هيا نلعب لننسى آلام الحرب
![فريق كرة الطائرة النسائي وسط مخيم النزوح في غزة. (Photo: Doaa Shahin) مجموعة فتيات تنظرن إلى كرة طائرة في الهواء على أرض فضاء](/sites/default/files/2025-02/volleyball-in-gaza_doaa-shahin.jpg)
تتعالى ضحكات الفتيات، وصدى كرة الطائرة التي تضرب أيديهنّ، في تحدٍ للواقع الذي يعشنه في مخيم غصن الزيتون بدير البلح وسط قطاع غزة، الذي يعج بالقصص المأساوية. ترتدي الفتيات ملابس بسيطة، وتحمل إحداهنّ كرة طائرة قديمة، وفي الوسط تظهر شبكة صُنعت من الحبال والخيوط المجمعة تفصل الملعب الترابي إلى نصفين.
قسّمت الفتيات أنفسهنّ إلى فريقين من خمس لاعبات، قبل أن يُطلق الحكم صافرة انطلاق المباراة. كانت الأجواء مليئة بالحماس وسط تشجيع نازحي المخيم، وكأن الجمع يستمدّ من الرياضة طاقة جديدة للحياة بسلام.
"لأول مرة منذ أشهر، نلعب ونشعر بالفرح، دون أن نخشى أصوات الطائرات والقصف، هذه اللحظات تجعلنا ننسى ولو للحظة ما عشناه من خوف وألم"، تقول نغم صيدم، 24 عامًا، بينما كانت تستعد لضرب كرة الطائرة بيديها بقوة تجاه فريقها المنافس.
تضيف: "كنت أعمل قبل الحرب موظفة علاقات عامة، لكني فقدت عملي، وفقدت معه شغفي تجاه أيّ أشياء أخرى". نزحت صيدم رفقة عائلتها من منزلهم في حي النصر بشمال غزة مع اندلاع الحرب قبل أن تستقر مع أسرتها في مخيم غصن الزيتون بوسط القطاع.
"كان لدينا ملعب صغير في فناء منزلنا، حيث كنت أمارس وأشقائي هوايتنا في لعب كرة الطائرة والآن كل شيء أصبح ركامًا". لا تزال مشاهد الانفجارات وأزيز الطائرات عالقة في ذهن صيدم، لكنها تركز فقط مع صوت صافرة المدربة، وهي توجهها نحو ضرب الكرة، في أجواء تنافسية مع زميلاتها.
![الشابة الفلسطينية تستعد للعب كرة الطائرة وسط خيام النازحين في غزة فتاة تحمل كرة في يديها وفي الخلف خيام](/sites/default/files/2025-02/volleyball-in-gaza_doaa-shahin_nagham-saidam.jpg)
والآن، بعد اتفاق وقف إطلاق النار الذي يسود القطاع منذ 19 يناير/ كانون الثاني، بدأ مئات الآلاف من الفلسطينيين النازحين من شمال القطاع إلى الوسط والجنوب العودة إلى منازلهم التي فروا منها بسبب القصف الإسرائيلي. غير أن صيدم تفضل الانتظار، وتتساءل: "إلى أين سأعود؟ لا منزل ولا شارع ولا حارة، حتى مكان عملي مدمر".
تضيف: "ما زلت أعيش بخيمة حتى بعد توقف الحرب، فالجميع ينتظر المراحل المقبلة وخطة الإعمار"، لكنها تردف: "الآن نحن أمام مرحلة ليست هينة، علينا أن نعيد بناء أنفسنا مجددًا كغزيين، ونفتش عن مستقبل أجمل".
حلم تمثيل فلسطين في البطولات الدولية
انضمت لفريق الهواة أيضًا حلا شبات، 20 عامًا، التي نزحت هي الأخرى من مدينة بيت حانون شمال غزة إلى دير البلح بسبب الحرب، حيث كانت في طريقها للالتحاق بالجامعة. تحلم شبات بأن تدرس التربية الرياضية، وتصبح لاعبة كرة طائرة واعدة تمثّل فلسطين في البطولات الدولية، "في كل مرة أضرب فيها الكرة عاليًا؛ أشعر أن حلمي يحلق معها".
