داعية حوار أم أصولي مُقنّع؟

يبذل مصطفي تسيرتش، المفتي الأكبر في البوسنة والهرسك، جهوداً كبيرة لتشجيع الحوار السلمي بين الأديان في إطار الاعتراف المتبادل. لجهوده هذه تم تكريمه مؤخراً من مؤسسة "أويغن بيزر" الألمانية. غير أن المفتي يثير الجدل في وطنه باعتباره من رجال الدين المحافظين، كما أثار تكريمه التساؤلات في الصحافة الألمانية أيضاً. زوران أربوتينا يلقي الضوء على المفتي وآرائه.

​​ليس هناك أمل في أن نتجنب في المستقبل سوء الفهم والتفسيرات الخاطئة على كلا الجانبين إلا إذا استمر الحوار وترسخه بين الدينين السماويين الكبيرين، المسيحية والإسلام – هذه هي قناعة مؤسسة "أويغن بيزر" ذات التوجه المسيحي. كانت الرسالة التي نشرت في الثالث عشر من أكتوبر/تشرين الأولمن العام الماضي والتي ألفها 138 من رجال الدين الإسلامي بعنوان "تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم" علامة مضيئة على هذا الطريق، وكما يوضح هاينر كوستر نائب مدير المؤسسة:

"إن مؤسسة أويغن بيزر ترى في هذه الرسالة المفتوحة التي نشرها رجال الدين المسلمون مبادرة مهمة للحوار بين الأديان. السيد تسيرتش هو أحد الموقعين على الرسالة المفتوحة. وقد ساد بيننا الاتفاق في الرأي على أن اختياره لينال الجائزة اختيار وجيه للغاية."

"إنه يعرف كلا العالمين"

ليست المؤسسة الخيرية في ميونيخ هي الوحيدة التي ترى ذلك. إذا ثار في أوروبا السؤال عن العلاقة مع الإسلام وكيف يمكن المضي قدماً على طريق اندماج المسلمين في المجتمعات الأوروبية، فإن اسم المفتي الأكبر للبوسنة والهرسك مصطفى تسيرتش دائماً ما يُذكر منذ سنوات في هذا السياق: إنه أحد أهم مشيدي الجسور بين العالمين. الناشر الألماني يورغ لاو يؤكد هو أيضاً أهمية تسيرتش بالنسبة إلى أوروبا:

"إني أراه مشيداً للجسور. وهو يمتلك المؤهلات الذهنية لذلك: لقد درس في جامعة الأزهر بالقاهرة، كما أنه عمل في شيكاغو فقيهاً وفيلسوفاً. إنه على معرفة جيدة بكلا العالمين."

لا أحد من رجال الدين المسلمين أو الفقهاء يلقى مثل هذا التكريم والاحتفاء في أوروبا، وخاصة في ألمانيا، مثل مصطفى تسيرتش. نال تسيرتش عدة جوائز لجهوده من أجل تطوير الحوار بين المسلمين وغير المسلمين في أوروبا. وفي بعض الأحيان يبدو تسيرتش وكأنه تجسيد لديوان "الشرق والغرب". لذلك، لم يكن من قبيل المصادفة أن يكون هو أحد القادة المسلمين الذين استقبلهم مؤخراً البابا بنديكت السادس عشر في الفاتيكان.

الإسلام البوسني: منفتح ومتسامح

يُعتبر المسلمون في البوسنة متسامحين ومنفتحين على العالم. منذ قرون يمارس المسلمون هناك شكلاً سلمياً من أشكال التعايش في مجتمع متعدد الثقافات والأديان. في هذا الصدد يقول يورغ لاو الخبير بالشؤون الإسلامية والمحرر في أسبوعية "دي تسايت" عن تسيرتش: "كرئيس لهذه الطائفة يهتم تسيرتش اهتماماً عظيماً بانفتاح الإسلام تجاه أوروبا انفتاحاً أكبر، دون أن ينسى بالطبع جذوره في العالم العربي. إنه يريد أن يكتسب الإسلام هنا بعداً أوروبياً فريداً. ولهذا فأنا أعتبره مصلحاً."

هذه الصورة هي التي يقدمها تسيرتش أيضاً عن نفسه: "إن الحوار، أو بالأحرى: ثقافة الحوار هي أهم شيء بالنسبة لأوروبا. تحتاج أوروبا اليوم إلى برنامج، إلى استراتيجية بعيدة المدى لتنمية ثقافة الحوار ورعايته بين مختلف الأديان والثقافات والشعوب"، يقول تسيرتش.

مصلح أم إسلاموي؟

في عديد من الأماكن في أوروبا ما زال الإسلام يُقابل بالشكوك والريبة، بل ويُنظر إلى هذا الدين باعتباره تهديداً. ما زال كثيرون يساوون بين الدين وبين الإسلام السياسي، أو ينظرون إلى الإسلام بنمطية. وهكذا توجه الاتهامات إلى مصطفى تسيرتش أيضاً بأنه يقوم بالدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في أوروبا، مثلما فعل في مجلة "نظرة أوروبية" (العدد 12 من عام 2007)، وهي المجلة التي يصدرها حزب الشعب الأوروبي EVP، كما يُتهم تسيرتش بأنه يتشكك في النظام الأساسي في أوروبا الذي يقوم على الحرية والديمقراطية.

