مهندس خط وسط منتخب الديوك وعقل مانشيستر سيتي المدبر
استلم سمير نصري الكرة بشكل جيد قبل أن يطلقها بتسديدة من خارج منطقة الجزاء، ليضعها بمهارة في أسفل الزاوية اليمنى لمرمى حارس مرمى المنتخب الإنكليزي. كان ذلك هدف التعادل ضد انكلترا في المباراة الأولى للمنتخبين في بطولة الأمم الأوروبية المقامة حاليا في بولندا وأوكرانيا معا. لحظة مهمة جدا بالنسبة لسمير نصري، لأن هذا هو أول هدف له في إحدى البطولات الكبرى.
ولكن بدلا من أن يكون سعيدا بعد تسجيل الهدف، بدا سمير نصري ساخطا، إذ ركض إلى منصة الصحافيين، ووضع إصبعه على شفتيه، اللتين خرجت منهما عبارة بذيئة قرأها الكثيرون. لفتة أكثر من واضحة طالب فيها بالصمت. وبعد المباراة قال نصري: "كنت أقصدكم بذلك". هذه الرسالة كانت موجهة لصحافيي المجلة الرياضية "ليكيب"، اللذين كانوا قد انتقدوه مؤخرا. وقالوا بأنه لن يضيف أي حافز للعب الفرنسيين، وبالنظر إلى مؤهلاته فإن ما يقدمه قليل جدا، كما ادعت "ليكيب".
وكما هو متوقع تسببت إشارته بعد الهدف بضجة كبيرة في فرنسا. وبعدها علق على ذلك والده عبد الحميد نصري بالقول: "إن (ابني) غير نادم على ذلك، ولكنه يعترف أن تصرفه لم يكن لائقا". ثم أردف قائلا: "شرحت له أنها ليست أفضل طريقة للرد". ومن جانبه بدا نويل لوغريت، رئيس الاتحاد الفرنسي لكرة القدم، غير راض عن إشارة صانع الألعاب، ولكنه لم يعاقب سمير نصري.
آثار كأس العالم الأخيرة
وفي فرنسا هناك شبه اعتياد على أمور أسوأ من ذلك من جانب المنتخب الفرنسي. ففي كأس العالم الأخيرة في جنوب أفريقيا، ساهم بعض اللاعبين في خلق فضيحة كبيرة عزت أوساط الساحة الرياضية الفرنسية، قفي الاستراحة بين شوطي المباراة ضد المكسيك تعرض مدرب المنتخب ريمون دومينيك لأبشع الشتائم من المهاجم نيكولا أنيلكا، لذلك تم استبداله ومن ثم استبعد من البطولة. آنذاك أظهر بعض أعضاء الفريق تضامنهم مع زميلهم المهاجم ورفضوا المشاركة في التمرين المفتوح.
وعلى إثر ذلك استقال على الفور مدير الفريق المذهول لما حدث جان لويس فالنتين. وبالمقابل، كادت الأمور أن تتطور إلى عراك بالأيدي فوق ميدان التدريب بين كابتن المنتخب باتريس ايفرا ومدرب اللياقة روبير دوفيرن.
سمير نصري كان بعيدا عن كل هذه المشاهد المحرجة، لأنه لم يكن وقتها من ضمن طاقم المنتخب الفرنسي في مونديال جنوب أفريقيا. وهذا الإبعاد كان أمرا غير مفهوم بالنسبة للكثيرين.
بدأ سمير رحلته مع المنتخب الأول في مارس/ آذار 2007، وكان من ضمن الكتيبة الزرقاء المستدعاة لنهائيات أمم أوروبا عام 2008، إلا أنه لم يشارك إلا في مباراتين، ولدقائق قليلة فقط. ويبدو أنه لم يستطع إقناع المدرب السابق، الذي فضل وضع ثقته في لاعبيه المخضرمين بدلا من الشباب الطامحين. فجاء قرار المدرب باستبعاد نصري من نهائيات كأس العالم الماضية. "لقد آلمني كثيرا أنني لم أكن ضمن تشكيلة المنتخب، ولكن بعد كل ما حدث، فربما كان أمرا جيدا أنني لم استدعى"، هكذا علق سمير نصري مؤخرا.
