مُثَقّقون في مصر بين خيارَيْ مُقاطعة الاستفتاء والتصويت برفض الدستور
انفجر كل شيء مع الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس محمد مرسي، والذي قام فيه بتحصين قراراته، واحتشدت القوى المعارضة في مظاهرة هي الأولى من نوعها للتيارات الرافضة لهيمنة الإخوان على الحكم. ولكن حتى بعد إلغاء الإعلان، وتحديد يومَيْ 15 و22 ديسمبر 2012 موعداً للاستفتاء حول الدستور الجديد، ظل الجدل حول مسودة الدستور هو الموضوع الساخن للرأي العام المصري حالياً، وبالأخص بالنسبة للمثقفين.
"هذا الدستور لن يمر إلا على جثثنا"
الصحفي والناقد عصام زكريا يرى أن الدستور "باطل من الأساس" لأن ما بُني على باطل فهو باطل، فقد صاغته جمعية تأسيسية اختارها برلمان مُنحَلّ بحكم المحكمة الدستورية، وبالتالي فالدستور نفسه باطل.
وهو يرفض الدستور بسبب احتوائه على عيوب كثيرة منها الصلاحيات المطلقة للرئيس ووضع الجيش المتميز وإمكانية وضع عقوبات قانونية جديدة، قد تكون مطابقة للحدود الإسلامية، خاصة أن اللغة المستخدمة في الدستور "لغة مطاطة". لذا فهو يقترح ترجمة الدستور إلى اللغة الإنكليزية، فبعد الترجمة سيكون من الصعب التلاعب بمعاني الكلمات المطاطة.
ويذهب زكريا إلى أبعد من ذلك، إذ يرى أنه طالما أن الدستور أصلاً غير قانوني، وبالتالي لا حرج من تعطيل عمل اللجان بالقوة، ويقول في هذا السياق "إذا أرادوا منا قبول الدستور فعليهم قبول حكم المحكمة الدستورية أولاً، ثم أن الديمقراطية لا تعني أن أي شيء يمكن الاستفتاء عليه". ويتساءل مستنكرا "هل يمكننا إجراء استفتاء حول طرد المسيحيين من مصر مثلا؟. وبلهجة تحدّي يضيف: "هذا الدستور لن يمر إلا على جثثنا".
عدم "التضحية بالديمقراطية للتخلص من الإخوان"
الناشطة الثقافية بسمة الحسيني، مديرة مؤسسة المورد الثقافية المستقلة، تقول إنها ضد مشروع الدستور أولاً بسبب الطريقة التي كُتب بها، فتشكيل الجمعية التأسيسية بالترشيح من مجلس الشعب المنحل وبترشيح قوى سياسية مختلفة أدى ـ من وجهة نظرها ـ إلى أن الأعضاء أصبحوا لا يمثلون الشعب بطريق الانتخاب، كما أنه لم يتم اختيارهم لأسباب تتعلق بكفاءتهم. وتضيف أن الانسحابات المتتالية من اللجنة التأسيسية أسفرت في النهاية عن "كيان مهلهل لا معنى له".
محتوى مشروع الدستور من وجهة نظرها يحوي مشاكل متعددة، أولها وأكبرها الامتيازات الممنوحة للعسكر، وثانيها العبارات الإسلامية الكثيرة التي تحتمل تفسيرات متعددة ولن تؤدي سوى إلى إساءة الاستخدام، وثالثها قصور مواد الدستور عن ضمان العدالة الاجتماعية، التي هي ـ إلى جانب مطلب الحريات السياسية ـ من الأهداف الأساسية للثورة.
وترى الحسيني أن التصويت بـ"لا" على مشروع الدستور أقوى من مقاطعة الاستفتاء، وفي تقديرها أن حوالي 40% من الناخبين سيصوتون بـ"لا".
في النهاية هي ترى أهمية كبرى في التمسك بالخيار الديمقراطي، مع الاحتجاج السلمي والمنظم ضد الإخوان: "التضحية بالديمقراطية للتخلص من الإخوان مسألة خطرة وغالبا ستكون هي نهاية الثورة".
