هوس الاستحواذ على السلطة يهدد بتقوّيض الحلم الديمقراطي في مصر
من غير المعقول أبدا أن تكون نتيجة الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة المصرية، التی تضع شعب مصر أمام خيارين كلاهما مر، مجرد مصادفة أفرزتها انتخابات تنافسية نزيهة حسمتها صناديق اقتراع محايدة ومؤتمنة.
ولأنه ليس من المقبول عقلا عودة مصر إلى ذات المربع، الذی كانت عليه قبل ثورة يناير 2012 دون أن يكون وراء هذه العودة جهد واع ومخطط، فمن الطبيعی أن نطرح على أنفسنا تساؤلات حول طبيعة الصراع، الذی أفضى إلى المأزق الراهن، وأن نحاول التعرف على أطرافه وعلى الوسائل المستخدمة فی إدارته.
المأزق الذی تعيشه مصر حاليا هو، فی تقديرى، محصلة صراع محتدم بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة وجماعة الإخوان المسلمين للسيطرة على ثورة فاجأتهما معا، وأتاحت أمامهما فی الوقت نفسه فرصة يريد كل طرف استثمارها بطريقته. فكما أتاحت ثورة يناير للمجلس العسكری فرصة لإسقاط مشروع التوريث ولإعادة إنتاج سياسات نظام سقط رأسه، أتاحت للجماعة فی الوقت نفسه، ولأول مرة منذ تأسيسها عام 1928، فرصة للاستيلاء على السلطة وصياغة المجتمع بما يتناسب مع مشروعها الخاص.
ولأن كل طرف لم يتردد فی استخدام كل ما فی حوزته من وسائل للوصول إلى مآربه، فقد كان من المتوقع أن يفضی الصراع المحتدم بينهما إلى نفس النقطة التی كانا قد حشرا مصر فيها، والتی تتلخص فی المعادلة التالية: إما القبول بنظام فاسد ومستبد إلى الأبد، وإما هيمنة الجماعة وفتح الطريق أمام دولة دينية وفق رؤية الجماعة.
تواطؤ لجنة الانتخابات
لم يكن وصول مرسی وشفيق إلى النهائی الرئاسی ممكناً دون تواطؤ من لجنة الانتخابات، من ناحية، ودون إصرار الجماعة على وراثة الثورة منفردة، من ناحية أخرى. فلو كانت لجنة الانتخابات قد طبقت صحيح القانون لاستبعدت شفيق من قائمة المرشحين نظرا لانطباق قانون العزل عليه. ولأن هذا القانون يظل ساری المفعول، حتى لو شابه عوار دستورى، إلى أن تحكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستوريته، فقد كانت إعادة إدراج شفيق فی قوائم المرشحين خطأ قانونيا متعمدا ومقصودا يؤكد عدم حيدتها ونزاهتها.
ولو كانت جماعة الإخوان لا ترغب فی الانفراد بالسلطة لالتزمت بقرارها عدم الترشح ولقامت بالتنسيق مع قوى الثورة، وليس مع المجلس العسكرى، للوصول إلى مرشح توافقى. غير أنه كان من مصلحة الطرفين أن يصلا معاً إلى هذا النهائی السهل من وجهة نظرهما. فجماعة الإخوان ترى أن فوزها بالمقعد الرئاسی يصبح مؤكدا حين يكون الخصم أحد «الفلول»، بينما يعتقد المجلس العسكری أن فرصته الوحيدة فی الفوز لا تتأتی إلا حين يكون الخصم من جماعة الإخوان.
ولأن القوى الليبرالية واليسارية الأكثر ارتباطا بالثورة لا تستبعد احتمال التواطؤ بين الطرفين لقطع الطريق على ثورة تستهدف إقامة نظام ديمقراطی حقيقى، فمن الواضح تماما أن مصر تمر بمأزق لا يعرف أحد حتى الآن كيف ستخرج منه.
فوز شفيق يعني تصفية الثورة
فوصول شفيق إلى مقعد الرئاسة لن يكون له سوى معنى واحد، هو تصفية الثورة وعودة النظام القديم فی ثوب جديد. أما وصول مرسی إلى مقعد الرئاسة فمعناه إدارة الدولة من مكتب الإرشاد وليس من مؤسسة الرئاسة، وبواسطة نخبة إخوانية محدودة وليس النخب الوطنية الأوسع.
وبينما يراهن المجلس العسكری على الخوف من الإخوان وعدم الثقة بوعودهم للوصول بمرشحه إلى موقع الرئاسة، حيث يمكن من خلاله إدخال إصلاحات محدودة على النظام القديم الذی سقط رأسه ثم إعادة تشكيل هياكله بعد حل البرلمان، تراهن جماعة الإخوان على كراهية الشعب للنظام القديم كما تراهن على انقسام وضعف القوى السياسية الأخرى، خاصة الليبرالية واليسارية، كی تتمكن من وراثة الثورة بمفردها وتهيمن بالتالی على كل مفاتيح السلطة.
نتائج الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة تشير، بما لا يدع مجالاً للشك، إلى أن الشعب لا يريد مرشح الإخوان أو مرشح المجلس العسكرى، بدليل حصول أبوالفتوح وصباحی على ما يقرب من ضعف ما حصل عليه مرشح الجماعة أو مرشح المجلس. لذا هناك حل يلوح فی الأفق: إعادة تنظيم صفوف التيار الثالث، قلب الثورة وضميرها. ويجب أن يدرك جميع الأطراف أن أحدا لن يستطيع أن يحكم مصر فی المرحلة القادمة دون هذا التيار، شريطة أن يتحول إلى قوة سياسية منظمة وأن يختار له قيادة واعية.
حسن نافعة
حقوق النشر: المصري اليوم 2012