ولذلك وجد الفقيه نفسه مجبراً قبل أشهر على توجيه رسالة إلى المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أعلن فيها بصراحة اقتناعه المبدئي بالديمقراطية.غير أن تسيرتش لا يثير النقد في أوروبا فحسب – حتى في وطنه، في البوسنة والهرسك، يثير المفتي الأكبر الجدل.

هل يتحدث تسيرتش بلسانين؟

في الدوائر الليبرالية ذات التوجه البورجوازي يتهمون تسيرتش بأنه يتحدث بلسانين: في الخارج يدعو إلى الحوار ويؤيده، أما في وطنه فهو يتبنى المواقف المحافظة ويبدو متشدداً في مطالبه التي تشمل – في عيون منتقديه – طمس الهوية العلمانية للدولة والإنهاء التدريجي للفصل بين الدولة والدين. هذه الانتقادات لها أسبابها المعروفة، كما يرى الناشر يورغ لاو:

"كان سيكون جميلاً لو لم يكن يتحتم عليه أن ينشط سياسياً. ولكن في هذه الأوضاع المسيسة للغاية في البوسنة، والتي اتسمت في العقود الأخيرة بالكراهية الشديدة، ليس أمامه مفر من أن يعلن آراء سياسية. تسيرتش يواجه الاتهامات بأنه لا يواجه بحزم التأثيرات الأصولية الآتية من العالم العربي – هذه الاتهامات يجب بالتأكيد أن تؤخذ بجدية."

ويواصل لاو قائلاً: "غير أنه قال أيضاً: إننا هنا معتمدون هنا على المعونة التي تأتينا من الخارج، ويتحتم علينا في بعض الأحيان أن نتقبل المساعدة من أناس ومن نظم حكم لا نود أن نقبل منها المعونة. إذا اهتمت أوروبا بنا أكثر، يمكننا أن نستغني عن ذلك وأن نضع حدوداً أكثر وضوحاً."

موقف تسيرتش الأساسي والتناقض الأوروبي

هذا التناقض الذي يجد مفتي البوسنة والهرسك نفسه فيه هو في الوقت نفسه تناقض أوروبي أيضاً. إن عديداً من الباحثين في الشؤون الدينية المعروفين يرون لدى تسيرتش الموقف نفسه الذي يميز أيضاً الكنيسة الكاثوليكية أو الكنيسة البروتستانتية في ألمانيا: في داخل الجماعة الدينية تتم تقوية الشعور بالانتماء عبر إحياء القيم التقليدية التي هي في الغالب قيم محافظة، وبالتالي تكمن الهوية في التمايز عن الآخرين. إذا استمد الإنسان هذه القوة يستطيع أن ينشط أيضاً اجتماعياً ويوافق على التعايش بين الثقافات والأديان.

هذا ما يعترف به مصطفى تسيرتش أيضاً، عندما يشير إلى أن البوسنة والهرسك ليست جزيرة في البحر الأوروبي، وهو يقول في هذا الصدد: "إن ثقافة الحوار في البوسنة والهرسك هي في الوقت ذاته ثقافة الحوار في أوروبا. إن ما يحدث في البوسنة والهرسك ليس شيئاً خاصاً بالبوسنة فحسب. إننا صورة من أوروبا ومن عالم اليوم – سواء فيما يتعلق بالإيجابيات أم بالسلبيات.

زوران أربوتينا
ترجمة: صفية مسعود
دويتشه فيله 2008

قنطرة

منفتحون على العالم وليبراليون: المسلمون الشباب في سارايفو
"أنا مسلم، لكن ليس هناك داع للخوف!"
بعد انقضاء عشرة أعوام على الحرب يجازف الشباب المسلمون في البوسنة والهرسك في تحقيق انطلاقة جديدة لحياتهم. لكن الغرب يضيّع فرصة رؤية الإسلام في هذا البلد نموذجا لأوروبا. تقرير توبياس أسموت من سارايفو.

مبادرة ألمانية في ساراييفو:
حوار الأديان كطريق الى المصالحة
لم يعد التعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين واليهود في البوسنة والهرسك بعد حرب التسعينيات سهلا، الأمر الذي يجعل ممثلي الأديان يرون أن الإسهام في المصالحة يقوم مستقبلا على الحوار بين الأديان بدعم مكثف من قبل السياسيين والمنطمات وصناديق الدعم. تقرير من مرجانة ديكيج.

مؤتمر للخبراء عن الإسلام في أوروبا:
"إسلام ألماني" على غرار "الإسلام البوسني"
كيف يمكن دمج الإسلام في أوروبا؟ من الممكن أن يقدِّم الإسلام البوسني جوابًا على هذا السؤال. إجتمع مؤخّرًا في أكاديمية أبرشية روتنبورغ شتوتغارت خبراء ومختصون في الدين والعلوم والسياسية للتباحث حول دور الإسلام البوسني. جوران أربوتينا أعدّت هذا التقرير حول المؤتمر.