اعتاد والدها أن يدعمها لممارسة رياضتها المفضلة، حتى إنه أعد لها ملعبًا صغيرًا بجوار خيمتهم قبل أن تنضم لاحقًا للفريق عندما تشكّل في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. تقول: "قررنا عدم الاستسلام لتلك الظروف، وسنبقى هكذا حتى تعود الملاعب الرياضة في غزة مجددًا".
ووثقت اللجنة الأولمبية الفلسطينية، استهداف 287 منشأة رياضية، بينها مقرا اللجنة الأولمبية واتحاد كرة القدم في القطاع، فضلاً عن عشرات الملاعب والصالات ومقرات الأندية. ومع توقف الحرب، تأمل شبات بأن يتم وضع الملاعب على سلم أولويات إعمار القطاع.
تقود الفريق، هناء أبو معيلق، 36 عامًا، وهي لاعبة كرة طائرة ومدربة للقوى البدنية في نادي السلام الرياضي لذوي الإعاقة بمدينة غزة. وقد عملت أبو معيلق، على استقطاب الفتيات للفريق من مخيم النازحين الذي يقمن فيه منذ بداية الحرب على غزة.
تشرح: "أشعر بسعادة غامرة عندما أرى الفتيات يضحكن ويمارسن هوايتهنّ، إذ تساعدهنّ الرياضة على نسيان المعاناة ولو لبضع ساعات".
![هناء أبو معيلق قائدة فريق كرة الطائرة للفتيات في غزة. شابة تمسك بشباك وخلفها فتيات يلعبن الكرة.](/sites/default/files/2025-02/volleyball-in-gaza_doaa-shahin_hanaaabumualiek.jpg)
"في البداية واجهنا انتقادات والفتيات كنّ مترددات، قبل أن تنضم واحدة تلو الأخرى ويشجعنّ بعضهنّ البعض، متجاوزات كل ما يعيقهنّ"، تشير أبو معيلق إلى صعوبة تقبل المجتمع في غزة لممارسة الفتيات لكرة الطائرة حتى قبل اندلاع الحرب، إذ يُنظر إلى هذه الرياضة على أنها حكر على الرجال.
علاوة على ذلك، أدى الحصار الذي فُرض على القطاع منذ سيطرة حماس على الحكم في عام 2007، إلى افتقار الأنشطة الرياضية اللامنهجية، مما أدى إلى فقدان الفتيات الفرصة لممارسة الرياضة. واقتصر الأمر على بعض الألعاب المحدودة في بعض مدارس الأونروا وجامعات غزة مثل ألعاب الكاراتيه وتنس الطاولة، وكرة الطائرة، والسباحة.
مقاومة ناعمة
يقول فؤاد أبو غليون رئيس جمعية فلسطين لكرة القدم والبتر، وهي منظمة مجتمع مدني تهتم بالرياضة في غزة، وصاحبة مبادرة تأسيس فريق كرة الطائرة للهواة، إنهم لامسوا تحسنًا في الروح المعنوية للفتيات المشاركات بالفريق بعد معاناتهنّ من ضغوط نفسية.
وأضاف أنّ النساء في غزة يخضن مقاومة ناعمة للتغلب على ظروف الحرب، ويلعبن على ملعب ترابي غير ملائم، وقد يعرضهنّ هذا لخطر الإصابة في أثناء اللعب.
وبعد وقف إطلاق النار، يعمل أبو غليون، على تجهيز خطط للجهات الداعمة لإنشاء مخيمات رياضية مجهزة بملاعب كروية مناسبة لكرة الطائرة أو السلة أو كرة القدم داخل القطاع، واستقطاب العديد من الفتيات ممن تعرضنّ لإصابات البتر خلال الحرب للتخفيف عنهنّ.
لكنه استدرك قائلًا: "كل هذا مرهون بنهاية الحرب وخطط إعمار القطاع المدمر".
© قنطرة