وفي نفس الوقت، فهي تعتقد أن الصراع حول الدستور ليس صراعاً أساسياً. الصراع الأساسي بالنسبة لها هو حول استمرار الثورة أو توقفها. والدستور مجرد محطة من بين هذه المحطات، محطة يبالغ الجميع في تقدير أهميتها.
مع الشريعة..ضد الدستور
الصحفي أحمد سمير، قادم من خلفية إسلامية كما يعرّف نفسه، هو أيضا يعارض الدستور، ولكن لأسباب لا تتعلق بالحريات بشكل أساسي، وإنما اعتراضه على مواد "العسكرة"، ويقول: "عدم مراقبة ميزانية الجيش كان بنداً في المسودات السابقة للدستور، وتم رفضه، وفي المشروع الحالي لا تتم الإشارة إليه أصلا. أي أنه لم يُرفَض، ولذلك أخشى من أن يكون السكوت عنه هو مجرد محاولة لتفادي الغضب الشعبي".
يعترض سمير أيضاً على مواد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في مشروع الدستور. فالمشروع "يتحدث عن الحق في الصحة والسكن والغذاء، ولكنه لا يلزم الدولة بأي شيء. هذا يبدو مفهوما إذا وضعنا في الاعتبار أن من صاغ الدستور هو من يحكم مصر وبالتالي فهو لا يريد إلزام نفسه بأي شيء".
مع هذا، يرفض أحمد، وبشكل برغماتي، التركيز على المادتين المتعلقتين بوضع الشريعة الإسلامية، وهما المادة الثانية والمادة 219: "التركيز على موضوع الشريعة الإسلامية في الدستور سيجعل عامة الناس والبسطاء يوافقون على الدستور، بسبب ميل الشعب للتدين. أنا أفضّل التركيز على المواد الاقتصادية والاجتماعية. مع هذا، فكوني قادماً من خلفية إسلامية يجعلني أريد تطبيق الشريعة الإسلامية، ولكن المواد المتعلقة بها أراها نوعا من المزايدة".
"قمع فاشل ونتيجة باهظة"
المخرجة نادية كامل تعتقد أنه لأول مرة تكون التيارات الإسلامية بهذا الخوف. والخوف ناتج أساساً من قدرة المعارضين لأول مرة على الحشد ضد الإسلاميين بهذا الشكل المنظم، بالإضافة لخوف الإسلاميين من "تآكل قدرتهم التصويتية" وهو ما بدا خلال الانتخابات الرئاسية، حيث لم يحصل المرشح محمد مرسي سوى على 51% من أصوات الناخبين، وهذا ـ في رأيها ـ ما جعل الرئيس يصدر إعلانا دستوريا يقوم بتحصين قراراته بدون استفتاء ولا رجوع إلى الصندوق.
وبخصوص احتمال تجدد المصادمات في الشارع بين القوى المدنية والإسلاميين، فهي لا تنساق وراء المخاوف المكررة لدى البعض من احتمال نشوب حرب أهلية، وتقول في هذا الصدد: "رأيي أنه لن يكون هناك حرب أهلية، وإنما قمع في الغالب، ومن الطبيعي أن التيار الإسلامي لن يستطيع قمع جميع من خرجوا ضده، وإنما سيكتفي بقمع النشطاء منهم وبالتالي تخويف الناس. في الغالب ما سيحدث هو نوع من القمع الفاشل، ولكن نتيجته ستكون باهظة".
وتبدو كامل، مثل الكثيرين، حائرة بين خيار المقاطعة أو المشاركة في الاستفتاء ورفض الدستور، وإن كانت تميل لخيار المقاطعة، لكنها تعتقد أن هذا الخيار لن يكون مجديا، "حيث لن يتبناه الكثيرون وبالتالي سيفقد تأثيره".
نائل الطوخي
تحرير: عبده جميل المخلافي
حقوق النشر: دويتشه فيله 2012