.
اسمحوا لي أن ابدأ بأن أوضح الأفكار الخاصة بعملية حوض المتوسط للاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي.
سيكون من الأهمية بمكان لأمننا المشترك من الناحية الاستراتيجية، إذا ما كان البحر المتوسط سيصبح في القرن الحادي والعشرين فضاء للتعاون أو للمواجهة.
في الإمكان أن يدعم كل من الحوار الذي يدور بين حلف الأطلسي ودول حوض المتوسط وعملية برشلونة للاتحاد الأوروبي أحدهما الآخر ويكمله، بأن يوفقا توفيقا وثيقا بين نشاطهما ويربطان بينه على شكل عملية جديدة لحوض المتوسط من جانب الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي.
لكن لا يجب أن تذوب عملية برشلونة في حوار حوض المتوسط لحلف الأطلسي، والعكس بالعكس، وإنما ينبغي أن يكمل أحدهما الآخر، كل بقدراته الخاصة به.
إن عملية حوض المتوسط للاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي الجديدة يجب أن تشمل كل المشاركين في حوار الحلف في حوض المتوسط: بجانب أعضاء الحلف والاتحاد الأوروبي الدول المغاربية، أي الجزائر وتونس والمغرب وموريتانيا، ثم مصر والأردن وإسرائيل. يضاف إليها جميع المشاركين في عملية برشلونة، أي تلك الدول المذكورة آنفا مع الأراضي الفلسطينية وسوريا ولبنان.
ونقترح أن يركز العمل المشترك من حيث المضمون على أربعة مراكز ثقل: الأمن والسياسة، الاقتصاد، القانون والثقافة، المجتمع المدني.
يكون موضوع مركز الثقل الأول تطوير تعاون سياسي وثيق وشراكة أمنية. وهدفه الشفافية وبناء الثقة بين كل الدول المشاركة. إضافة إلى ذلك يجب أن تُدعم عمليات الإصلاح في دول المنطقة، على أن يتم ذلك في جميع المجالات - السياسة والمؤسسات والديمقراطية والقانون.
وينبغي الاستجابة إلى المصالح الأمنية المشروعة لجميع دول المنطقة بتعاون أمني إقليمي يرتكز إلى الشفافية والتحقيق، ونزع السلاح والحد من التسلح. ولقد قدم الاتحاد الأوروبي في إطار عملية برشلونة اقتراحات محددة بهذا الصدد.
ويستطيع حلف الأطلسي في هذا السياق أن يساهم بشكل خاص في إنجاح شراكة سياسية وشراكة أمنية فعالة. فقدراته الخاصة المميزة وتجاربه في برنامج "الشراكة من أجل السلام" قد تصبح ذات أهمية فائقة.
ويمكن أن تشكل شراكة اقتصادية جديدة حول حوض المتوسط مركز الثقل الثاني، فإن تطوير الفضاءات الاقتصادية الوطنية المنفصلة اليوم ودمجها، قد يدعم التحول السياسي والاجتماعي دعما حاسما.
لم لا نسعى بإلحاح نحو الهدف الطموح ألا وهو أن نؤسس سويا حتى عام 2010 منطقة تجارة حرة تشمل حوض البحر المتوسط بالكامل؟
إضافة إلى ذلك يمكن للأوروبيين والأمريكيين خلق حوافز للتعاون داخل المنطقة، بأن نفتح أسواقنا بالتحديد للمنتجات المصنعة عبر حدود الدولة القومية.
ويجب أن يشمل مركز الثقل الثالث – الشراكة في القانون والثقافة – تطوير مؤسسات ديمقراطية تستند إلى دولة القانون. يضاف إليها وسائل الإعلام الحرة والتعاون في مجال التربية والتعليم.
كما أن الحوار بين الأديان والتبادل المكثف والتعاون الوثيق في المجال الثقافي، وشراكة التسامح في الثقافة والتربية ذات أهمية محورية بالنسبة لمركز الثقل هذا.
وعلى مركز الثقل الرابع أن يشمل تمكين المجتمعات المدنية وكل مجال المنظمات غير الحكومية ومشاركتها. فليس في الإمكان، لصالح الديمقراطية ودولة القانون، أن نستغني عن المجتمع المدني القوي، كما أنه جوهري في أي عملية تجديد.
على هذه المبادرة الجديدة عبر الأطلسية من أجل السلام والاستقرار والديمقراطية في حوض البحر المتوسط أن ترتكز على عمل المؤسسات الموجودة. فبالتالي يمكن استخدام اللقاءات المنتظمة لوزراء الخارجية أو الوزراء المتخصصين الآخرين من الدول المعنية كأداة للتسيير. على أن تحظى المجتمعات المدنية بمنبر خاص بها.
