حملة استعمار أم شعلة أنوار؟
غادر نابليون بونابرت مصر في شهر آب/أغسطس عام 1799 على متن سفينة نقلته بصورة سرية وهادئة ومن دون ضجة. وترك في مصر قواته التي كان يبلغ عددها أكثر من ثلاثين ألف رجل، أولى قيادتهم الجنرال جان كليبر Kléber.
وقد أعلن نابليون من خلال مغادرته مصر عن نهاية الحملة الفرنسية على مصر والتي منيت بهزيمة نكراء. فمثلما بدأت منتصرة قبل ذلك بعام فقط، قُدِّر لها أن تنتهي نهاية فاشلة في عام 1801.
إذن لقد استمر الوجود الفرنسي في مصر ثلاثة أعوام فقط. ويسعى معهد العالم العربي Institut du Monde Arabe من خلال معرضه الجديد إلى توضيح أنَّ هذه الفترة القصيرة تركت في فرنسا وكذلك في مصر آثارًا عميقة. ومن أجل ذلك تم جمع نحو أربعمائة معروضة. وعلى الرغم من أنَّ الموضوع الرئيسي في هذا المعرض يركِّز على الحملة الفرنسية على مصر، بيد أنَّ موضوعات المعرض تبدأ من فترة مبكِّرة. إذ تم اختيار العام 1768 بصورة رمزية كمدخل إلى المعرض، وهو العام الذي ولد فيه نابليون وعلى الأرجح أنَّه في الوقت نفسه عام ولادة محمد علي، أي والي مصر الذي مهَّد الطريق لبناء مصر الحديثة. وثم يمتد المعرض إلى ما بعد الحملة الفرنسية حتى العام 1869، أي عام افتتاح قناة السويس.
وكان من المقرَّر وبتكليف من الحكومة الفرنسية أن يغزو الجنرال الشاب نابليون بونابيرت مصر. وكان الهدف من هذا الغزو تسديد العدو اللدود، أي بريطانيا العظمى ضربة قاضية، لاسيما وأنَّ مصر تقع على الطريق البحري إلى الهند.
ولكن وبالإضافة إلى هذه المصالح الإستراتيجية العسكرية - كان ينبغي أيضًا الاستفادة من الحملة الفرنسية على مصر لأهداف علمية. ففي بداية عصر التنوير رافق أيضًا أكثر من مائة وستين عالما فرنسيا من اختصاصات مختلفة قوات نابليون في تلك الحملة.
نجاح قصير الأمد
وفي البدء كان كلّ شيء يشير إلى نجاح الحملة. إذ هُزمت قوات المماليك الذين كانوا يحكمون مصر في ظلّ السيادة العثمانية، كما أنَّ الفرنسيين احتلوا القاهرة. وحينها كان نابليون يرغب في إشراك المصريين في منجزات عصر التنوير. وتم تشكيل ديوان حكم - مجلس مكوَّن من بعض الوجهاء المصريين لكي يتولّى من تلك اللحظة حكم مصر. وكذلك تم تشجيع التبادل ما بين العلماء الفرنسيين والجانب الثقافي المصري.
غير أنَّ الحال انقلبت بسرعة؛ إذ قضى الإنكليز على سلاح البحرية الفرنسي الذي كان راسيًا أمام سواحل مرفأ أبو قير المصري وكذلك نشأت حركة مقاومة بين المواطنين المصريين. وفي آخر المطاف أعلن السلطان العثماني الجهاد ضدّ الفرنسيين وقامت ثورة في القاهرة. وردّ نابليون باستخدام العنف ضدّ المواطنين المصريين ولم يتوانى عن تدنيس وسلب المسجد الأزهر.
ووصف المؤرِّخ المصري الجبرتي الفرنسيين الذين كان يميل إليهم حتى ذلك بعبارات تعبِّر عن الاستياء: "ثم دخلوا المسجد الأزهر بخيولهم التي ربطوها باتجاه القبلة". قام الفنان الفرنسي هنري ليوبولد ليفري Lévre بتجسيد هذا المشهد في عام 1875 في اللوحة البطولية "نابليون في مسجد القاهرة الكبير".
وتدخّل الإنكليز بعدما حاول الفرنسيون توسيع نطاق حكمهم إلى سوريا، ثم قضوا على الحملة الفرنسية. وحينها كان نابليون قد عاد من جديد ومنذ فترة طويلة إلى أرض وطنه واستغلّ اللحظة المناسبة للاستفراد في الحكم في فرنسا. وفي ذلك كان نابليون يجيد استغلال قدسية الحملة الفرنسية لمصلحته الخاصة.