وعقب الفضائح المهينة في نهائيات كأس العالم تولى نجم المنتخب الفرنسي السابق لوران بلان منصب المدير الفني لمنتخب الديوك، واعتمد كليا على سمير نصري، ووضعه في مركز صانع الألعاب. ويبدو أن تلك الخطورة حققت نتيجة طيبة، ليس فقط بسبب تسجيل الفنان نصري الهدف الذي قاد فرنسا إلى نهائيات بطولة الأمم الأوربية، عندما أحرز هدف التعادل أمام البوسنة من ركلة جزاء، قبيل نهاية مباراة الإياب بدقائق قليلة، إذن كان على سمير نصري أن ينتظر وقتا طويلا قبل أن يتمكن من تحقيق انجازات هامة مع المنتخب الوطني الفرنسي، خاصة وأنه يعتبر منذ فترة طويلة واحدا من أفضل المواهب.
بداية صعبة وصعود صاروخي
ولد سمير نصري في مرسيليا، ثاني أكبر مدن فرنسا، وأكبر معقل للعمال، وللكثير من المهاجرين. هناك نشأ سمير نصري في عائلة ذات أصول جزائرية، في أحد الأحياء الفقيرة في الضواحي الشمالية للمدينة. ووسط أجواء التشاؤم ضمن المنطقة المكتظة بالمباني الخرسانية المسلحة، بدأ الصبي الصغير لعب كرة القدم.
وعندما بلغ سن الثالثة عشرة من عمره انضم لفريق الناشئين في نادي أولمبيك مرسيليا. وبسرعة لاحظ المسؤولون في النادي بأن صفوفهم تضم قطعة من الماس الخام. لذلك لم يكن مستغربا أن يتحول الموهوب نصري بعد أربع سنوات فقط للعب مع الفريق الأول.
ولكن سمير، الفتى النحيل، لم يستطع على الفور أن يحجز مكانا له مع الكبار. ومع ذلك، نجح في فرض نفسه على الساحة الدولية، فقد فاز مع المنتخب الفرنسي للشباب (تحت 17 سنة) بلقب البطولة الأوروبية عام 2004. ومنذ ذلك الحين صار لاعبا أساسيا في أولمبيك مرسيليا وأصبح يتحكم في مصير النادي العريق.
كما تألق نصري طوال الموسم لينال جائزة أفضل لاعب صاعد في الدوري الفرنسي لموسم 2006/2007. وبعد ذلك بعام واحد فقط انتقل إلى نادي أرسنال اللندني، بصفقة وصلت قيمتها إلى 15 مليون يورو. مدرب أرسنال هو مواطنه الفرنسي أرسين فينغر الذي كان معجبا جدا بالأداء الفني لللاعب الشاب. وبالفعل لم يخيب نصري آمال مدربه، وقدم مهارات كبيرة، وخاصة في المراوغة، إذ إنه في بعض الأحيان يفلت من خصمه وكأنه قطعة من الصابون. وإضافة إلى مهاراته الفنية يتمتع نصري برؤية شاملة للملعب وبتوقيت دقيق للتمريرات الحاسمة.
مطاردة الألقاب بدأت
أرسنال هو بالتأكيد أحد أهم الأندية الأوروبية لكرة القدم. ولكن هناك لعنة تطارد هذا الفريق تتمثل في أنه يقدم كرة جميلة، ولكنها فاشلة في تحقيق الألقاب. ولذلك رحل نصري في صيف عام 2011 إلى مانشستر سيتي بقيمة انتقال وصلت لنحو 25 مليون يورو. وبعد وقت قصير من الانتقال علّق نصري على هذه الصفقة بالقول: "لو كنت مهتما بمسألة المال فقط، لكان بإمكاني أن أبقى في لندن، حيث يوجد ما يكفي من اللاعبين الذين يكتفون بتلقي التحويلات المالية، ولكن دون أن يقاتلوا بحماس وتفان".
كما برر نصري انتقاله إلى مانشيستر سيتي بالاشارة إلى أن فريقه السابق أرسنال لن يفوز بأي لقب حتى على المدى البعيد، لكنه متعطش لتحقيق المزيد والفوز بألقاب كروية دولية. وهكذا بدأت خطته بالنجاح: في أول موسم توج مع مانشستر سيتي بلقب الدوري الإنكليزي الممتاز. وفي طريقه لهذا اللقب تحتم عليه اللعب ضد ناديه القديم: "أتمنى من مشجعي أرسنال أن ينسوا أمري ويحتفلوا بتحقيقهم المركز الثالث. أما أنا فسأواصل مطاردة الألقاب".
وهذا ما حاول تحقيقه مع المنتخب الفرنسي حاليا في كأس الأمم الأوروبية، لولا أنه تعثر في دور ربع النهائي أمام حامل اللقب الماتادور الإسباني، الذي أفسد على نصري احتفاله بعيد ميلاده الخامس والعشرين.
أندريه توشيتش
ترجمة: فلاح آل ياس
مراجعة: هشام العدم