اسمحوا لي الآن أن أشرح المرحلة الثانية للمبادرة – "إعلان من أجل مستقبل مشترك". لا يجب أن يتوجه هذا الإعلان إلى المشاركين في عملية الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي لحوض المتوسط فقط، وإنما يجب أن يشمل الدول الأخرى الأعضاء في جامعة الدول العربية. كما علينا أن نفكر في مشاركة إيران أيضا.
وعلى الموقعين على الإعلان الالتزام بأن يدعموا سويا الإصلاحات في المنطقة ويشجعوها.
ويقدم هذا الإعلان شراكة على قدم المساواة وتعاون شامل لجميع الدول المعنية من أجل مستقبل مشترك.
وعلى الاتفاقية أن تتضمن عددا من المبادئ، تتعهد الدول المشتركة بالالتزام بها.
أولا: يعلن الموقعون عن إيمانهم بالسلام والأمن ونبذ العنف، وبالديمقراطية والتعاون الاقتصادي، وبالحد من التسلح، ونزع السلاح ونظام من الأمن التعاوني. ويلتزم كل الموقعين بالمشاركة في مكافحة الإرهاب والتوتاليتارية سويا.
ثانيا: يرى الموقعون في سياسة الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الدولة والمجتمع الرد الحاسم على تحديات القرن الحادي والعشرين. ويدعمون دمج اقتصادياتهم الوطنية.
كما يسعون جميعا إلى الحكم الرشيد الذي يلتزم بحقوق الإنسان وبالحق والقانون، وإلى مشاركة المواطنات والمواطنين في عملية صنع القرار السياسي، وإلى مجتمع مدني قوي ومستقل ومساواة المرأة ودمجها في الحياة العامة.
ثالثا: يلتزم الموقعون بإتاحة فرص المعرفة والتعليم للجميع من نساء ورجال على قدم المساواة. والهدف من ذلك بناء مجتمعات المعرفة في المنطقة. ويتفق هذا الهدف والمهمة الاستراتيجية المحورية التي عرفها تقرير التنمية الإنسانية العربية.
ستتاح لنا في باكورة صيف هذا العام فرصة الشروع في التطبيق العملي لهذا المشروع، حيث تُعقد سلسلة من اجتماعات القمة لمجموعة الثمانية الكبار والاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي. فالمبادرات الحالية لحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي أو للعواصم الوطنية المختلفة تتضمن مقومات هذا المشروع الأساسية. وفي الإمكان أن نقدم في استنبول عرضا مشتركا للشراكة مع بلدان المنطقة.
في نفس الوقت تحتاج مثل هذه المبادرة إلى الإعداد المتقن والتشاور مع الشركاء في المنطقة، إذ علينا أن نتفادى كل سوء فهم ذي صبغة أبوية.
سيداتي وسادتي،
تستند هذه الأفكار الخاصة بمبادرة جديدة عبر الأطلسي على القناعة بأن تحديث الشرق الأوسط الموسع سيكون ذا أهمية حاسمة لأمننا في القرن الحادي والعشرين. ومنه فإن مشاركة الناس في الشرقين الأوسط والأدنى في إنجازات العولمة يتفق ومصلحتنا الذاتية نفسها.
في 1 مايو من هذا العام سوف يستوعب الاتحاد الأوروبي عشرة أعضاء جدد ويتغلب بذلك نهائيا على تقسيم أوروبا. إن أوروبا تنمو بشكل متكامل. بالتأكيد أن هذا لن يتم بدون مصاعب وصراعات ونزاع، لكن يقيني أننا سننمو سويا. فتجاربنا منذ ذلك اليوم البشع في سبتمبر 2001 يجب أن تكون قد غرست فينا على ضفتي المحيط الأطلسي اليقين بأن الشراكة عبر الأطلسية لا يمكن الاستغناء عنها إزاء التحديات الضخمة التي تنتظرنا.
لو تعاونت دول أوروبا وأمريكا الشمالية في إطاري الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي تعاونا استراتيجيا كشركاء إزاء التهديد المشترك، ولو أدمجت قدراتها وإمكانيتها الخاصة بالاشتراك مع دول الشرقين الأدنى والأوسط في تعاون جديد، فإننا سنتمكن من أن نقدم هذه المساهمة فائقة الأهمية من أجل أمننا المشترك. لو لم نفعل ذلك، أو لو كنا قصار النظر، وضيقي الأفق أكثر مما يجب، أو ترددنا، فإننا سنُجبر على أن ندفع ثمنا باهظا لذلك.