خسائر عسكرية ومكاسب علمية
كانت هذه الحملة فاشلة عسكرًيا، بيد أنَّها حقَّق نجاحًا على المستوى العلمي، حيث تم توثيق المجموعات النباتية والحيوانية الموجودة في مصر، بالإضافة إلى قياس وتقييد الإرث الحضاري الفرعوني وكذلك رسم الملابس وتسجيل العادات والتقاليد المصرية. وكذلك كانت ذروة المكتشفات العلمية من دون شكّ اكتشاف حجر رشيد الموجود في يومنا هذا في المتحف البريطاني في لندن والذي مكَّن بعد اكتشافه ببضعة أعوام من فك رموز الكتابة الهيروغليفية.
وفي أوروبا أدَّى هذا الفيض من المعلومات من ناحية إلى إحداث هوس حقيقي بمصر - يتم عرض مظاهره الآن في معرض معهد العالم العربي في شكل شمعدانات وأوانٍ ومواعين فرعونية ظريفة. وكذلك تطوّر من ناحية أخرى ضمن إطار الحملة الفرنسية على مصر - في الأدب والفن - علم الاستشراق الذي بلغ في أواخر القرن التاسع عشر ذروته في أعمال الفنان أوجين ديلاكروا Delacroix والذي ما يزال يؤثِّر حتى يومنا هذا في تصوّر الغرب عن الشرق، مثلما بيَّن ذلك إدوارد سعيد في كتابه المهم "الاستشراق".
ولكن ما يزال تأثير الحملة الفرنسية على مصر بعيد المدى أيضًا، إذ استطاع محمد علي - هذا الضابط الذي كان يعمل في الجيش العثماني والذي حارب ضدّ القوات الفرنسية - الوصول إلى الحكم في عام 1805 واستطاع تقدير تفوّق الفرنسيين التكنولوجي.
وكان محمد علي يدرك أنَّ على مصر الانفتاح على التقدّم التقني، إذ شرع في تنفيذ برنامج إصلاحات واسع ودعم بصورة خاصة قطاع التعليم الحديث. وبهذا فقد مهَّد الطريق للنهضة التي انطلقت من مصر وأثَّرت ابتداءً منذ منتصف القرن التاسع عشر في جميع أرجاء العالم العربي وتحوَّلت إلى مرجع أساسي من مراجع القومية العربية. وعلى العموم كانت إذن أعوام الحملة الثلاثة القصيرة ذات نتائج بعيدة المدى.
سوزان جواد
ترجمة: رائد الباش
قنطرة 2008
يستمر المعرض المقام في معهد العالم العربي حتى الـ29 من شهر آذار/مارس 2009
قنطرة
رفاعة رافع الطهطاوي، فرنسا كمثل أعلى:
أأزهري يزور أوروبا في القرن التاسع عشر
يعتبر كتاب رفاعة رافع الطهطاوي الذي يروي فيه انطباعاته عن باريس من أشهر كتب الرحلات العربية. يقدم الطهطاوي في كتابه أول وصف عربي حديث لبلد أوروبي ويتحدث فيه عن مفهومه للإصلاح. تقرير باربرا فنكلر.
معاهد لدراسة أوربا وأمريكا:
لكي لا يتغلغل الغرب إلى أحلام العرب
دراسة الغرب، النظيرة لعلوم الاستشراق، هو التوجه العام الجديد في العالم العربي. فقد تأسست العديد من المعاهد في مصر وفي دول الخليج العربي من أجل التعمق في الثقافة الغربية والتعرف على البنى السياسية لمجتمعاتها. تقرير يوليا غيرلخ.
نوري الجراح وسلسلة منشورات "ارتياد الآفاق":
ما الذي يميز الغرب عن العالم العربي؟
منذ خمس سنوات يدير الشاعر السوري نوري الجراح من أبو ظبي مركزا للبحوث في أدب الرحلة "المركز العربي للأدب الجغرافي". وقد انطلق بمعية مجموعة من زملائه ومن الباحثين الأكاديميين في التنقيب داخل مكتبات العالم عن نصوص رحلات عربية قديمة والعمل على نشرها. جوليا غرلاخ أجرت الحوار التالي مع الشاعر نوري الجراح.